هيلانة بنت جرجس

هيلانة بنت جرجس

19 فبراير 2018
فوق مع القديسين (بيدرو باردو/ فرانس برس)
+ الخط -
قبل قليل أرسلوا لي خبراً مع خليل مفاده بأنّ جرجس، أبي، ينازع في فراشه.

أبي هو جرجس الكفوري، كان مزارع حرير، لكنه كان يحب أن يكون تاجر حرير كبيراً. مشلول منذ ثلاثة أعوام. لا يستطيع تحريك قدميه ولا يديه ولا حتى لسانه. يسمع ويرى. وأنا هيلانة ابنته الصغرى. لم يرزق بصبيان، رغم أنه كان يرغب في ذلك جداً. كان يقول إنه يفضّلني على أختيّ الكبيرتين. كان يقول أيضاً إنه كان عليه أن يسمّيني هنيّة لأني هنيّة فعلاً. لكنه أسماني هيلانة على اسم عمتي هيلانة التي ماتت بالسلّ.

أنا هيلانة بنت جرجس. أبكي الآن عند قدمي أبي المشلولتين. أختي مريم بقربي تندب بصوت عال، رغم أن أبي لم يمت بعد. أفكّر في أبي. أفكّر في أني لم أكسر كلمته طيلة حياتي، وأني لم أعترض عندما أراد تزويجي خليل، ولم أعترض عندما أخرجني من المدرسة أيضاً. حتى عندما منعني عن رؤية سعاد، صديقتي التي كانت تأتي من بيروت مع أهلها لقضاء الصيف هنا، لم أقل شيئاً. كنت أحب سعاد. يقال إنها سافرت إلى أميركا مع أهلها وتزوجت هناك. كان أبي يرغب لو أنّ إحدى بناته تزوّجت وسافرت إلى أميركا.

كانت سعاد تتعلم في مدرسة إرسالية. أخبرتني مرة أنهم في مدرستها ينادون البنات اللواتي يحملن اسم هيلانة بـ "إيلين". ليت اسمي كان إيلين. أفكر ما بالي وبال سعاد. أفكر في أبي. كان حنوناً. لم يضربني سوى مرة واحدة فقط. لم أبكِ من شدة الوجع يومها، بل بكيت من الظلم. كان عيسى، ابن الجيران يراقبني وأنا أنشر الغسيل على السطح. رآه أبي فأتى إليّ وضربني. قال حينها: "لو كان لهيلانة إخوة صبيان لما راقب عيسى البنت من بعيد". لكنّه عاد وأخبر أمي بأنه ندم على فعلته كثيراً.




أقول ما بالي وبال عيسى. أفكر في أبي. تقول مريم إن وجه أبي يشعّ نوراً. تدلّ عليه بإصبعها وتقول: "انظروا إليه كيف يبتسم". تقول إنه سوف يرتاح، وإنه فوق مع القديسين، لا وجع ولا حزن. الناس أيضاً يقولون هنا إنّ جرجس سوف يرتاح من الحياة. لكنّ أبي لم يكن متعباً منها. كان -عندما يموت أحدهم بشكل مفاجئ- يطلب من الله أن يموت ميتة شبيهة. لكنّه عندما أصيب بجلطة في المرة الأولى قال إنّه يفضل أن يعيش بنصف لسان على أن يموت. كان يقول ضاحكاً أيضاً إنّه يخاف من العتمة، وإنّه سوف يظل راضياً عن عيشته طالما أنّه يستطيع أكل التين والعنب.

أفكر في أبي. أقول: "يا الله، يا ريت لو تبقيه على قيد الحياة في حال كان يرغب في ذلك". لكنّ مريم أختي تقول لو كان الموت رغبة شخصية لما مات أحد من الناس. على أية حال لم يستجب الله لرغباته يوماً.

المساهمون