إيرانيون يعيشون هاجس أجهزة التشويش

إيرانيون يعيشون هاجس أجهزة التشويش

24 يناير 2019
شيراز الأكثر تشويشاً (ريمون فرانكين/ Getty)
+ الخط -

ليس الضرر الواقع على الإيرانيين من أجهزة تشويش البث الفضائي إلى البلاد مقتصراً على منعهم من مشاهدة القنوات الأجنبية، فبعض الخبراء يجادل بإمكانية تسببها بأمراض سرطانية

ما زال الجدال قائماً في إيران منذ أكثر من عقد، حول المخاطر الصحية للتشويش على البث الفضائي، والذي ترسله أجهزة منصوبة في العاصمة الإيرانية طهران وغيرها من المدن الكبرى، بهدف عرقلة أمواج الأقمار الصناعية وهو ما يؤدي بالنتيجة إلى منع وصول قنوات تلفزيونية من الخارج.

مع زيادة جرأة المنتقدين في السنوات القليلة الماضية، نفذت وزارة الاتصالات الإيرانية قبل مدة خطوة وصفها البعض بالعملية والإيجابية في هذا الصدد، فأعلن وزيرها محمد جواد أذري جهرمي، عن إطلاق منظومة إلكترونية في كلّ من طهران وشيراز تسمح للمواطنين بالتعرف على مستوى الإشعاعات في المناطق التي يسكنون فيها بمجرد النقر على موقع إلكتروني، وهو ما من شأنه تبديد قلقهم من خطورتها أو من تبعاتها على صحتهم الجسدية. وأوضح جهرمي أنّ هذه المعدلات تشمل كلّ الإشعاعات المحيطة بهم، كتلك الخاصة بأمواج شبكات الهواتف الخليوية أو الإنترنت إلى جانب التشويش.

جاءت هذه الخطوة بعد رسالة وجهها أطباء للمرشد الأعلى علي خامنئي، طالبوه فيها بمتابعة الملف وبالسماح بتدخل المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، متخوفين من احتمال أن تكون المستويات العالية لهذه الإشعاعات مسبباً مباشراً لأمراض السرطان.




وقد أعادت بعض وسائل الإعلام الإيرانية تسليط الضوء على القضية في الفترة الأخيرة مجدداً، وكتبت صحيفة "شرق" الإصلاحية تقريراً مطولاً حول الملف الذي رأت أنّه قديم، لكنّه ما زال مفتوحاً ويعود إلى الواجهة بين فترة وأخرى منذ عشر سنوات تقريباً، معتبرة أنّ من كانوا يدافعون عن التشويش كطريقة لمحاربة الهجوم الثقافي الخارجي، أصبحوا يسقطون واحداً تلو الآخر، فتغيرت وجهة نظر مسؤولين، إلى جانب تشكيل العديد من اللجان التي تابعت الموضوع. ونشرت الصحيفة تحقيقاً كانت مؤسسة البيئة قد كلفت مراكز بحثية بالقيام به، فأجرت المراكز دراسات على ثلاث مراحل، الأولى قبل العام 2002، والثانية بين 2002 و2011، والثالثة بعد ذلك، وكلّ الدراسات لم تستطع أن تأتي بتأكيد قطعي أنّ هذا التشويش يشكل عاملاً مباشراً للإصابة بالسرطان، إلى جانب شحّ المعلومات وعدم وجود تطور تقني يسمح برصد الحالات قبل 2002. لكن في العام 2012 استند تقرير لمؤسسة البيئة نفسها إلى مصادر خارجية فأشار إلى إمكانية أن يسبب التشويش السرطان، لكن، نتيجة معظم التحقيقات دلّت أنّ شدة هذه الإشعاعات والمدة التي يتعرض لها الإنسان هي التي قد تجعلها خطيرة.

مصطفى ترك همداني، أحد أبرز المحامين الإيرانيين، الذين تولوا المرافعة في قضايا تعنى بالشأن العام، وكان هذا الملف من نصيبه أيضاً، إذ تسلّم قضية قبل أربع سنوات تقريباً وتقدّم ومجموعة من المحامين بشكوى ضد مؤسسة تنظيم لوائح الأمواج التابعة لوزارة الاتصالات، باعتبارها المسؤولة عن التشويش، لكنّ هذا الملف لم يصل كذلك إلى نتيجة تذكر ولم تحدد أي جهة رسمية من السلطة المسؤولة عن الأجهزة التي تطلق الإشعاعات.

قرر همداني ومن معه الدخول في القضية بعدما صدر العديد من التصريحات، ومنها ما جاء على لسان مسؤولين من مؤسسة البيئة الحكومية نفسها والتي شككت باحتمال كون التشويش على البث الفضائي ذا تبعات صحية خطيرة، لكنّ القضاء طلب أدلة مباشرة من قبيل الإثبات أنّ مواطنين أصيبوا بالسرطان وكان التشويش هو العامل المباشر والمسبب الأول لذلك، إلى جانب أنّ المؤسسة المتهمة وجهت أصابع اتهامها نحو جهات ثانية من قبيل مؤسسة الطاقة الذرية الإيرانية.

وفي تعليقه على مسار القضية بعد الخطوة الأخيرة التي اتخذها وزير الاتصالات، يقول همداني لـ"العربي الجديد" إنه تدخل فيها بالأساس لأنها تعني الحقوق المدنية، فمن حق المواطن الإيراني أن يعيش في بيئة مناسبة، معتبراً أنّ التلوث والإشعاعات مسألتان تعكران صفو طريقة العيش في المدن الكبرى، موضحاً أنّ الأمواج الإلكترومغناطيسية عدة أنواع، بعضها ما ينشأ من شبكات الهواتف النقالة، وغيرها من التشويش على البث الفضائي.

يتابع أنّه لا يوجد حتى الآن أيّ دراسات دقيقة تتعلق بحجم الأضرار، لكنّ وجهة نظر متخصصي الصحة والبيئة تؤكد أنّ التشويش يؤثر سلباً على صحة الإنسان وعلى النساء الحوامل والأجنة بشكل خاص. يؤكد أنّ القضية معلّقة حالياً وربما يتجدد طرح الشكوى في وقت لاحق، موضحاً أنّ القضاء يطالب بتحقيقات متكاملة مع العلم أنّ الأجهزة المعنية من قبيل مؤسسة تنظيم اللوائح القانونية للأمواج والإشعاعات لا تتحمل المسؤولية.

وفي اتصال هاتفي لـ"العربي الجديد" مع مصدر من مؤسسة تنظيم اللوائح هذه، يؤكد أنّ هناك ثلاث جهات مسؤولة عن مصادر الأمواج بشكل عام، وهي وزارة الصحة ومؤسسة الطاقة الذرية ووزارة الاتصالات، ويشير إلى أنّ ما يقع على عاتق هذه المؤسسة يرتبط بقياس مستوى الإشعاعات، فعلى سبيل المثال يتقدم بعض المواطنين بشكوى إلى المؤسسة انطلاقاً من تخوفهم من الأعمدة الكهربائية أو تلك التي تبث أمواج شبكة الهواتف النقالة مقابل منازلهم، فيطلبون فحصاً لمستوى التشويش وهو ما تقوم به المؤسسة، التي ترسل التقرير بدورها لمؤسسة الطاقة الذرية لتعلن ما إذا كان مطابقاً للمواصفات من عدمه.

من ناحيته، أشار رئيس المركز الوطني للجو والمتغيرات المناخية والبيئية، مسعود زندي، إلى أنّ مؤسسة تنظيم اللوائح أجرت بعض الاختبارات في مناطق من المدن لتقيس مستوى وشدة الإشعاعات، موضحاً أنّ دراساتها أثبتت أنّها لا تتجاوز الحدّ المطلوب ولا المعايير الدولية. صحيح أنّ زندي لم ينفِ وجود تشويش على البث الفضائي في أجواء بعض المناطق الإيرانية، لكنّه أكد أن مؤسسات بحثية عديدة أجرت دراساتها ولم تستطع أن تثبت أنّه يسبب السرطان، وهو نفسه ما نشرته لجنة تشكلت في طهران ضمت ممثلين عن وزارة الاتصالات والصحة ومنظمة البيئة ولم تنقل دراساتها تجاوز الإشعاعات مستوى قد يمثل خطراً.

بالرغم من كلّ هذه الأحاديث، فإنّ وزارة الصحة كانت قد أعلنت سابقاً على لسان مساعد الوزير، رضا ملك زاده، أنّ التشويش يؤدي إلى أعراض كثيرة من قبيل الإجهاض أو زيادة عدد المواليد بتشوهات خلقية. من جهته يؤكد الدكتور المتخصص بطب الأطفال رائد نوحه خوان، لـ"العربي الجديد" أنّ للإشعاعات أضراراً بطبيعة الحال، لكنّ الحديث عن التبعات الدقيقة يجب أن يكون وفقاً لتحقيقات علمية، منوهاً إلى مسألة أنّ التأثيرات الأكبر تكون على الأطفال وعلى كبار السن. يشير خوان إلى أنّ شدة أو ضعف الإشعاعات يؤديان إلى اختلاف التأثير، موضحاً أنّ هناك دراسات أشارت إلى إمكانية زيادة حالات سرطان الدم من التشويش، وسرطانات الدماغ من إشعاعات أمواج شبكات الهواتف.

في وقت سابق، تجمع مواطنون محتجون في شيراز أمام مبنى محافظة فارس، جنوبي البلاد، احتجاجاً على التشويش، وقدم المسؤولون حينها وعوداً بمتابعة الملف في المدينة التي تتعرض لأعلى نسبة إشعاعات وفقاً لبعض المواقع الإيرانية، ويستند المواطنون لذلك من خلال ضعف شبكة تغطية هواتفهم الخليوية، والتشويش الشديد الذي تتعرض له محطاتهم التلفزيونية، كما أنّ النائب البرلماني عن مدينة شيراز علي أكبري كان قد انتقد الملف بقوله إنّ المواطنين تعبوا من التشويش.




بحسب القانون، يُمنع في إيران استخدام تجهيزات البث الفضائي التي تستقبل إرسال الأقمار الصناعية وتسمح بمشاهدة قنوات تلفزيونية من الخارج، كما أنّ السلطات بدأت بالتشويش في بداية الألفية الجديدة، والتي زادتها بعد احتجاجات عام 2009، إذ نشطت قنوات تابعة للمعارضة الإيرانية في الخارج. ولاقت هذه الخطوات اعتراضاً صريحاً من قبل البعض كمستشارة الرئيس الإيراني معصومة ابتكار. وشكّل الرئيس الحالي في وقت سابق لجنة لبحث هذه المسألة والتأكد من أنّ مستوى الإشعاعات لا يشكّل خطراً.

دلالات

المساهمون