انتصارات دبلوماسية وهمية

انتصارات دبلوماسية وهمية

25 اغسطس 2019
+ الخط -
أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في نهاية الشهر المنصرم وقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، وتشكيل لجنة مختصة بتنفيذه، معتبرا ذلك خطوة في سياق تنفيذ قرار المجلس المركزي. لكن وبعيداً عن الطريقة الهوليوودية في إخراج وإعلان القرار فقد بات واضحاً بأنه مجرد فقاعة إعلامية لم تصمد طويلا أمام استهزاء العديد من وسائل الإعلام التابعة للاحتلال والناطقة بالعربية أيضاً.

فقد انطلقت مجمل حملات الاستهزاء والتشكيك من استحالة تنفيذ هذا القرار نتيجة عدة عوامل موضوعية وذاتية قد يكون أهمها بأنها صادرة عن سلطة تحت الاحتلال، مكبلة ومقيدة وعاجزة عن البقاء ولو لبرهة من الزمن دون رعاية الاحتلال، أو بصيغة مجملة دون قبول الاحتلال باستمرارها. إذا يحكم الاحتلال قبضته جيداً على السلطة لدرجة السيطرة على جميع مقومات بقائها المالية والاقتصادية والأمنية وحتى السياسية والاجتماعية.

وهو ما يفسر خلو الساحة الإعلامية والسياسية العربية والفلسطينية من أي نقاش موضوعي يتناول الوسائل المحتملة من أجل تنفيذ قرار السلطة أو المجلس المركزي قبلها، أو بالحد الأدنى الإيحاء بتنفيذها، الأمر الذي دفع الغالبية للبحث عن الأسباب الكامنة خلف هذه التصريحات الجوفاء، مرجحين أنها مجرد رسائل داخلية تعمل على امتصاص الغضب والاحتقان الشعبي الناجم عن سوء الأحوال والأوضاع، وعن عجز السلطة أيضاً. لكن ألا يتسق القرار مع مجمل منهجية السلطة وأبو مازن، القائمة على مغادرة ساحة النضال الميدانية وحجبها عن الفاعلين الآخرين، بذريعة الانهماك بمعارك دبلوماسية كبيرة وفق رؤية السلطة، لكنها واقعيا صغيرة وهامشية ومتخيلة، ثم تسويقها كانتصارات مدوية، أو بالأصح الادعاء بذلك.

طبعا يجب أن نثمن النضال الدبلوماسي والسياسي إن كان واضح التوجه والأهداف ومتسقا مع النهج النضالي العام ومع تطلعات الشعب الفلسطيني، كالذي تؤديه حركة مقاطعة الاحتلال بصورة دورية، في حين نحتاج إلى فهم دوافع أي تحرك دبلوماسي مغاير عن ذلك، ومنه تحركات السلطة وقرارها الأخير. حيث تعول السلطة على قدرة بعض الانتصارات الوهمية على شحن المعنويات، وفي إضفاء هالة من القداسة لها ولممارساتها التي تحاول تسويقها على اعتبارها تعكس صبر ودهاء وجلد نضال السلطة دبلوماسيا. إذا يحاول أبو مازن إيهام ذاته ومؤيديه بالدرجة الأولى والحائرين من أبناء الشعب الفلسطيني، بأنه يتصدى لجميع المؤامرات التي يحيكها الاحتلال والمجتمع الدولي في مضمار الحراك السياسي المنفصل عن الواقع وعن مستجداته الميدانية، وكأنه يوحي بقدرة هذا الحراك على انتزاع حقوقنا المستلبة من الاحتلال عنوة واحداً تلو الآخر وبأقل الجهود والتكاليف الممكنة.

في حين يوضح الواقع اليومي حجم الهزيمة والانكسار والعجز الفلسطيني بعيدا عن مراسم الفرح والاحتفال من قبل السلطة ببعض إنجازاتها الدبلوماسية، وببعض تصريحات الرئيس الفلسطيني المدوية، كإعلانه وقف العمل بالاتفاقات مع الاحتلال، أو نعته السفير الأميركي لدى الاحتلال بابن الكلب. فبين الانكسار الواقعي والفرح الإعلامي السلطوي يبدو أبو مازن مدركا لثانوية خطاباته وتحركات حكومته الدبلوماسية على أرض الواقع، وغير عابئ بذلك، ليكتفي بالرهان على حدوث انقلاب جذري في توجهات الاحتلال والولايات المتحدة، انقلاب يأمل أن تحمله نتائج أي انتخابات مستقبلية قريبة كانت أم بعيدة. فرهان أبو مازن الوحيد اليوم ومستقبلا على تغير السياسية الأميركية بشكل واضح وحاسم من أجل منح الفلسطينيين جزءا من حقوقهم أو كاملها دون شروط وبلا أي مقابل، فقط من أجل الانتصار للسلام والعدل والحق الإنساني!!!
لذا تتحول جميع معارك السلطة وأبو مازن الدبلوماسية إلى أوهام مهما كان طبيعة هذا الانتصار، كونها جزءاً من مجمل الوهم الذي نقبع فيه، الوهم الذي يتهرب من نقد مسيرة النضال الفلسطيني، خصوصا منذ إقرار البرنامج المرحلي، كما يتناسى الكيفية السياسية غير القانونية وغير الحقوقية التي أقرت فيها الأمم المتحدة حل الدولتين أو قرار التقسيم في 1947، وهم يتهرب من الاعتراف بالحقيقة الماثلة أمامنا اليوم بأن السلطة وقياداتها عاجزون وفاقدون للقدرة على الفعل، أي فعل كان، دون تمثيل إرادة الاحتلال السياسية والأمنية والاقتصادية، والحصول على موافقة ممولي السلطة الرئيسيين من الأوروبيين، حتى باتوا مجرد دمى هامدة وعاجزة عن الإتيان بأي حركة، سوى الإقدام على مسرحيات هزلية سياسية كتصريح محمود عباس الخاوي من أي معنى حقيقي وفعلي؛ إن افترضنا جدلاً أنه يعني ذلك حقاً.