حالة حرجة جداً

حالة حرجة جداً

27 يونيو 2019
ثمّة حاجة ملحّة إلى "الإنقاذ" (حسين بيضون)
+ الخط -
"حالتنا حرجة... المستشفيات نحو الإقفال". إلى جانب تلك الكلمات صورة التُقطت من الخلف لرجل جالس على سرير مستشفى. وتتكرّر الصورة والكلمات على لوحات إعلانيّة بأكثر من منطقة لبنانيّة. في تلك الصورة، بدا السرير حديثاً ونظيفاً مثلما يُفترض أن تكون أسرّة المستشفيات. للوهلة الأولى، يظنّ الناظر أنّ الرجل مريض. لكن، بعد التفكير مليّاً، ثيابه توحي بأنّه طبيب أو أحد أفراد طاقم صحيّ/ طبيّ. ولمزيد من التعليل، لو أراد القائمون على الإعلان الذي يحمل توقيع نقابة المستشفيات في لبنان أن يصوّروا مريضاً، لكانوا جعلوه مستلقياً على السرير أو موصولاً بجهاز طبيّ أو مزوّداً بـ"مصل".

حال المستشفيات في لبنان حرجة. المستشفيات الحكوميّة، لا شكّ في أنّها كذلك. أمّا المستشفيات الخاصة - المعنيّة بالإعلان - فتبدو أفضل بأشواط، على الرغم من تراكم مستحقّاتها لدى الدولة ولدى جهات ضامنة مختلفة. وبينما ترفع الخاصة فاتورتها وتمتنع في أحيان كثيرة عن استقبال مرضى على حساب وزارة الصحّة، أو تهدّد بذلك، يرى مواطنون كثر غير مشمولين بأيّ ضمان/ تأمين أنّه لا بدّ لهم من التوجّه إلى الحكوميّة. هؤلاء يشكّكون في خدمات الأخيرة، غير أنّهم محكومون بذلك.

مستشفى رفيق الحريري الجامعيّ - مستشفى بيروت الحكوميّ الجامعيّ سابقاً - من المستشفيات التي تعاني. منذ أعوام، يكثر الحديث عن أوضاعه المزرية، غير أنّني لم أتخيّل في يوم أنّ حالته بمثل ذلك السوء. قبل زمن، كان يضاهي المستشفيات الخاصة، سواءً بتجهيزاته أو بطاقمه الصحيّ/ الطبيّ أو بخدماته، وكنت شاهدة على ذلك. آنذاك، كنت أشكّك في أنّه مستشفى حكوميّ، كأنّما صورة المؤسسات الاستشفائيّة الرسميّة راسخة في ذهننا على أنّها مُهملة تنبعث منها رائحة غريبة لم أتمكّن يوماً من تفسيرها.




قبل أسابيع قليلة، أُدخلَتْ قريبة مسنّة على عجل إلى ذلك المستشفى. بعد أيّام توجّهتُ لزيارتها. للوهلة الأولى، بدا المستشفى من الخارج كأنّه مهجور. وعند بلوغ بوابة قسم الطوارئ، تبدّل المشهد. على الأرض، رجال وأطفال ونساء. ليسوا من المرضى، غير أنّهم هناك. في الداخل، كانت القريبة المسنّة لا تزال منذ نحو أسبوع في ذلك القسم، على الرغم من حاجتها إلى "عناية فائقة". من حولها، عشرات المرضى الذين تفصل بينهم ستائر رقيقة من القماش. على أسرّة متهالكة وصدئة تملأ أغطيتها البقع، كان هؤلاء يستلقون. هي أسرّة وأغطية لا تشبه ما يصوّره إعلان النقابة المذكور آنفاً. المشهد كان مؤلماً، لا سيّما أنّ ذاكرتي راحت تسترجع لقطات قديمة. في قسم طوارئ المستشفى الحكوميّ الأكبر في البلاد، يتكدّس المرضى، فيما لا تتوفّر غرف لاستقبالهم ولا أسرّة لائقة. بعيداً عن إعلان المستشفيات الخاصة، ثمّة حاجة ملحّة إلى حملة لـ"إنقاذه"... فالحالة حرجة جداً.

المساهمون