النفط وتخمة المعروض

16 نوفمبر 2015
توقعات بإستمرار انخفاض أسعار النفط(Getty)
+ الخط -
على الرغم من الارتدادات التي أحدثتها أسعار النفط في الفترة السابقة، والأمل بعودتها إلى سابق عهدها، إلا أن هناك عدداً من الخبراء يعتبرون أن هزة الأسعار لم تنته بعد، وهذا ما دفع بعضهم إلى التصريح، أكثر من مرة، بأن أسواق النفط ستشهد المزيد من التراجعات خلال الفترة المقبلة. في الحقيقة، إن العوامل السلبية التي ضربت أسعار النفط لا تزال تُخيّم على الأسواق، حيث لا تزال أسواق النفط تواجه زيادة في المعروض لا تقل عن نحو مليوني برميل يومياً.
لامست العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط مستوى منخفضاً قرب 38 دولاراً في أواخر أغسطس/ آب الماضي، قبل أن ترتفع إلى حدود 50 دولاراً مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ومنذ ذلك الحين، تقريباً، جرى تداول النفط الأميركي في الحدود العليا للأربعينات، ما أعطى انطباعاً بأن زمن الانخفاضات قد ولّى. وبالمثل، ضربت أسعار الخام المرجعي الدولي، برنت، أدنى مستوياتها في أغسطس/ آب الماضي لتصل إلى نحو 42 دولاراً، ولترتفع مؤقتاً إلى فوق مستوى الـ54 دولاراً في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

المخاوف الجيوسياسية 

في الواقع، ساعدت المخاوف الجيوسياسية جراء التدخل العسكري الروسي في سورية في ارتفاع أسعار النفط خلال تلك الفترة، ولكن المعطيات الأساسية لم تتغير قط، فالإنتاج لا يزال مرتفعاً في جميع أنحاء العالم. لكن ما هي العوامل الأساسية التي تُبقي إمدادات النفط مرتفعة بشكل قياسي على الرغم من مرور أكثر من 16 شهراً على انهيار أسعار النفط؟
أولاً، اتفقت الولايات المتحدة وخمس دول أخرى في يوليو/ تموز الماضي على رفع العقوبات المفروضة على إيران مقابل فرض قيود على برنامجها النووي. في هذا الصدد، قال مسؤول إيراني مؤخراً إن البلاد ضمنت بالفعل مشترين من أوروبا وآسيا لأكثر من نصف مليون برميل يومياً حالما يتم رفع العقوبات، حيث من المتوقع أن يتم الانتهاء من التقييم النهائي، من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بحلول منتصف الشهر المقبل. لو تمكنت إيران من ضخ هذه الكميات في الأسواق، فسيكون له تبعات سلبية على الأسعار، ما قد يؤدي إلى "حرب حصص" مع جارتها السعودية التي أخذت الكثير من حصة الإيرانيين في السوق الأوروبية. لذلك، فإن عودة النفط الإيراني إلى السوق قد يرسل أسعار النفط إلى مستويات متدنية جديدة وقاع جديد في وقت متأخر من هذا العام.

اقرأ أيضاً:مضت سبع سنوات ونبوءة نضوب نفط اليمن لم تتحقق

وهناك قضية شائكة ثانية تتمثل في تراكم المخزونات الأميركية من النفط ومشتقاته، فقد أظهرت بيانات حكومية أميركية، خلال الأسابيع القليلة الماضية زيادة قياسية في مخزونات الخام بلغت نحو 250 مليون برميل في ساحل الخليج وحده. ويراقب المحللون أيضاً تراكم منتجات النفط المكررة والمتوقع أن تسجل ارتفاعاً إضافياً بعد الانتهاء من موسم صيانة المصافي خلال أسابيع. لذلك، فإن أي تحرك سعري ثابت ومتواصل في الاتجاه الصعودي سيقابله مزيد من الشكوك في الأسواق الموغلة في زيادة المعروض، وضعف هوامش التكرير، وخاصة في ناتج التقطير، وارتفاع قياسي في مخزونات النفط.

ويَكمُن العامل الثالث المثبت لأسعار النفط في استمرار صمود صناعة النفط الأميركية أمام تراجع الأسعار. فبعد تعهد أعضاء "أوبك"، بقيادة السعودية، في الخريف الماضي بمواصلة الإنتاج والسماح للسوق بضبط الأسعار على أمل أن يبدأ خفض الإنتاج من خارج "أوبك"، إلا أن إنتاج الولايات المتحدة، على الرغم من أن إغلاق عدد كبير من منصات حفر الآبار غير التقليدية، لم يتراجع كثيراً. لكن مع تواصل تراجع أسعار النفط، فإن منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة سيتلقون ضربة موجعة، ستكون القاضية على الأرجح، والتي ستجبرهم إلى خفض أعداد منصات حفر الآبار. هنا، فقط، سيبدأ إنتاج الولايات المتحدة من النفط بالتراجع.
أخيراً، لا يمكن تجاهل اتخاذ كل من روسيا والسعودية، وهما أكبر منتجين النفط في العالم، نهجاً ساهم في خفض الأسعار، في محاولة منهما لكسب أو الاحتفاظ بحصصهم في أسواق النفط العالمية. فقد قادت السعودية منظمة "أوبك" في خطتها الساعية لاستخدام أسعار السوق كسلاح لإبطاء فيض الإنتاج، حيث يرى المحللون فرصة ضئيلة في تغيّر هذه السياسة عندما تجتمع "أوبك" في أوائل الشهر المقبل، ذلك أن السعوديين يريدون أن يتحققوا، قبل قيامهم بأي تخفيض من طرف واحد، إن كان المنتجون الآخرون على استعداد لخفض إنتاجهم أيضاً.
(خبير اقتصادي أردني)

اقرأ أيضاً:بورصات تحت الضباب
المساهمون