خلدون الخشمان:المياه ستكون محور النزاع العربي المقبل

30 نوفمبر 2015
الأمين العام للجمعية العربية لمرافق المياه خلدون الخشمان(العربي الجديد)
+ الخط -
قال الأمين العام للجمعية العربية لمرافق المياه خلدون الخشمان إن الدول العربية باتت مشرفة على حروب سببها التنازع على مصادر المياه، لذا يتطلب وضع خطط استراتيجية، وأوضح في مقابلة لـ "العربي الجديد" أن التكامل العربي يساعد في حل الأزمات. وهنا نص المقابلة:

*كيف تقيم واقع المياه في الدول العربية؟
من يتابع واقع المياه في الدول العربية، يعي جيداً أن هناك شحا كبيرا في المصادر المائية. حيث تعاني 13 دولة عربية من شح المصادر المائية لأسباب عديدة. ولا شك أن هذا الواقع أثر بشكل كبير على اقتصاد هذه الدول، رغم أن الدول العربية كانت تعتبر من الدول الغنية في المياه. اليوم، ولأسباب عديدة، باتت الدول العربية على قائمة الدول الأفقر مائياً عالمياً وعلى سبيل المثال، يحتل الأردن المراتب الأولى في شح المياه عربياً، إذ إن معدل حصة الفرد من المياه في العام يبلغ 150 مليلتراً مكعباً فقط، وهذه النسبة ضعيفة جداً مقارنة مع المعدل الطبيعي.
إلى ذلك، فإن نحو 40% من مصادر المياه في الدول العربية تأتي من خارج حدود الوطن العربي، كما هو الحال في النيل ودجلة والفرات، والمياه المشتركة في الأردن وسورية والعراق ومصر، وهذا ما يتسبب في حدوث مشاكل بين العديد من الدول.


*هل تعتقد أن دول الخليج تواجه الواقع نفسه مع باقي الدول العربية من حيث الأزمات واحتمالات شح المياه في المستقبل؟
استطاعت دول الخليج العربي أن تتخطى العجز المائي وذلك من خلال اللجوء إلى التحلية، ونجحت في توفير كميات كبيرة من المياه التي تحتاجها. ورغم هذا التطور، إلا أنني أعتقد أننا ما زلنا نواجه مشاكل وعراقيل عدة وعلى عدة مستويات، منها غياب تطبيق قوانين حوكمة المياه (Water Governance)، وخصوصاً في استخدام المياه المحلاة في الري وري الحدائق، وهذا يتطلب جهوداً كثيفة من قبل الحكومات العربية.

*يتردد دائماً، أن الحروب المقبلة هي حروب على المياه، ما هو تعليقك على هذه الأحاديث؟ وإلى أي حد نحن فعلاً على مشارف حروب جديدة تسببها المياه، وخاصة أن هناك بعض المناوشات بين الدول بدأت من أجل السيطرة على مياه الأنهار؟
هذه مقولة قديمة، ولطالما تحدثنا عنها في ندوات وأبحاث عديدة. وبالطبع، نحن نرجو ألا تكون هذه هي الحقيقة التي سنواجهها. وفي هذا الإطار، نحبذ التعاون الإقليمي بين الدول من أجل سد العجز المائي، وخاصة بالنسبة إلى الدول التي تمتلك أنهاراً مشتركة، كما هو الحال في مشروع ناقل البحرين، والتعاون بين كل من تركيا وإيران. من جهة أخرى، لا بد من الإشارة إلى أنه في حال تم استخدام المياه كورقة ضغط من أجل تنفيذ مطالب سياسية واقتصادية، فإن المنطقة حتماً ستدخل في صراعات مائية لا نهاية لها، وستكون المياه السبب المباشر للحروب المستقبلية.

*توقع العديد من الخبراء أن تواجه 33 دولة قليلة المياه في العالم أزمة مياه طاحنة بحلول عام 2040، نصفها في الشرق الأوسط، حيث تندر المسطحات المائية، ويشتد الطلب على المياه، في هذا الصدد ما هي الإجراءات التي يمكن اتخاذها لمواجهة هذه الأزمة؟
للأسف، فإن هذه التوقعات باتت من الحقائق التي يعيشها العالم. فهناك دول عربية عديدة في منطقة الشرق الأوسط ستواجه أزمات طاحنة بحلول عام 2040. ولا شك أن هذا الأمر يتطلب استراتيجية معينة من أجل المواجهة. لذا أعتقد أن الإجراءات التي يمكن اتخاذها لمواجهة هذه الأزمة تتخلص بما يلي: أولاً، يجب أن نتجه نحو المياه غير التقليدية للاستخدامات المختلفة، بالإضافة إلى التوجه نحو استخدام المياه المعالجة في الري. كما يتطلب أيضاً التوجه نحو تحلية المياه كحل استراتيجي في المنطقة، بالإضافة إلى ذلك، من المهم جداً العمل على رفع كفاءة أنظمة المياه من أجل تخفيض فاقد المياه، حيث يصل فاقد المياه في بعض الدول إلى 40-50%، ويبقى الأهم من ذلك مشاركة القطاع الخاص في تمويل المشاريع الجديدة مثل مشاريع مصادر المياه.

*برأيك ما هي الأسباب الحقيقية التي تمنع العالم العربي من استغلال موارده المائية البالغة نحو 340 مليار متر مكعب، إذ تشير الدراسات إلى أن العالم العربي لا يستفيد سوى من 50% فقط من موارده والباقي معرض للهدر والضياع؟
بداية لنكن واضحين، فإن نسبة 340 مليار متر مكعب ليست متواجدة في جميع الدول العربية، بل في مناطق معينة ودول معينة. وعلى الرغم من وجود هذه النسبة، إلا أنها ليست متاحة طويلاً، فأثيوبيا مثلاً بدأت تشارك مصر من مياه نهر النيل ما خفض من حصة مصر من المياه. وهناك العديد من الأسباب التي تقف في وجه غياب الاستغلال السليم للمياه، منها الأوضاع السياسية والأمنية المتوترة بين الدول. لذا، أعتقد أنه من الضروري اليوم عقد اتفاقات ومعاهدات ثنائية وإقليمية، من أجل تنسيق العمل المشترك في ما يخص واقع المياه. فهذه الاتفاقات تنظم آليات الاستفادة من المياه بين الدول بشكل سليم.
وعليه، نطالب كخبراء في الشأن المائي، بضرورة التوصل لعقد معاهدات طارئة من أجل إيجاد الحلول اللازمة لأي أزمات تستجد في هذا الموضوع. بالإضافة إلى ذلك، أعتقد أنه من الضروري أن تقوم الدول العربية بالاستثمار والسعي لإيجاد مصادر تمويل للقيام بالمشاريع المهمة، كإقامة السدود، وغيرها من المشاريع المائية.

اقرأ أيضاً:سعيد عيسى:الطبقة السياسية مسؤولة عن انتشار الفساد في لبنان

*يقوم المجتمع المدني بدور كبير في مجال حل أزمة المياه في الدول العربية، وخاصة أن المجتمع المدني يسعى دائماً إلى توعية المستهلكين لندرة المياه والجفاف، كيف تقيّمون هذه التجربة في الدول العربية؟ وهل من أمل للوصول إلى نتائج مرضية؟
يقوم المجتمع المدني في الدول العربية بدور أساسي في توعية المجتمع لأهمية المياه. وتسعى مؤسسات المجتمع المدني في هذا المجال إلى التوعية والإرشاد في كيفية استخدام المياه، بالإضافة إلى تشجيع المستثمرين لإقامة مشاريع ضخمة. كما أن المجتمع المدني يسعى أيضاً إلى المساهمة في إنشاء الحوار المؤسسي والمجتمعي بين المواطنين والمسؤولين حول المياه. وتسعى مؤسسات المجتمع المدني أيضاً نحو التركيز على مواضيع الشفافية والنزاهة من خلال تعريف المواطن بحقوقه المائية. من جهة أخرى، يتجلى الدور الرئيسي الذي تقوم به مؤسسات المجتمع المدني من خلال تقديم فرص التدريب، حيث تهتم بإقامة ورش تدريبية، وندوات مستمرة، تساعد الخبراء في المجال المائي في توسيع قاعدة معارفهم، كما تساعد في تبادل الخبرات. وأعتقد أن دور المجتمع المدني مهم في هذه المرحلة، كما يعتبر دوره تكميلياً لما تقوم به المؤسسات الحكومية والدولية.


*يعاني الأردن من شح في المياه، وتكاد مصادر المياه لا تكفي حاجة المواطنين، ومع ارتفاع حدة تدفق اللاجئين، بدأت تلوح أزمة في الأفق، كيف يمكن إيجاد حلول لهذه الأزمة، وهل هناك أي خطوات فعالة في هذا الاتجاه؟
بداية، يعاني الأردن من شح كبير في مصادر المياه، وهو يسعى دائماً إلى إيجاد الحلول المناسبة لتوفير المياه. منذ سنوات، ومع ازدياد أعداد السكان في الأردن نتيجة ارتفاع أعداد النازحين، بدأت تتفاعل المشكلة. وهنا لا بد من التوضيح أن الأردن يعاني من مشاكل عديدة على عدة أصعدة. فالمجتمع الدولي لم يقدم أي خطوات فاعلة لتأمين الدعم المطلوب، وكل ما حصل عليه الأردن لا يتعدى 30% من قيمة الدعم المقرر.

*تبذل المملكة الأردنية جهوداً في مجال إدارة المياه المتكاملة، كيف تقيم هذه الخطوات وهل تعتقد أنها كافية؟
نعم، تقوم المملكة الأردنية ببذل جهود كبيرة في مجال إدارة المياه المتكاملة، وقد أدى ذلك إلى تطور كبير في العديد من المجالات، الأمر الذي ساهم في إصدار العديد من التشريعات، منها ضبط استخراج المياه الجوفية للأغراض الزراعية، وملاحقة الاستخدام غير المشروع للمياه، وإشراك القطاع الخاص في مهامه في تقديم خدمات المياه، بالإضافة إلى إدارة الطلب على المياه، وقوانين الإصلاح المؤسسي.
ورغم ذلك، فهناك حاجة لبذل المزيد من الجهود والقيام بمشاريع منها تطوير مشروع قانون المياه، وتفعيل مشاركة القطاع الخاص في إدارة المياه، واتباع اللامركزية في إدارة المرافق.

*تحاول دول الخليج البحث عن ابتكارات متعددة لتحلية مياه البحار، واللجوء إلى الاستمطار، ما رأيكم في هذه الحلول للحصول على مصادر جديدة للمياه؟ وما هو تعليقكم على ما يتم دفعه سنوياً في هذا المجال؟
تقوم دول الخليج بخطوات أساسية في عمليات تحلية المياه، لكنها مقصرة في المجال البحثي، إذ عليها التركيز على الأبحاث التي تهدف إلى تصنيع تقنيات التحلية محلياً بدلاً من شرائها، واستيرادها لهذه التكنولوجيا.

*ما هو دور الجمعية العربية لمرافق المياه من أجل الخروج من هذه الأزمات المائية؟
يتجلى دور الجمعية العربية لمرافق المياه في مساعدة الدول العربية لإيجاد حلول جوهرية بشأن مشاكل المياه في الدول العربية، كما أن الجمعية تعتبر مركزاً عالمياً لتبادل المعرفة والخبرات ونشر الممارسات الفضلى بين مرافق المياه والصرف الصحي في العالم العربي. وهو دور استشاري وتدريبي يتمثل من خلال رفع كفاءة مرافق المياه لتحسين أدائها، وبناء القدرات والتدريب للعاملين في قطاع المياه والصرف الصحي في الدول العربية. كما تقوم الجمعية بعقد برامج تدريبية تؤهل من يجتازها بنجاح للحصول على إجازة المزاولة لمشغلي المياه والصرف الصحي. كما تقوم الجمعية أيضاً بتقديم الاستشارات للأعضاء، وتطوير الأدلة الإرشادية، وإصدار التقارير والوثائق العلمية وكتيبات الممارسات الفضلى، كما أنها تقوم بتنظيم الندوات والمؤتمرات وورش العمل والمعارض التقنية التي تهدف إلى جمع أهل الخبرة من أجل تبادل الخبرات والتعرف على أحدث ما توصل إليه العلم والتكنولوجيا في هذا المجال.

اقرأ أيضاً:عامر خياط: الفساد المالي أنهك الاقتصادات العربية
المساهمون