بعد شكوك كثيرة دامت أسابيع، حول إمكانية إقامة أو تأجيل بطولة كأس أمم أفريقيا، سينطلق غدا العرس الكروي القاري الثالث والثلاثون، والثاني في الكاميرون بعد خمسين سنة من احتضانه لأول بطولة سنة 1972، رغم كل التحفظات التي سجلت حول جاهزية الملاعب والمرافق، ومدى توفر الشروط الصحية والأمنية اللازمة، تحت ضغط العديد من الأندية الأوروبية الكبيرة التي طالبت بتأجيل البطولة، وهددت بمنع لاعبيها المحترفين من المشاركة، في حدث رياضي تأجل عن موعده المحدد ستة أشهر بقرار من "فيفا"، التي ساندت إقامة بطولتي أوروبا للأمم وكوبا أميركا في الصيف الماضي، بعد تأجيلهما عن موعدهما الذي كان مقررا صيف 2020 بسبب تفشي وباء كورونا، لتعود المسابقة إلى موعدها الذي كانت عليه في الشتاء بدلا من الصيف، كما في الدورة السابقة.
ورغم كل التعقيدات والتخوفات بالتأجيل من جهة، والتهديدات بمنع اللاعبين المحترفين من المشاركة من جهة أخرى، تنطلق البطولة غدا في ظل متاعب صحية وأخرى تنظيمية، واضطرابات في تحضيرات بعض المنتخبات التي تأخر وصول لاعبيها المحترفين إلى الثالث من يناير/ كانون الثاني بقرار من "فيفا"، لكن ذلك لم يمنع المحللين والمتابعين من الخوض في المسابقة الثانية من نوعها التي يشارك فيها 24 منتخبا، في ستة ملاعب وخمس مدن كاميرونية، في الوقت الذي يعتبر منتخبها مرشحا للمنافسة على اللقب الذي أحرزه آخر مرة سنة 2017، ويبحث عن تتويجه السادس في تاريخه، مدعما بجمهوره الوفي ورئيس اتحاده الجديد صامويل إيتو، الذي سيعطي دفعة معنوية كبيرة للأسود غير المروضة، التي تسعى لترويض كبار أفريقيا واستعادة هيبة وسمعة الكرة الكاميرونية.
إذا كانت الكاميرون مرشحة للمنافسة على اللقب باعتبارها البلد المنظم، فإن المنتخب الجزائري حامل اللقب هو المرشح الأول للتتويج في تقدير كل الملاحظين بحكم استقرار تشكيلته وثرائها، ومشوارها على مدى ثلاث سنوات بدون خسارة رفقة المدرب جمال بلماضي، الذي صنع هوية لعب للفريق، وغرس في نفوس لاعبيه روحا عالية ومنافسة قوية على المناصب، لا تتوفر في منتخبات أخرى، كما أن تتويج الجزائر بكأس العرب 2021 الأخيرة، منح للاعبين ثقة أكبر وصفة البطل الحقيقي الذي لا يقهر، والذي تريد أن تستثمر فيه الجزائر لتحقيق لقب ثانٍ على التوالي، بجيل قد لا يتكرر في القريب العاجل، رغم أنه سيكون في هذه البطولة المطلوب رقم واحد، لإطاحته من طرف كل المنتخبات.
السنغال صاحب المركز الثاني في الدورة الأخيرة، سيكون المرشح الثالث للفوز باللقب القاري الأول في تاريخه، بعدما بلغ النهائي مرتين في العقدين الأخيرين، من دون أن يتمكن من التتويج، لكن هذه المرة كل المؤشرات تدل على أنه سيكون رقما مهما بقيادة مدربه، اللاعب الدولي السابق، أليو سيسي، الذي يقود المنتخب في البطولة الثالثة على التوالي بنجوم كبار، يتقدمهم مهاجم ليفربول ساديو ماني، ومدافع نابولي خاليدو كوليبالي، وحارس تشلسي إيدوارد ماندي، من دون أن ننسى نجوماً آخرين من المخضرمين والصاعدين الذين ينشطون في أفضل الدوريات الأوروبية، ويسعون إلى تعويض إخفاقهم في نهائي الدورة السابقة أمام الجزائر.
نيجيريا التي بلغت نصف نهائي الدورة الماضية، والمنتخبات العربية الثلاثة مصر، تونس والمغرب ستكون كلها مرشحة بدورها للمنافسة على اللقب، حتى ولو حضر المغرب بدون حكيم زياش، وجاءت مصر بجيل جديد ومدرب برتغالي جديد يخوض اختبارا مع منتخب لا يرضى عن التتويج بديلا، رغم غيابه عن المنصة منذ 12 سنة، بينما سيخوض المنتخب التونسي البطولة منتشياً ببلوغه نهائي كأس العرب في قطر بلاعبين متميزين، وبذكريات وصوله إلى نصف نهائي الدورة السابقة، وظهوره المتميز كل مرة في المواعيد الكبرى، في حين تبقى نيجيريا وفية لتقاليدها في البطولة، بحكم خبرتها التي سمحت لها بخوض سبع نهائيات عبر التاريخ.
دورة الكاميرون ستكون موعدا للتأكيد بالنسبة للجزائر، والاستدراك لكل من السنغال، نيجيريا، تونس، مصر والمغرب، وتكون فرصة للبلد المنظم لاستعادة أمجاده، بينما ستكون مناسبة لأول مشاركة لجزر القمر وغامبيا، بلاعبين ينتمون لـ408 أندية من 74 بلداً أغلبهم ينشطون في فرنسا، إنكلترا، إسبانيا وإيطاليا، بينما تصل نسبة الذين ينشطون في الدوريات الأفريقية إلى 31 في المائة، لتكون فعلا بطولة عالمية تجري في أفريقيا، بكل خصوصياتها وجزئياتها الجميلة والفريدة من نوعها.