سالم العياري:لا حلول إلا بتغيير المنظومة الاقتصادية في تونس

سالم العياري:لا حلول إلا بتغيير المنظومة الاقتصادية في تونس

02 سبتمبر 2015
سالم العياري (العربي الجديد)
+ الخط -
يقول الأمين العام لمنظمة اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل في تونس، سالم العياري، إن السياسات الاقتصادية المتّبعة اليوم لم تتغير عن تلك التي وضعها نظام بن علي، ما يشير إلى ثورة أخرى في الأفق.

وهذا نص المقابلة:

* كيف تقيّمون تعامل الدولة التونسية مع ملف البطالة؟

تشهد ظاهرة البطالة في تونس تفاقما أمام عجز الدولة التونسية عن توفير وظائف جديدة وشبه تجميدها للتقديم إلى الوظيفة العمومية، وذلك منذ تولي حكومة مهدي جمعة مقاليد السلطة. وفي المقابل فإن حوالي 60 ألف شاب حاصل على شهادة جامعية يضافون سنوياً إلى سوق العمل.

ولكن ما نلاحظه اليوم وبعد مرور نحو 4 سنوات من اندلاع ثورة الحرية والكرامة، أن الخيارات الاقتصادية والاجتماعية للدولة التونسية لم تتغير بعد، كما أن الحكومات التي تعاقبت في فترة ما بعد الثورة لم تغير من التوجهات القديمة في هذا المجال، لا من ناحية ترتيب الأولويات ولا من ناحية الترفيع في الميزانية المخصصة للتشغيل أو التنمية. ونحن في اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل، هدفنا الدفاع عن العاطلين عن العمل وخصوصاً منهم حاملي الشهادات، ونتابع أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، ونجزم اليوم وبعد تداول عدة حكومات على السلطة أن الدولة تتعامل مع ملف البطالة بطريقة تقليدية وغير محكمة من حيث الإصلاحات والتفكير في تغيير ملامح المنظومة الاقتصادية والميزانية.

* ما هو تصوركم للخريطة الجغرافية للعاطلين عن العمل من فئة حاملي الشهادات العليا؟

النسبة الكبرى من هؤلاء نجدها في محافظة تطاوين حيث تصل نسبة العاطلين من ذوي الشهادات العليا في هذه المحافظة إلى نحو 50% من النسبة الإجمالية في البلاد. وتتوزع بقية نسب البطالة المرتفعة تدريجياً على المحافظات التالية: القصرين وجندوبة وسيدي بوزيد وقفصة ثم بنزرت وباجة وتأتي بعد ذلك محافظات صفاقس والمهدية وغيرها من محافظات الشمال الغربي.

ويعود تركز البطالة أصحاب الشهادات في هذه المناطق بالذات يسبب غياب التنمية في هذه الجهات وتوجيه الثروات نحو المناطق الساحلية، ما أدى إلى تآكل البنية التحتية والطرقات في مناطق الشمال الغربي والجنوب ونفور المستثمرين نحو مناطق أكثر رفاهية وسهولة في التنقل. وما يزيد الأمر تعقيداً هو استثمار أهالي تلك المناطق في تدريس أبنائهم وبعد سنوات من الدراسة والغربة تجدهم يعودون إليها خائبين عاطلين عن العمل.

والشاهد على ذلك أن الثورة انطلقت من إحدى المناطق الداخلية بعدما أضرم شاب متحصل على شهادة جامعية النار في جسده.

اقرأ أيضا: نزار قرّافي: الاقتصاد هو مفتاح الحلّ السياسي في تونس

* ما هي أهم خصائص بطالة أصحاب الشهادات العليا مقارنة بباقي العاطلين عن العمل؟

هذه الفئة من الشباب العاطل عن العمل تعد الفئة الأكثر حساسية والأكثر صعوبة أثناء محاولة إدماجها في سوق الشغل، فهذا النوع من طالبي الشغل لا يرضى بأية وظيفة، أغلبهم يريد العمل في اختصاصه ولا يرضى بغير ذلك إلا في الحالات القصوى تجد بعضهم يشتغل في غير اختصاصه.

وتتعمق المعاناة هنا عند حاملي الشهادات العليا في اختصاص التاريخ والجغرافيا والآداب واللغة فجلّهم لا يجد العمل المناسب له خارج قطاع الوظيفة العمومية. والمطّلع على قطاع الوظيفة العمومية في تونس يدرك أنها تنشط بحركة بطيئة مقارنة بعدد الطلبة المتخرجين من الجامعات التونسية.

يختلف الطالب الجامعي في تفكيره عن الحرفي الذي لم ينفق كثيراً في تسديد مصاريف الدراسة واتجه مباشرة نحو مراكز التكوين المهني ليتعلم حرفة لا تتطلب منه الوقت الكثير حتى يتقنها ليجد أن اختصاصه مطلوب بكثرة في سوق الشغل.

فالطالب التونسي بعد أن ينهي دراسته الجامعية يركز اهتماماته على مواطن الشغل التي تتلاءم مع اختصاصه الدراسي، والتي لا يجدها في أغلب الأحيان ونتيجة لأنه لا يتقن غيرها، تراه يدخل في فترة ليست بقليلة من البطالة والانتظار وكلما يتبع ذلك من ضغوط نفسية ومادية واجتماعية.

اقرأ أيضا: هل تعفي تونس عمن نهبوا الاقتصاد بحجة دعمه؟

* ما هو تقييمك لاختبارات الوظيفة العمومية؟

من المفترض أن تكون مناظرات الدخول للوظيفة العمومية هي المتنفس الأول لأصحاب الشهادات العليا الذين انتظروا لسنوات من البطالة بعد تخرجهم، لكن الذي نراه اليوم هو تقريباً العكس. فمن منظورنا نرى أن عدة اختبارات تعلن عنها الدولة للدخول في الوظيفة العمومية، لكن يكون الإعلان عن النتائج وطريقة اجتياز الاختبارات الكتابية والشفاهية غير شفافة ومشكوك في مصداقيتها وهذا ما من شأنه أن يزيد الوضع توتراً بين طالبي الشغل والدولة.

لذلك، فنحن نطالب الحكومة والجهات المشرفة على مناظرات الدخول للوظيفة العمومية في تونس بأن تجعل هذه المناظرات وطرق اجتيازها ونتائجها أكثر شفافية ومصداقية، لأنه وبحسب ما لاحظناه فإن نتائج هذا الصنف من المناظرات أصبح يشوبها الكثير من الشك وعدم الوضوح. كما نعتبر لأن آلية اختيار الكفاءات المناسبة لتولي مسؤوليات داخل المؤسسات العمومية، تطغى عليها المحسوبية والفساد ومن خلالها يسند عدد كبير من مواطن الشغل لغير مستحقيه.

ومن بين سلبيات مناظرات الدخول للوظيفة العمومية نذكر شرطاً تعجيزياً لشريحة معينة من المترشحين الذين تتوفر لديهم كل الشروط القانونية لكنهم يحرمون من اجتياز المناظرة نظراً لتجاوزهم السن القانوني المسموح به لاجتياز هذا الصنف من المناظرات، علماً أن هؤلاء يعدون من الفئة المنتجة وينتظرون الكثير للحصول على وظيفة.

ومن بين 350 ألف عاطل عن العمل من حاملي الشهادات العليا نجد حوالي 90 ألفاً منهم حالاتهم حرجة وضاعت عليهم فرصة اجتياز مناظرات الوظيفة العمومية وذلك لتجاوزهم السن القانوني المسموح به لإجراء المناظرات وتتراوح أعمار هؤلاء بين 30 و45 سنة.

اقرأ أيضا: هل يكون الاقتصاد التضامني حلاً لأزمة تونس؟

* هل طالبتم بتغيير هذا البند المرتبط بالسن القانوني؟

نعم، من موقعنا كمنظمة تعنى بالشباب العاطل عن العمل، طالبنا الدولة التونسية بإيجاد حلول جذرية لهذه الفئة من طالبي الشغل كإعادة تأهيلهم ومحاولة إدماجهم في منظومة الوظيفة العمومية أو غيرها.

وللتذكير فقد قمنا أخيراً بصياغة قانون شغلي يضمن الحد الأدنى من المساواة بين مختلف الفئات العمرية من أصحاب الشهادات العاطلين عن العمل والذين يرغبون في اجتياز مناظرات الوظيفة العمومية، لكننا لم نجد تفاعلاً من قبل رئاسة البرلمان.

اقرأ أيضا: فاسدو مصر وتونس.. عودة الابن الضال

* برأيك ما هي الحلول الممكنة لتفادي تزايد عدد العاطلين عن العمل من ذوي الشهادات العليا؟

في الواقع يمكننا أن نجد حلولاً وقتية لهذه المعضلة وعلى الدولة أن تشرع في البحث عن حلول جذرية وذلك بإعادة وضع برامج تدريس تتماشى ومتطلبات سوق الشغل في تونس.
ونقول هذا بعد التأكد من أن السبب الرئيس لارتفاع نسبة البطالة لدى فئة حاملي الشهادات العليا يتمثل أساساً في عدم التكافؤ بين الاختصاصات التي يتم تدريسها في الجامعات التونسية وما يطلبه سوق الشغل.

ومن موقعنا نطالب الدولة بوضع استراتيجية جديدة تجعل الاختصاصات الموجودة في الجامعات تجد قبولاً جيداً لدى الفاعلين في سوق الشغل. وليس بجديد عن كل الأطراف أن السياسات الاجتماعية والاقتصادية البالية التي كانت تعتمد في فترة المخلوع بن علي هي المتسبب الرئيس في كل هذه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المطروحة اليوم، لكن على مستوى التطبيق لا نجد مؤشرات تدل على الرغبة في التغيير.

ومن الواضح لدى الرأي العام في تونس أن محاور اهتمام الدولة تبقى منحصرة في المسائل السياسية من دون العودة إلى ما يعاني منه العديد من فئات المجتمع التونسي من تفقير وتهميش وإهمال.

اقرأ أيضا: عبد الرحمن الهذيلي: المؤشرات الاجتماعية في تونس توحي بالانفجار

* لصقاً بالواقع، هل فعلاً تستطيع منظمتكم مساعدة الشباب العاطل عن العمل؟

نحن، منظمة شبابية تونسية أردنا أن نكون بمثابة الجناح النقابي لفئة المتخرجين من الجامعات العاطلين عن العمل، وذلك بعد إدراكنا أن الساحة النقابية تفتقد لهذا الهيكل. فالجميع يعرف أهمية المنظمات النقابية في صلب الجامعات التونسية ولا يخفى على أحد دور الاتحاد العام التونسي للشغل في الدفاع عن القاعدة العمالية.

وتهدف منظمتنا إلى تحقيق منظومة تشغيلية ترتكز على القوانين العادلة والشفافية وآليات رقابة ومتابعة لمناظرات الدخول إلى الوظيفة العمومية. ويسعى مختلف أعضاء المنظمة إلى التفكير في مقترحات يمكنها أن تخفض من نسبة العاطلين عن العمل من حاملي الشهادات العليا وشهادات الكفاءة المهنية فمن خلال التخفيض في نسبة البطالة، نقدر على الحد من أزمات اجتماعية أخرى على غرار الفقر والانتحار وغيره.

نحاول دائماً أن نكون حلقة الوصل بين الشباب المتعلم العاطل عن العمل من جهة والأطراف الحكومية من جهة أخرى، وذلك لمساعدته في الحصول على وظيفة تتناسب مع اختصاصه. وهناك عدد محترم من المؤسسات الخاصة تعترف بأهمية أنشطة منظمتنا وترسل إلينا عدداً من فرص التشغيل التي في الكثير من الأحيان تتلاءم ومكتسبات عدد من المنخرطين لدينا. وهذه نتيجة إيجابية تشجعنا على مواصلة مساعينا نحو منظومة شغلية عادلة.

اقرأ أيضا: الاقتصاد التونسي في العشرية المقبلة: مكانك سر

* ولكن هل تجدون تجاوباً من قبل السلطات؟

فعلياً، نجد ضعفاً كبيراً من حيث التجاوب من الجانب الحكومي في هذا المجال، لذلك فإننا ننصح جميع الشباب التونسي العاطل أن يطلق العنان لتفكيره للبحث عن حلول يمكنها أن تنقذه من أنياب الفقر.

وأنا كشاب تونسي أدعو أصحاب الشهادات العليا إلى أن يحاولوا إنشاء مشاريع صغيرة وبالتالي يساهمون في خلق مواطن شغل لأنفسهم ولغيرهم وأن لا يستسلموا للبطالة.

وفي الأخير أريد الإشارة إلى أمر مهم رغم شدة وضوحه، وهو أنه من المحتمل أن تحصل ثورة أخرى وترفع خلالها نفس الشعارات التي رفعت في ثورة 2011، خصوصاً في ظل الإهمال الواضح الذي يعانيه العاطلون عن العمل وانكباب المسؤولين في الدولة على القضايا السياسية وإهمالهم للقضايا الاجتماعية والتنمية.

اقرأ أيضا: الشعب التونسي يتقشف والمسؤولون "يفلتون" الحزام

"طلعت ريحتكم" أيضاً في تونس
أشار اتحاد أصحاب الشواهد العليا المعطلين عن العمل في تونس، إلى أن المطلوب من المعطلين توحيد جهودهم، وتوجيه قواهم، من أجل انتزاع حقهم في الشغل، وعدم انتظار الهبات والصدقات التي تصرفها الحكومة كرشى اجتماعية. ويشرح الاتحاد على صفحته في فيسبوك، أن اتحاد أصحاب الشواهد ليس جمعية ولا حتى منظمة، وإنما هو تجمع لكل المتضررين من سياسات الإقصاء الوظيفي من شباب تونس، ويناضل من أجل التشغيل، وللمعطلين جميعاً كأصحاب الشهادات ولغير أصحاب الشهادات.

ويرفع الاتحاد شعارات مرتبطة بالقضايا التي يدافع عنها، ومنها: "حق الشغل قبل كل الحقوق"، و"لن يكلفنا النضال أكثر مما كلفنا الصمت"، و"الشغل، حرية، كرامة وطنية". ويشير إلى أن حملة ‫"طلعت ‫ريحتكم" في لبنان كان من المفروض أن تكون عنوان التحركات ضد الحكومات التونسية الفاسدة التي حطمت ودمرت طموحات وأحلام أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل، والتي تمادت في الاستخفاف بعقولهم وداست كرامتهم، وأن يرفع هذا الشعار في وجه الحكومة التي همشت الشباب ودفعتهم دفعاً بسياساتها الإقصائية إلى الهجرة السرية أو الانتحار أو الارتماء في أحضان الإرهاب، وكل ذلك بشكل رسمي وعلني.. ويختم: "ريحتهم في تونس طلعت وخنقتنا وكتمت أنفاسنا!".

اقرأ أيضا: وداد بوشماوي: القطاع الخاص التونسي مطالب بتحقيق أهداف الثورة

بطاقة
سالم العياري، الأمين العام لمنظمة اتحاد أصحاب الشهادات العليا المعطلين عن العمل، حاصل على الأستاذية في اللغة والآداب العربية منذ سنة 2004. لدى العياري تجربة نقابية في الاتحاد العام لطلبة تونس، وهو ناشط في قضايا التعليم وربطه بحاجات سوق العمل، منذ فترة تحصيله العلمي في الجامعة.

المساهمون