الزراعة السورية تقاوم الموت

23 مايو 2016
استمرار الإنتاج السوري الزراعي (Getty)
+ الخط -
يستمر غنم العوّاس السوري بالوصول إلى السعودية، القمح السوري يواصل رحلته التجارية إلى تركيا، وشبكة التجارة الإقليمية السورية تمضي قدماً متجاهلة متاريس المتحاربين وحدودهم... فقد أشارت الأمم المتحدة إلى أن إنتاج القمح السوري في موسم عام 2015 سيبلغ 3 ملايين طن، يساعده في ذلك موسم الأمطار الجيد في العام الماضي، بينما مصادر محلية أشارت إلى أن حجم الإنتاج الفعلي بلغ قرابة 2.9 مليونَي طن.
الحكومة السورية التي كانت تستلم القمح من المزارعين في المناطق المتنوعة، أعلنت في نهاية مواسم الاستلام أن حجم ما استلمته قارب 450 ألف طن من القمح، ما يعني أن أكثر من 2.4 مليونَي طن من القمح قد تم تسويقه في السوق الحرة، بعد أن كانت تجارة القمح السوري حكراً على السلطات الحكومية قبل الأزمة.
السعر الحكومي العام الماضي، لم يكن جذاباً للمزارعين بالمقارنة بسعر السوق، التي وصل فيها سعر كيلوغرام القمح إلى 80 ليرة سورية، بينما عرضت حكومة النظام السوري شراءه بسعر 62 ليرة، فأبقى المزارعون قمحهم في المخازن إلى أن بدأ التجار بجمعها لينقلونها لاحقاً إلى أسواق أخرى، وبالدرجة الأولى إلى السوق التركية. لم تظهر بعد أرقام حول مساحات زراعة محصول العام الحالي من القمح، إلا أن مختلف التقديرات تشير إلى تراجع كبير في المساحات، مع موسم الأمطار المنخفض، ورواج محاصيل أخرى مثل الكمون والكزبرة وغيرها كبديل عن القمح.
هذه المحاصيل، الكمون والكزبرة تحديداً، هي محاصيل سهلة الزراعة، منخفضة التكاليف، وغالية الثمن، ولكن عدا عن كونها تهدد، بحكم ابتلاعها مساحات زراعة القمح، السنة اللاحقة بعوز وعجز إضافي كبير في "محصول القمح الاستراتيجي"، عدا عن هذه المسألة ومخاطرها، فإنّ الفلاحين أنفسهم مهددون بحكم إقبالهم الموحد والكبير باتجاه نوع محدد من الزراعات بأنّ يتسببوا بعرض كبير من هاتين المادتين، يدفع بالأسعار إلى الانخفاض، ويشكل كمحصلة خطراً اقتصادياً حقيقياً على عامهم المقبل... ولكن يبدو أنّ لا حلول واضحة حتى الآن، لا بين يدي الفلاحين، ولا بين يدي الحكومة التي رفعت يدها، تنظيمياً وحمائياً، عن المزارعين وزراعتهم.

بالعودة إلى غنم العواس السوري، وهو تقريباً "ماركة سورية" خاصة وعليها طلب عال إقليمياً، لا يجد إمكانيات استهلاك جدية في سورية نتيجة انخفاض القدرات المعيشية بشكل حاد خلال السنوات الماضية، وخاصة السنة الأخيرة، وذلك مقابل مغريات في طلب السوق الإقليمية، وأسعار مضاعفة مع فارق العملة الكبيرة... كل هذه العوامل جعلت من انتقال قطيع العواس السوري نحو الخارج عملية منظمة موضوعياً، وإن كان شكل ظهورها عشوائياً عبر التهريب وغيره من الأساليب. على حساب عمليات التربية، تجري عمليات تهريب منظمة مستفيدة من ظروف الفوضى، حيث تتضارب الأرقام، إلا أن الأرقام تقول إن خسائر الماشية في سورية وصلت إلى 60%، خلال سنوات الأزمة.
قد يكون توسع التهريب ونقل المنتجات الزراعية السورية إلى خارج الحدود، ظاهرة غير صحية، إلا أنه قد يكون أيضاً واحداً من الأسباب التي تجعل الزراعة السورية الوحيدة من بين القطاعات الإنتاجية السورية الأقل تراجعاً، لا بل حققت نمواً عوضاً عن التراجع في عام 2015، حيث تشير دراسة مركز بحوث السياسات السوري، (مواجهة التشظي)، إلى أن الناتج المحلي الزراعي قد حقق نمواً مقدراً بحوالى 7.5% في عام 2015، إلا أن الأسباب تتراوح بين توفر الأسواق للمنتجات، وكذا الظروف المناخية المساعدة في العام الماضي، والتي أدت على سبيل المثال إلى توسع إنتاج البطاطا بنسبة 180 % عن عام 2014 بحسب تقرير المركز نفسه.
وإذا ما أتيح توسيع التهدئة في سورية فإنها عملياً ستسرع من عملية توسع النمو الزراعي السوري الأفقي والعمودي، الذي يتسم على ما يبدو بمرونة عالية تقاوم ظروف الحرب. فالبيانات تشير إلى أن المساحات التي تمت خسارتها تعادل 30%، وبمجرد عودتها فإنها ستساهم بمزيد من توسع الإنتاج المنكمش.. على هذه النقطة تحديداً يعلق عدد كبير من المزارعين السوريين آمالهم وأمانيهم.
(كاتب اقتصادي سوري)
المساهمون