النكبة... جريمة الحرب المستمرة منذ سبعة عقود

النكبة... جريمة الحرب المستمرة منذ سبعة عقود

15 مايو 2018
الجريمة مستمر (محمود الهمص/ فرانس برس)
+ الخط -
تمر اليوم ذكرى نكبة فلسطين التي مرت عليها سبعة عقود، كواحدة من أكبر جرائم الحرب المستمرة، إنها النكبة، مصطلح لا يتسع للإتيان على كل التفاصيل فالحدث أكبر من الوصف، ومن الإجحاف اختصار ما حدث في عام 1948 بأنه مجرد نكبة، ومن الظلم ومن التدليس أن يجري الآن البحث عن حل لقضية اللاجئين الذين طردوا من بيوتهم وأرضهم كنتيجة للنكبة؛ ولا يتم البحث في الأسباب التي دفعت هؤلاء إلى النزوح واللجوء، النكبة لا تعني فقط حق العودة ولا تعني فقط قيام إسرائيل، لكنها في تفاصيلها وحيثياتها تعني أن هناك جريمة حرب وترهيب وترويع وطرد وقتل واستخدام مفرط للقوة قد حدث.
النكبة تعني أن تبعات هذا الفعل وهذه الجريمة ما زالت مستمرة ولم يحاكم أحد ولم يعاقب أحد ولم يتوقف أحد، النكبة في أحد معانيها أنه بإمكان جماعة ما أن تدّعي حقها في أرض ما ثم تأتي فتقتل وتحرق وتهجر وتطرد أصحاب الأرض وتقيم لها كياناً محل هؤلاء من دون أي ملاحقة أو متابعة أو إدانة، هذا المعنى البسيط والمباشر للنكبة وليس اختصارها في أنها تعني صراعاً ما أو نزاعاً ما أو حق عودة أو تقسيم أرض وفق قرارات دولية.
النكبة تعني أن هناك وقائع على الأرض تمنع المهجرين من العودة إلى ديارهم، وبالتالي يتناقض مفهوم النكبة مع إمكانية تحقيق حق العودة، لأن النكبة جريمة أفضت إلى خلق وقائع تمنع المهجرين من العودة إلى بيوتهم وأراضيهم. "إن طرد الناس من ديارهم هو جريمة حرب، ومنعهم من عودتهم إلى ديارهم هو أيضاً جريمة حرب. لذا فإن إسرائيل لم تقترف جريمة عام 1948 فقط بل تستمر فيها إلى اليوم". النكبة الفلسطينية ليست مجرد حق عودة أو ضياع أرض أو ذكرى يتم استدعاؤها كل عام، وليست تهجيراً أو سوء فهم وتطبيق لقرارات دولية، النكبة جريمة بحق شعب وبحق الإنسانية، النكبة نكبة في الوعي الإنساني في الانحياز إلى الحق في الدفاع عنه، النكبة تعدٍّ على القانون الدولي وعلى الحق الإنساني وعلى التاريخ وعلى الشرعية؛ النكبة الفلسطينية سابقة في التاريخ البشري المعاصر.
النكبة تعني أن الأشخاص والمنظمات والأفراد والهيئات والجهات والمؤسسات التي يُفترض بها أن تضبط السلوك والعلاقة وتنظمهما بين المجموعات البشرية هي في الأصل غير ذلك، هي تدعم مجموعة وتقويها وتعسكرها مقابل قتلها لمجموعة بشرية أخرى. العصابات الصهيونية قبل أن تُنفذ جرائمها تم تزويدها بطائرات بريطانية ادعت دولة الانتداب لاحقاً أنه تم بيعها من دون معرفة أنه سترتكب بها جرائم كالتي حدثت؛ هكذا بدأ الاستخفاف في واحد من مبررات ما فعلته دولة الانتداب.

النكبة مقدمة لكل ما حدث من متغيرات وتحولات في المنطقة العربية، والنكبة هي السطر الأول في فرضية التعاطي الغربي مع المنطقة العربية، النكبة هي مرآة الوجه الآخر لما يُعرف بالقانون الدولي؛ هيئاته ونصوصه وقواعده. النكبة تعني أنه بات بإمكان اليهود فعل ما يشاؤون وقت ما يشاؤون من دون أية تبعات مترتبة عليهم، وقيام إسرائيل هو واحدة فقط من نتائج وحصاد النكبة.
وبافتراض أن هناك حقاً ما لليهود في فلسطين، هل تحقيق هذا الحق بحاجة إلى تنفيذ هذه الجرائم وسلسلة المجازر التي ارتكبتها وحدات الهاغاناه وغيرها، هل إعلان جماعة ما قيام دولة ما على إقليم ما يتماشى مع مبادئ القانون الدولي الناظمة للعلاقات ما بين الدول، بمعنى ماذا لو قررت طائفة ما الاستقلال عن الدولة التي تحيا فيها وقررت الإقامة أو الاستحواذ على قطعة أرض ما في أطراف هذه الدولة، هل يجوز ذلك، هل يحق للدول الأخرى الاعتراف باستقلال هذه الجماعة، فماذا لو كانت هذه الجماعة قد ارتكبت جرائم من أجل تنفيذ ما تريده وأن تبعات جريمتها ما زالت مستمرة.
النكبة تعني طرد وتهجير أكثر من 80 ألف فلسطيني آنذاك، هذا العدد كان قبل سبعة عقود؛ هؤلاء تجاوز عددهم الآن السبعة ملايين، كلمة الطرد والتهجير كلمات وقعها يعني أن الأمر كان مجرد تحريك مواطنين كتحريك قطع الشطرنج، لكن ما حدث لم يكن طرداً أو تهجيراً فقط، كان عبارة عن إرهاب وترويع وإفراط في استخدام القوة، كان حرباً نفسية في جزء منه، ففي اليوم التاسع من إبريل/ نيسان عام 1948 وقعت مذبحة دير ياسين وقتل فيها نحو 600 مواطن قروي، هذه واحدة من مذابح عام 1948، ولم يكن الأمر مجرد نكبة، ذبح 600 مواطن في قرية يعني إنهاء أي وجود فيها، الترهيب كان حاضراً في سلوك العصابات الصهيونية واعتمدت المذبحة لترويع بقية القرى حتى وصل الأمر إلى تدمير 500 بلدة وقرية.
النكبة أن يفيق ما يقرب من مليون مواطن فلسطين قبل سبعة عقود على أنفسهم في العراء وقد تركوا بيوتهم وحقولهم وأرضهم ومتاعهم وزادهم وهم مرعوبون مفجوعون ويستمر الأمر ويمتد، ثم يطلب من هؤلاء القبول بالأمر والتسليم به والاعتراف بإسرائيل ككيان يهودي، والإقرار لها بضم 85% من أرض فلسطين، أرض هؤلاء اللاجئين.
أن تدعي أن لك حقاً تاريخياً أو دينياً أو سياسياً مدعوماً بتأييد دولي وغطاء غربي، لا يعني أن تقوم بتنفيذ 70 مذبحة ومجزرة في بقعة صغيرة من هذه الأرض، ولا يعني أن تقتل ما يزيد عن 15 ألف مواطن، لا يعني أن تُسيطر على 774 قرية ومدينة من أصل 1300، ثم تقوم لاحقاً بتدمير 530 قرية منها بشكل كامل.
النكبة تعني أن يتوزع شعب كامل في 58 مخيم لجوء متفرقة كالتالي: 10 مخيمات في الأردن، و9 في سورية، و12 مخيماً في لبنان، و19 مخيماً في الضفة، و8 مخيمات في غزة، النكبة تعني تشتت شعب وتفكيكه وأن تعيش كل مجموعة وفق قوانين بلد معين وعادات وتقاليد وبيئة وطبيعة كل بلد يوجد فيه مخيم، وأن يستحيل اجتماع هؤلاء أو التقاؤهم، لأن واحداً من مخرجات التسوية أو صفقة القرن المراد تمريرها الآن هو إلغاء حق العودة أي تبرئة إسرائيل من جريمة نفذتها قبل سبعين عاماً، حتى باتت النكبة الفلسطينية تعني يوم استقلال إسرائيل. وهو ما يعني أن التطهير العرقي للشعب الفلسطيني هو أحد مقتضيات الاحتفال بالنسبة لإسرائيل، ولكن السؤال، لماذا تدعي إسرائيل إدانة بعض الجرائم "الأرمن"، وترفض أن ينكر أحد أن هناك هولوكوست قد حدث، علما أن النكبة في أحد معانيها وأحداثها تعني هولوكوست أيضاً بالنسبة للفلسطينيين. بل كانت هولوكوست مستمرة وما زالت.
ختاماً ذكرت فيما سلف أن النكبة بأن القانون الدولي وهياكله تكيل بمكيال واحد، وحتى لا يكون الأمر مجرد اتهام فإن ما صدر من قرارات عن مجلس الأمن للرد على ما وقع في النكبة الفلسطينية عام 1948 لا يتعدى قرارين فقط ولا علاقة لهما بجرائم العصابات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، أما القرار الأول فهو القرار رقم 57 لعام 48 بتاريخ 18/9/1948 ويعرب فيه مجلس الأمن عن الصدمة العنيفة لاغتيال وسيط الأمم المتحدة في فلسطين الكونت فولك برنادوت، والقرار الثاني رقم 59 لعام 48 بتاريخ 19/10/ 1948 يعرب فيه مجلس الأمن عن قلقه لعدم تقديم إسرائيل تقريراً عن اغتيال الكونت برنادوت وإقرار واجب الحكومات في التعاون مع موظفي هيئة الرقابة.
إن النكبة هي واحدة من أبشع الجرائم التي حدثت في تاريخ البشرية، وهي جريمة تبعاتها ما زالت مستمرة بعد مرور سبعة عقود عليها. النكبة مستمرة باستمرار تطهير أرض فلسطين عرقياً من سكانها الأصليين، واقتلاعهم وترحيلهم قسراً من أرضهم ومدنهم وقراهم بالقوة العسكرية والتهديد، وتنفيذ أبشع عمليات التطهير والتشريد المنظمة، النكبة مستمرة في قرية أم الحيران البدوية بالنقب ومستمرة في قرية سوسيا في جبال الخليل، مستمرة باستمرار الهدم والتهويد.