من تسوية القضية إلى تصفيتها

من تسوية القضية إلى تصفيتها

25 نوفمبر 2017
كل المشاريع العربية تقر بالوجود الإسرائيلي (محمود إبراهيم/الأناضول)
+ الخط -
شهدت المرحلة الحالية من عمر القضية الفلسطينية مجموعة تحولات ومتغيرات هي الأكثر كثافة والأكثر تداولا بين مختلف الأطراف المعنية بالقضية، وكان الضابط لإيقاع هذه المتغيرات والتحولات هو البحث عن مخرج يُخرج القضية الفلسطينية كمعيق يحول دون إكمال الاقتراب العربي من تل أبيب.
التسوية والتصفية هما المعاملان الأكثر تداولا، كثافة الالتفات للقضية الفلسطينية لا تعني انتفاء الاستهداف منذ اللحظة الأولى لوجود القضية، فلم تتعرض قضية سياسية وإنسانية وتحررية لمشاريع التصفية مثلما تعرضت القضية الفلسطينية، وعلى مدار عمر القضية ومنذ ما يزيد عن قرن كامل من الزمان والمشاريع والخطط والمخططات والتسويات والصفقات تتوالى تباعا للحد الذي يصعب معه حصر هذه المشاريع والتي رغم تعددها تلتقي كلها على مشترك واحد تصفية القضية الفلسطينية.
تسوية القضية الفلسطينية مدخل تجميل واصطلاح مضلل، لأن التسوية ستفضي إلى تصفية، والتصفية تعني تآكل الحق الفلسطيني، ولا يمكن أن تكون هناك تسوية للقضية الفلسطينية على حساب المصلحة الإسرائيلية مطلقا. باختصار السلام لا يعني تحقيق وتلبية والاستجابة لكافة الحقوق الفلسطينية، لأن الأصل في الصراع هو وجود اختلافات ووجود حقوق على حساب مصالح، وكل المشاريع تستحضر تلبية ما تريده إسرائيل، وكل مشاريع التسوية مشاريع تصفية، لأنها تنال من الحق الفلسطيني، سواء الحق في الحياة أو في العودة أو في السيادة أو في إقرار المصير أو الحق في الأرض.
التطور الأبرز والذي يجب التوقف عنده أن مشاريع التسوية السياسية لم تكن كلها غربية أو أميركية أو دولية أو إقليمية، التطور الأبرز والأخطر أن هناك مشاريع تسوية سياسية عربية قدمت ما لم تقدمه المشاريع الغربية. أن تتقدم واشنطن بمشروع سياسي أمر مفهوم وأن تدعمه دول عربية ذات علاقات وثيقة بواشنطن أمر مبرر، لكن أن تتقدم دولة عربية بمشروع سياسي يستهدف القضية الفلسطينية، أمر يدعو للسؤال ما مصلحة هذه الدولة العربية في تسوية القضية الفلسطينية؟ سيفاجأ الباحث إذا وجد أن واحداً من أهم الدوافع والأسباب هو بناء مجد شخصي لقائد عربي فقط؟
كل المشاريع العربية تقر بالوجود الإسرائيلي على حساب الحق الفلسطيني، ولوقت قريب كانت هذه المشاريع تصطدم برفض، لكن الملاحظ أيضا أن هذا الرفض لم يكن رفضا عربيا لأن هذه المشاريع تنتقص من الحق الفلسطيني بقدر ما هو رفض عربي لدور عربي آخر، الآن بات هناك اتفاق عربي ضمني ألا ترفض دولة عربية مشروع دولة عربية أخرى، ولتجاوز الأمر بدأ الاتفاق أن تقدم واشنطن مشروع تسوية كبيرا بمقدار صفقة القرن لتسوية القضية الفلسطينية لا على حساب الحقوق الفلسطينية فقط ولكن لا مانع من أن يكون جزء من الحل على حساب الحقوق العربية أيضا.
هكذا بدت مشاريع التصفية أخيرا، وهذا المعنى الوحيد لقمة عربية إسلامية أميركية في السعودية كان الرابط الوحيد بها هو إعلان البيعة والموافقة على خطة ترامب أو صفقة القرن أو الخارطة الناظمة للعلاقة بين ثالوث العرب وواشنطن وتل أبيب. واشنطن تطرح وإسرائيل توافق والعرب ينفذون كل الشروط الواجبة واللازمة لنجاح الصفقة، حتى لو اقتضى الأمر استدعاء رأس السلطة الفلسطينية وتهديده.
ترويض الجبهة الفلسطينية لم يكن وليد اللحظة التي استدعت فيها الرياض الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولم يكن أثناء شيطنة المقاومة الفلسطينية، ولم يكن متزامنا مع إطلاق يد إسرائيل لضرب قطاع غزة بموافقة ومباركة عربية، بدأ الترويض مبكرا عندما حوصرت الثورة الفلسطينية وأخرجت من بيروت وتقاسمت شتاتها الأنظمة العربية، حتى لم يعد أمام منظمة التحرير الفلسطينية إلا القبول بأوسلو برعاية ومباركة ودعم عربي. كان اختراق الجبهة الفلسطينية وترويض منظمة التحرير بقيادة حركة التحرير الفلسطيني فتح واحدا من أهم مطالبات وأمنيات النظام الرسمي العربي، لأن ولوج المنظمة للتسوية سيرفع العتب والحرج عن العرب لتصبح مقولتهم لن نكون ملكيين أكثر من الملك، بمعنى إذا كانت منظمة التحرير قبلت بالتسوية وجلست مع إسرائيل كيف يعيب البعض علينا كعرب تقديم مشاريع تسوية وتصفية. والآن باتت تمر الخطوات العربية تجاه إسرائيل بكل أريحية.
إن تسابق الدول العربية لتقديم مشاريع الطاعة والولاء بذريعة التسوية السياسية والسلمية أفضى لأن تُصبح منظمة التحرير في موقع ابتزاز غير مسبوق عندما ساومتها واشنطن أخيرا على تجديد اعتماد تراخيص مكتبها. هكذا أفضى السباق العربي صوب تل أبيب لإخراج الفلسطينيين من المعادلة وباتت القضية الفلسطينية تصفى بأيد عربية دون استحضار أو حساب لمكونها الرئيس الفلسطينيين ومنظمتهم.
تطورت أخيراً المشاريع العربية لتصفية القضية الفلسطينية فلم تعد تتجاهل الحد الأدنى مثلاً من الحقوق الفلسطينية، ولم تعد من أجل البحث عن دور فقط أو من أجل ترويج دولة عربية لانطباع أنها دولة سلام وتسوية، لم يعد حتى المجد الشخصي لصاحب المشروع أو المبادرة مهمّاً بقدر ما باتت هذه المشاريع والمبادرات تستهدف المرور لإسرائيل، أي أن دافع هذه المشاريع هو تمتين وتقوية العلاقة بين هذه الدولة العربية صاحبة المشروع وبين إسرائيل، وأي رفض فلسطيني يصور بأنه رفض للدور الذي تريد هذه الدولة أن تلعبه، أي أن الفلسطينيين باتوا يُعيرون بأنهم يرفضون من يُقدم لهم حلا ويمد يده لينقذهم.
لم يعد إقناع الفلسطينيين مهماً بالنسبة للنظام السياسي العربي بقدر ما بات ترويضهم وتدجينهم وتطويعهم وترغيبهم وترهيبهم وشيطنتهم والإشادة بهم والتلويح بالعصا تارة وبالجزرة تارة مسلكاً عربياً بامتياز تجاه جلب كل الفلسطينيين للمسار الإجباري للتسوية، لم يعد تقديم مشاريع التسوية العربية مهماً، تطور الأمر حتى باتت مهمة الدول العربية ترويض الفلسطينيين وضمان قبولهم وعدم اعتراضهم، ثم من يحاول الخروج عن الولاء والطاعة يشيطن ويتهم ويوصف بالإرهاب وهو الوصف الذي يعني موافقة عربية وإعطاء ضوء أخضر عربي رسمي لإسرائيل للاستفراد بهذا الطرف الفلسطيني. وإذا استدرك الطرف الفلسطيني هذه المعادلة وجاء للعرب طوعا ورهانا عليهم، اشترطوا عليه أن يقطع كل علاقاته بالأطراف الداعمة له وللقضية الفلسطينية، وهو ما اشترطته الرياض على حركة حماس. ومهاجمة قطر خليجياً وافتعال الأزمة معها في أحد دوافعه الإنفاق القطري على البنية التحتية لقطاع غزة، ولم يعد سرا أن يقال إن واحداً من أهداف استهداف قطر أنها شكلت عائقاً في وجهة ترويض حركة حماس.
أخطر مكونات ومقومات المشاريع المتشكلة الآن لإخراج القضية الفلسطينية من المشهد هو اتهام المقاومة الفلسطينية بالإرهاب على لسان ترامب من الرياض وعبر قمة عربية إسلامية، وفي هذا رسالة أن واحدا من مكونات صفقة القرن أو مشروع القرن هو الموافقة العربية الرسمية على شيطنة المقاومة ووضعها في دائرة الاستهداف وأنها إرهابية وما تفعله إسرائيل ضدها مبرر تحت ذريعة الإرهاب، ما يعني إعطاء الضوء الأخضر العربي لإسرائيل لاستهداف المقاومة.
(كاتب فلسطيني)







المساهمون