الجوع: قاتل صامت يتربّص بملايين الفقراء العرب

22 يوليو 2015
+ الخط -
أصبح الجوع قَدَر ملايين العرب في العديد من الدول العربية. ولم تعد لقمة العيش سهلة المنال، أمام انحسار مداخيل الأسر، وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، والتقلّبات المناخية التي زادت من معاناة سكان الأرياف. وتحول الجوع بالنسبة لآلاف اللاجئين الهاربين من الحروب، معاناة يومية، تنتظر وكالات الغوث من أجل التخفيف من حدتها.

وخلص تقرير صدر أخيراً عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة إلى أن العالم في حاجة إلى استثمارات إضافية سنوية قدّرتها المنظمة بـ267 مليار دولار للقضاء على الجوع حتى العام 2030. وحدد التقرير نصيب الفرد الواحد بـ160 دولاراً لتغطية حاجات الذين يعيشون الفقر المدقع.

لكن، ما هو نصيب الفقراء العرب من حجم الاستثمارات التي أوصت بها المنظمة للقضاء على الجوع؟ وهل ضمان الأمن الغذائي من أولويات الحكومات العربية؟

الواقع يؤكد أن السياسات الاقتصادية العربية تنتج المزيد من الجياع. فحسب خارطة الجوع لعام 2015 الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، قفز عدد المواطنين الذين يعانون من نقص التغذية المزمن في العراق من 7.8 ملايين مواطن بين الفترة الممتدة من 2010 وحتى 2012، إلى 8.1 ملايين يعانون من نفس الوضع وسيعانونه بين الفترة ما بين 2014 و2016. وفي السودان التي تحوي أخصب الأراضي الزراعية، رصدت فيها الخريطة 10.2 ملايين جائع حتى العام 2015. وأوردت الخريطة ذاتها تواجد 6.7 ملايين مواطن يعانون الجوع في اليمن.

اقرأ أيضا: الماء: شحّ الموارد الطبيعية يهدد مستقبل المواطن العربي

ويرى الخبير الاقتصادي البيئي مازن عبود أن معضلة الجوع في المنطقة العربية مرتبطة بثلاثة عناصر أساسية. أولاً غياب الجهود والاستثمارات الكافية في المجال الزراعي. ثانياً، عدم تكافؤ الإنتاج الزراعي العربي مع النمو السكاني، وجمود نسب الإنتاج في مستويات كانت تلبي حاجات عدد أقل من سكان المنطقة العربية. وأخيراً، طبيعة المناخ والجغرافيا التي تقع فيها الدول العربية، وتعاني جلّها من التصحّر وقلّة المتساقطات المطرية، وذلك ما يجعل 14.5% فقط من مساحة الأراضي العربية صالحة للزراعة.

ويضيف مازن عبود، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أن الحكومات العربية لا تقوم باللازم تجاه استصلاح الأراضي الزراعية وحمايتها من التصحر، كما لا تأخذ بشكل جدي التقارير الدولية التي تصدر عن المؤسسات المعنية بالزراعة والتغذية. ويشدد المتحدث ذاته، على أن الجوع والنقص في الغذاء، معضلتان يمكن أن تفرزا حروباً طاحنة في دول عربية أخرى غير التي تشهد مواجهة عسكرية اليوم.

وحسب معطيات حصلت عليها "العربي الجديد" من مؤسسة "فيدباك" الفرنسية، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعد من أبرز المناطق في العالم التي يتم فيها هدر الطعام، حيث تصل النسبة إلى 45% سنوياً بالنسبة لهدر الخضر والفاكهة. وأوردت المؤسسة التي تقود اليوم حملة دولية لمحاربة هدر الطعام في معطياتها، أن معدل إهدار الطعام في المنطقة العربية بالنسبة للفرد الواحد سنوياً تتجاوز المعدلات العالمية. وسجل المصدر ذاته، تصاعد هذا السلوك بشكل كبير في شهر رمضان، حيث تصل مستويات هدر الطعام إلى معدلات قياسية.

وتربط المؤسسة بين معاناة الفقراء من الجوع وقضية محاربة هدر الطعام، حيث ترى "أن الطريقة الفعالة للقضاء على الجوع في العالم، وإنهاء معاناة الأطفال الذين ينامون ببطون خاوية، تبدأ بوقف هدر ثلث كمية الطعام الذي ينتجه العالم سنوياً".

اقرأ أيضا: "المناخ"... معاناة إضافية للمهمشين في الدول العربية

من جهته، يؤكد الخبير الاقتصادي البيئي مازن عبود هذا الطرح الأخير حول العلاقة المباشرة بين إهدار الطعام ومعاناة شرائح واسعة من الجوع. حيث يقول إن تقارير نشرت سابقاً، كشفت أن ما بين %40 و60% من الأطعمة التي تعدها الأسر العربية والأفراد تذهب نحو مكب النفايات، وربط ذلك بعقلية "الكرم العربي"، كذا "البذخ" في ملء مائدة الطعام دون استهلاك ما فوقها.

بدوره، يعتبر مدير عام وكالة التنمية الفلاحية في المغرب محمد الكروج، أن ضمان الأمن الغذائي مرتبط أساساً بإطلاق مشاريع زراعية تدمج بين الإنتاج والمحافظة على البيئة. ويؤكد في حديثه لـ"العربي الجديد"، على ضرورة دعم المشاريع الزراعية التي تهدف إلى توفير منتوج جيد، بأقل كلفة بيئية ممكنة. وذلك يمر، بحسبه، عبر ترشيد استعمال المياه، والتشجيع على استعمال بذور طبيعية مقاومة للتقلّبات المناخية.

ويقول محمد الكروج إن ضمان الأمن الغذائي يتطلّب دعم أول حلقة في الإنتاج الزراعي، وهي الفلاحين الصغار، الذين يملكون قطع أرض زراعية صغيرة، لكن في الوقت ذاته قادرة على تأمين حاجات المناطق المحيطة بها، وذلك بأقل تسعيرة ممكنة، إذا ما وفرت لهم الإمكانية للرفع من الإنتاجية، وظروف التسويق الجيدة للمنتج الزراعي.

إلى ذلك، يبقى أمام الدول العربية تحد أكبر للقضاء على الجوع وتأمين الأمن الغذائي لمواطنيها، وهو محاولة تقليص عدد الدول العربية التي يهددها التصحر إلى ما دون 17 دولة حسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة.
دلالات
المساهمون