حراك الضفة... انتفاضة ثالثة أم ردة فعل؟

29 ديسمبر 2018
الاحتلال يهدم منزل عائلة الشهيد أشرف نعالوة (نضال اشتية/الأناضول)
+ الخط -
سجل عام 2018 ارتفاعاً ملحوظاً في عمليات المقاومة في الضفة الغربية المحتلة، التي أدخلت الاحتلال الإسرائيلي ما يشبه عملية الاستنزاف، ولم يخل يوم دون أن تكون هناك مواجهات، مضافاً لذلك العمليات الفردية التي شهدتها الضفة نهاية العام، والتي أفضت خلال عشرة شهور لمقتل 11 إسرائيلياً بمعدل قتيل كل شهر وإصابة 159 آخرين.

وبحسب رصد مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني، فقد شهد العام الحالي أكثر من 4367 عملاً مقاوماً، ما بين إطلاق نار وعمليات طعن ودهس وإلقاء عبوات وزجاجات حارقة صوب المواقع العسكرية والمستوطنين.
في الثالث عشر من ديسمبر اغتالت إسرائيل الشاب أشرف نعالوة، بعد مطاردة استمرت لأكثر من شهرين سخّرت فيها كل إمكاناتها ومواردها وقدراتها وقواتها، وكان قد دخل للمنطقة الصناعية الأكثر تعقيداً في نابلس وفي مربع مستوطنات تأسس هناك منذ عام 1981، نفذ عمليته التي عرفت بعملية "بركان" في العاشر من أكتوبر، وقتل مستوطنين اثنين وأصاب الثالث إصابات بالغة وانسحب بسلام، بعدما اخترق كل الإجراءات الأمنية الإسرائيلية في المستوطنة، بل أدخل معه سلاحه من نوع كارلو، وهو الانسحاب الذي شكل تحدّياً أمنياً وعسكرياً وسياسياً للمؤسسة الأمنية والعسكرية في تل أبيب، وأربكت كل حساباتها وتوقعاتها بأن الضفة الغربية باتت آمنة، عملية "بركان" أعلنت مرحلة جديدة تذهب الضفة صوبها بما يشبه البركان الخامد لكنه قابل للانفجار.

"بركان" لم تكن عملية فردية بل هي جزء من ظاهرة تتمدد، وهي حلقة من حلقات الحراك صوب الانتفاض الذي تعيشه الضفة الغربية، فنعالوة يكمل ما بدأه أحمد نصر جرار، عندما قتل الحاخام رزئيل شيفح ونجح بالتخفي وإرباك الاحتلال، حتى تم اغتياله في مخيم جنين في حين اغتيل نعالوة في نابلس. ما يعني أن خريطة العمليات تتسع جغرافياً، وتتمدد من جنين إلى نابلس ثم رام الله، التي ردّت بعد ساعات بعملية إطلاق نار نوعية قُتل فيها جنديان في موقف حافلات، حدث ذلك بعد ساعات فقط من اغتيال نعالوة وفي وقت كانت إسرائيل تغلق الضفة وتتوغل في رام الله وتحاصرها.

ما شهدته الضفة الغربية مؤخراً يوحي ببدء مرحلة جديدة، ملمحها الأبرز سرعة إصدار كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس بيان نعي وتبني الشهيدين نعالوة وصالح البرغوثي، إذ قالت الكتائب في البيان إن مقاومتها "ستظل حاضرةً على امتداد خريطة الوطن، ولا يزال في جعبتنا الكثير مما يسوء العدو ويربك كل حساباته"، مضيفة أن "جمر الضفة تحت الرماد سيحرق المحتل ويذيقه بأس رجالها الأحرار من حيث لا يحتسب العدو ولا يتوقع".

وأكمل خطاب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في بيت العزاء الذي أقيم لشهداء الضفة في مدينة غزة، ملامح المرحلة عندما قال: "الضفة تتغير، والسنوات العجاف التي عاشتها الضفة أزف رحيلها، وهناك صفحة جديدة مع المحتل فتحت بالدم والشهادة والبارود والنار".

وفي 23 ديسمبر، وخلال إحياء الذكرى الـ31 لانطلاقة حركة حماس وفي لبنان تحديداً، قال رئيس حركة حماس في الخارج ماهر صلاح: "إنَّ الضفة المحتلة هي ساحة المعركة الكبرى الآتية، وعملياتها النوعية تبشر بدحر الاحتلال وجنوده عن أراضينا المحتلة". وأضاف: "إنَّ عجلة العمليات النوعية في الضفة المحتلة ستعيد للمستوطنين وجنود الاحتلال أيام عياش وأبو الهنود، وستُسقِط مقاومتُنا نتنياهو وحكومته، كما سقط باراك وأولمرت وليبرمان آنفاً".
ما حدث في الضفة الغربية مؤخراً ليس مجرد عملية نوعية أو قتل جنود فقط، هناك معركة شرسة قائمة بين المقاومة والاحتلال وهي معركة متعددة الأبعاد، عمليات نعالوة والبرغوثي وعملية الردّ في رام الله هي مجرد مخرجات والتحدي والعبقرية أن هذه العمليات وسابقاتها تتم في بيئة في غاية التعقيد الأمني، وهي بيئة أمنية إسرائيلية بحتة، بل بيئة ادعت منذ إبريل الماضي وما قبله أنها سجلت إنجازات أمنية وأحبطت عمليات واعتقلت خلايا.
ففي الثالث من أكتوبر 2018، أي قبل عشرة أيام فقط من تنفيذ نعالوة لعملية بركان، أعلن الشابك اعتقال خلية تابعة لحركة حماس في الضفة، ووفق روايته فإن الخلية تكونت عام 2015 وتهدف لإنشاء بنية تحتية سرية لتنفيذ عمليات نوعية، وقبل ذلك بنحو ستة أشهر في نهاية إبريل 2018 أعلن الاحتلال اعتقال مجموعة من 20 عنصراً في رام الله، هي عبارة عن خلايا تابعة لحماس مهتمة بالتصنيع. وفي 28 أغسطس 2018 أعلن اعتقال خلية نسائية تابعة لحماس في الخليل.
وتشير التقديرات الإسرائيلية، إلى احتمال ارتفاع وتيرة عمليات المقاومة المنظمة في الضفة الغربية المحتلة، وهو ما يتوقعه المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" العبرية، عاموس هارئيل الذي قال: "من المتوقع أن تضاعف حماس من محاولاتها تنفيذ عمليات جديدة بالضفة الغربية"، مشيراً إلى أن الأشهر الأخيرة سجّلت تزايداً في العمليات الأمنية بالضفة الغربية، بدءاً بعمليات الدهس مروراً بعمليات طعن وانتهاءً بعمليات إطلاق النار. ونبّه إلى أن "هذه العمليات في تزايد مستمر، وأن قوات الأمن الإسرائيلية غير قادرة على مواجهتها، بل تزيد من الصعوبات أمام قوات الأمن في الحفاظ على حالة الاستقرار الأمني بالضفة".
ويرى هارئيل أن منفذي العمليات بدأوا يحصلون على الدعم والمساندة من محيطهم، في أعقاب تنفيذ العملية، مثلما حدث لمنفذ عملية بركان، متابعاً: "لكن الخطورة الكبيرة في الضفة الغربية الآن هي حركة حماس". مضيفاً أن "حماس ستواصل محاولاتها تنفيذ العمليات بالضفة الغربية". وفي ذات السياق انتقد ضباط سابقون في جيش الاحتلال الإسرائيليّ عدم توفر معلومات استخباراتية لدى الأجهزة الأمنية حول العمليات الفلسطينيّة الأخيرة في الضفة الغربية، وقد ذهبت تقديرات جيش الاحتلال إلى أن العمليات الأخيرة لم يقم بها أفراد بشكل تلقائي، إنما "خلايا محليّة" في مناطق مختلفة بالضفة الغربية.
لا يبدو أن حراك الضفة سينتهي أو سيتوقف، فأسباب الدفع حاضرة وممارسات الاحتلال واعتداءات مستوطنيه التي شهدت تزايداً بشكل كبير نهاية عام 2018، وعمليات التوغل والاجتياح والهدم مستمرة وكفيلة بتطوير الحراك النوعي لانتفاضة شاملة، ما يعني أن بقعة الزيت في الضفة ستتسع، فكلما أوغلت إسرائيل في ممارساتها عجّلت بالأمر وهيأت له الظروف والبيئة، وأكبر الأخطاء أن تظن إسرائيل أو تُقدر أن التصعيد في الضفة قد تجمد نتيجة الاعتقالات والهدم والترويع إطلاقاً.

ومكمن السرّ أن الحدث لا يتم كردة فعل فلسطينية فقط، ولكن بناءً على عملية تراكم في الوعي وفي الغضب وفي تعاطي الإنسان الفلسطيني، لقد أبى نعالوة والبرغوثي أن يمضي عام 2018 دون إحداث تغير في المعادلة وفي الحسابات وفي الضفة الغربية كلها، والقادم سيكون أكثر تعقيداً لإسرائيل وأمنها ومستوطنيها في ظل الإحباط واليأس والضغط على الفلسطينيين.
المساهمون