الحصار يقطع أواصر مئات الأسر القطرية والخليجية

الحصار يقطع أواصر مئات الأسر القطرية والخليجية

05 يونيو 2018
حرم الحصار أطفالاً من أمهاتهم أو آبائهم (معتصم الناصر)
+ الخط -
لا خلاف على أنّ الأزمة الخليجية، تنخر في النسيج الاجتماعي منذ عام من الحصار  السعودي الإماراتي البحريني، مضافاً إليه الحصار المصري، على قطر، وقد وصل هذا النخر إلى العظم، فشتت شمل مئات الأسر المختلطة بين دول مجلس التعاون

من المعروف أنّ منطقة الخليج العربي، لا سيما دول مجلس التعاون الست، ظلت تمثل نسيجاً اجتماعياً واحداً يتشكل من مجموعة موحدة من القبائل العربية، إذ يمثل شعب الجزيرة كتلة بشرية واحدة على مستوى اللغة والتاريخ والعقيدة والعادات والتقاليد بشكل عام، ويعتبرها الباحثون الاجتماعيون الكتلة الاجتماعية الأصلب في المنطقة.

لكنّ إمعان دول الحصار، وعلى رأسها السعودية والإمارات والبحرين، في مقاطعة دولة قطر، الذي وصل إلى حد إغلاق المنافذ البرية والجوية والبحرية، والتضييق على الشعب القطري، وفرض إجراءات تعسفية، وصلت إلى طرد كلّ من كان يتواجد على أراضي تلك الدول حتى لو كان في زيارة للأماكن المقدسة، لأداء شعيرة العمرة، كما فعلت السعودية، بعد إعلان الحصار الجائر يوم 5 يونيو/ حزيران 2017، وما تبعه من إجراءات فرض تأشيرة دخول كما فعلت البحرين، أدى إلى تقطيع أواصر الكثير من الأسر.

اتخذ قرار الحصار السعودي الإماراتي البحريني والمصري على قطر، في ليلة ظلماء، بحسب الفنان القطري، غانم السليطي، الذي قال في حوار سابق أجرته معه "العربي الجديد" بعد أيام من اندلاع الأزمة: "القرار منع الزوجة عن زوجها... طفل عمره أربعة أشهر والدته كانت تصطحبه معها، وهي تهم بالخروج من إحدى دول الحصار، سحب من بين ذراعيها وردّ إلى أبيه، وأرغمت الأم على المغادرة لأنّها قطرية، فهل هل هذا معقول"؟

بدورها، تعتبر الناشطة المجتمعية القطرية، مريم ياسين الحمادي، أنّ الآثار التي خلفها الحصار على المستوى الاقتصادي يمكن القول إنه قد تم تجاوزها، لتمكن دولة قطر من تقديم حلول، فهي تملك القرار والدعم والإمكانات من أجل تنويع مصادر الدخل والاكتفاء الذاتي، خصوصاً مع توسعات المشاريع الضخمة في البلاد واستكمال مشاريع البنية التحتية المتعلقة بمونديال 2022. لكنّ الحمادي تؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ المشكلة الأخرى المستمرة والتي يسيطر عليها الطرف الآخر هي صلة الرحم، خصوصاً أنّ دول الخليج عاشت كمنطقة جغرافية واحدة يتنقل الناس بين حدودها بسلاسة وبساطة. تشير إلى أنّ كلّ أهل الخليج أقارب بين عم وخال وجد، لكنّ الواقع تغير جراء الحصار، فثمة حالات وقصص يندى لها الجبين، لجنازات لم يتمكن الأبناء من حضورها، أو أفراح لم يتمكنوا من المشاركة فيها، ناهيك عن الشرخ الذي حدث في الأسر المختلطة، وتسجيل حالات طلاق، ومشاكل نفسية للأطفال والزوجات أيضاً، إذ ترتب على هذا الحصار حرمان أطفال من أحد الوالدين، بالإضافة إلى الضغط النفسي الذي يسيطر على أفراد تلك الأسر. تعدّ الحمادي هذه الحالات من انتهاكات حقوق الإنسان، لكن يصعب التعامل فيها مع المتسببين: "لم يبقَ غير النداءات الدولية لوضع حلول وإنصاف الأسر ولمّ شمل أفرادها".




في السياق استعرضت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية، قصص أسر خليجية وجدت نفسها فجأة من دون مقدمات، تواجه أزمة لم تكن في الحسبان ضمن تداعيات الحصار، مشيرة إلى أنّ الحصار أصاب كلّ جوانب النسيج الاجتماعي المشترك في منطقة الخليج. ذكرت الصحيفة أنّ "خطورة الوضع" دفعت منظمة العفو الدولية إلى التحذير من أنّ الإجراءات التي فرضتها الدول المقاطعة ستفرّق العائلات. ووثقت المنظمة الدولية حكاية رجل سعودي مقيم في الدوحة وزوجته القطرية التي لن تستطيع زيارة أمه التي تعاني من مرض عضال في أحد مستشفيات السعودية. وروت منظمة العفو قصة عروس قطرية قالت إنّها كانت على وشك الانتقال إلى البحرين للعيش مع زوجها البحريني الجنسية عندما اندلعت الأزمة.

كذلك، يؤكد الباحث في التراث الخليجي، الإعلامي القطري، صالح غريب، أنّ المؤلم في الأزمة المفتعلة هو هذا الإضرار بالنسيج الاجتماعي الخليجي. يقول لـ"العربي الجديد": "لديّ أقارب في الإمارات وآخرون في السعودية، ومنذ بداية المقاطعة والحصار قبل نحو عام، انقطع التواصل معهم، ولم نتمكن من زيارتهم ومشاركتهم في أفراحهم وأتراحهم". يوضح أنّ التواصل كان مستمراً بمختلف أشكاله، ومنها الزيارات الشخصية المتبادلة، وكذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي: "أسسنا مجموعة واتساب ضمت جميع أفراد العائلة المقيمين في أكثر من بلد، لكن بعد إعلان الحصار وتحت سيف القانون الذي يجرّم التعاطف مع الشعب القطري حتى لو كانوا من الأقارب، انسحب الأهل في السعودية والإمارات من المجموعة، وامتنعوا عن التواصل مع الأهل في الدوحة".

يضيف غريب، أنّ شقيقة زوجته تقيم في مدينة الدمام السعودية، ومنذ بدء الحصار، لم يحصل تزاور بين الشقيقتين بالرغم من أنّها الشقيقة الكبرى وتقدم بها العمر، علماً أنّه لا يوجد أيّ مانع من زيارة شقيقتها في الدوحة، فدولة قطر لم تمنع استقبال مواطني دول الحصار، لكنّ المنع من حكومات الطرف الآخر. يتابع غريب أنّه خلال إحدى زيارات العمل إلى الكويت، صادف مواطنين قطريين قدما معاملة من أجل أن تحضر والدتهما من السعودية للقاء بها في الكويت.

في السياق، يوضح تقرير اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر، بعد نحو شهر من بداية الأزمة، أنّ الانتهاكات التي طاولت أكثر من 13 ألفاً من المتضررين تشمل انتهاك شمل مئات الأسر وانتهاك حق التنقل والتعليم والصحة والعمل وحرية الرأي والإقامة والتملك، بالإضافة إلى الحرمان من ممارسة الشعائر الدينية والتحريض على العنف والكراهية. يستعرض التقرير الشكاوى التي تلقتها اللجنة إثر الانتهاكات التي لحقت بمواطني دولة قطر جراء الحصار ومنعهم من دخول أراضي الدول الثلاث التي أجبرت أيضاً مواطنيها على الخروج من دولة قطر في غضون أسبوعين. يصف التقرير الإجراءات التصعيدية التي اتخذتها دول الحصار الثلاث في الخامس من شهر يونيو/ حزيران 2017 بأنّها "حادة وصادمة" فقد شملت إغلاق المجال البحري والبري والجوي ليس فقط في وجه التجارة والبضائع، بل طاولت أيضاً المواطنين في سابقة خليجية، ومن دون مبالاة بجميع المبادئ والمعايير الحقوقية والإنسانية وتبعاتها القانونية.



يشير التقرير إلى توارد مئات الشكاوى إلى اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان سواء عبر البريد الإلكتروني أو عبر الهاتف أو زيارات مباشرة إلى مقر اللجنة، مبيناً أنّه حسب البيانات فإنّ ما لا يقل عن 11387 مواطناً من دول الحصار الثلاث يقيمون في دولة قطر، بينما يقيم قرابة 1927 مواطناً قطرياً في تلك الدول تضرروا جميعهم في نواح وقطاعات مختلفة وبشكل متفاوت وصل في بعض الحالات إلى قيام بعض دول الحصار بالفصل بين الأم وأولادها. ينبه التقرير إلى أنّه في بعض الحالات تعرض الشخص الواحد لأكثر من نوع من الانتهاكات، كما يستعرض شهادتين أو أكثر من الضحايا عن كلّ صنف من أصناف الانتهاكات.

ينبّه التقرير إلى أنّ الحكومة القطرية لم تقم بأيّ إجراء بحق مواطني دول الحصار الثلاث ولم تتلق اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان أيّ شكوى في هذا الخصوص. ويشير إلى أنّ حكومات كلٍّ من السعودية والإمارات والبحرين انتهكت عبر قراراتها عدة قواعد وقوانين رئيسة في القانون الدولي لحقوق الإنسان، علماً أنّها من أبسط ركائز تلك الحقوق وتتمتع لبساطتها واتساع نطاق تصديقها وتطبيقها بصفة العرف الدولي. كذلك، يشدد التقرير على ضرورة قيام المفوضية السامية لحقوق الإنسان بإعداد تقارير وبيانات توثّق مختلف أنواع الانتهاكات التي طاولت أعداداً هائلة، وبشكل خاص ما يتعلق بتشرّد العائلات بما في ذلك تداعياتها المرعبة على النساء والأطفال إثر تفكك الأسر.

يوجه تقرير اللجنة القطرية دعوة إلى كلّ من السعودية والإمارات والبحرين بضرورة مراعاة خصوصية المجتمعات الخليجية وعدم اتخاذ قرارات تساعد في قطع أوصال الأسر والمجتمعات والتراجع عنها في أسرع وقت ممكن. ويطالب هذه الدول باحترام حقوق الإنسان الأساسية في التنقل والملكية والعمل والإقامة والتعبير عن الرأي المنصوص عنها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والميثاق العربي المشترك لحقوق الإنسان. ويشير إلى ضرورة تحييد الملف السياسي عن التأثير على الأوضاع الإنسانية والاجتماعية وعدم استخدامه كورقة ضغط وذلك لمخالفته القانون الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

وحول تعامل دولة قطر مع مواطني دول الحصار، يقول الإعلامي صالح غريب، إنّ قطر بمؤسساتها الحكومية وشعبها تمثل الداعم الأكبر للأواصر الخليجية، ولم تواجه الإساءة بالإساءة، إنما عاملت كلّ خليجي يعيش على أرض الدوحة بالمحبة والإخاء وكأنّه في بلده الثاني، كما لم تعامل رعايا دول الحصار بالمعاملة نفسها التي يلقاها قطريون يعيشون في عواصم ومدن دول الحصار.

وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، قد استعرضت في تقرير خاص العديد من حالات الانتهاك الأسري التي تعرض لها مواطنون خليجيون جراء الأزمة. وذكرت المنظمة أنّ مواطنين قطريين أُجبرا على العودة من السعودية لكنّهما يقيمان في فنادق في الدوحة لعدم امتلاكهما منازل في قطر. أما ريم فعاشت في البحرين مع زوجها وأطفالها البحرينيين مدة 36 عاماً، وتقول إنّها تركت وراءها زوجها البحريني البالغ من العمر 70 عاماً، وابنين، وجلبت إلى قطر ابنها البالغ من العمر 25 عاماً، وهو مواطن بحريني، لديه إعاقة ذهنية، ويحتاج إلى علاج طبي منتظم.




ومن بين 50 مواطناً خليجياً قابلتهم "هيومن رايتس ووتش" ذكر التقرير أنّ 22 شخصاً أفادوا بأنّ القيود المفروضة على السفر قطعتهم عن أفراد أسرهم المباشرين. وقال ماهر (قطري، 37 عاماً) إنّ القيود المفروضة على السفر أبعدته عن زوجته السعودية التي كانت تزور والدتها في المنطقة الشرقية. أما ليلى (بحرينية، 26 عاماً)، فكانت كثيراً ما تسافر بين قطر والبحرين مع زوجها القطري. قالت إنّها وضعت طفلة في قطر قبل عدة أسابيع من المقاطعة والحصار، واضطرت إلى اتخاذ قرار بين الامتثال لأمر العودة إلى البحرين أو البقاء مع ابنتها وزوجها، مؤكدة أنّها تشعر بقلق بالغ إزاء قرار البحرين بإلغاء جوازات سفر المواطنين الذين بقوا في قطر، وتأمل ألاّ تعرف السلطات البحرينية بوجودها في الدوحة.