استنفار دنماركي لمواجهة تهديد السياسيين

14 فبراير 2018
تخريب الملصقات أحد أشكال التهديد (العربي الجديد)
+ الخط -
الديمقراطيات الاسكندنافية تبدو في الظاهر سلسة وتسير بدون مشاكل تذكر، لكن ما تظهره دراسة بحثية استقصائية لمصلحة وزارة الداخلية في كوبنهاغن تشير إلى واقع مختلف. فمن بين نحو 2670 سياسياً محلياً (أعضاء مجالس بلديات ومحافظات منتخبون من الشعب) يفيد 42 في المائة من هؤلاء أنهم تعرضوا لانتهاك واحد على الأقل. ومعظم هذه الانتهاكات والمضايقات، عند واحد من كل ثلاثة سياسيين محليين، تتعلق بإشاعات وتحرشات عبر المكالمات والرسائل النصية الهاتفية ومواقع التواصل "بشكل مسيء جداً".
ما يعانيه هؤلاء السياسيون يجعلهم أكثر حذرا في الخوض في النقاشات العامة ويؤدي بهم إلى حالة إجهاد واضطرابات في النوم، بحسب الدراسة. فالسياسي المحافظ ناصر خضر يعيش اليوم تحت حماية أمنية على مدار الساعة "لوجود تهديد أمني جدي"، ومثله تفعل وزيرة الهجرة أنغا ستويبرغ بسبب تهديدها بالقتل. والجديد في الأمر أيضا تعرض أسر هؤلاء السياسيين إلى حملة تهديد للحياة. فقد تلقت ابنة كارل هولست، السياسي الليبرالي من حزب فينسترا الذي يقود ائتلافا حاكما من يمين الوسط، رسالة تهديد عبر البريد العادي، إذ كتب مرسلها "لو رأيتك من فوق تلة مرتفعة أعدك بأني سأدفعك بكل سرور حتى تموتي بالتأكيد، لكن يبدو أنه موت رحيم، يجب تعذيبك بشكل بطيء ومؤلم حتى الموت".
هذه الرسالة التي كشف عنها النقاب قبل أيام، جاءت بالتزامن مع الدراسة الممتدة منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي لمصلحة الداخلية الدنماركية عن "بيئة العمل الديمقراطي للسياسيين المحليين"، والتي نشرت نتائجها الخميس، وتكشف أيضاً اتساع الظاهرة في جناحي السياسة، يسارا ويمينا. ففي بحث متزامن عن "الثمن للعمل السياسي 2018" يتضح أن نطاق العيش في ظل التهديد بالحياة والتخريب والتعدي أمر لم يعد يسري على "التطرف الأيديولوجي".
ويبدو أن الاستخبارات الدنماركية، المسؤولة عن تأمين السياسيين ممن يعيشون تهديدا بالحياة، تستمر في حراسة تلك الشخصيات من شتى الاتجاهات اليسارية والمحافظة. فإلى جانب خضر وستويبرغ تعيش أيضا رئيسة البرلمان، ومؤسسة حزب الشعب اليميني المتشدد في ظل حراسة الاستخبارات، إلى جانب الاشتراكي الديمقراطي مورتن برودسكو الذي تعرض لاعتداء جسدي في مباراة كرة قدم بسبب آرائه السياسية. هذا بالإضافة إلى الشخصية المعروفة في حزب المحافظين ورئيسة مجموعة الحزب في البرلمان ميتا ابيلغوورد التي وصل التهديد إلى صغارها نجد أن السياسية الديمقراطية من أصول مسلمة ومهاجرة ييلديز اكدوغان (تركية الأصل) تعيش في ظل حماية بعد أن أصبحت عرضة لهجمات وتهديد بالقتل.
وزير الداخلية الدنماركي سيمون إيميل اميتزبول، شأنه شأن باقي السياسيين، يشعر بصدمة من نتائج الدراسة التي أجرتها وزارته، إذ قال "كنت آمل بأن تكون النتائج مشرقة في بلد يحكمه شعبه، بينما الأمر مخيب ومهين حقا للديمقراطية. إن وصول الإهانة والتهديد بالحياة إلى السياسيين المحليين، إلى جانب المشرعين في البرلمان، إلى هذا المستوى (نحو 42 في المائة) أمر غير مقبول". ويضيف "نحن في الدنمارك لدينا أقوى الديمقراطيات، وهو ما يجب أن يبقى في المستقبل، ويتطلب ذلك أن ينخرط الناس رغبة وفرصة في السياسة بدون خوف ومضايقة أو تهديد".
ويعترف السياسيون بأنهم يتلقون تهديدات متواصلة ويتعرضون لتخريب ممتلكاتهم عن قصد ولمحاولة تشويه صورتهم أمام الناخبين. أقل تخريب تعرض له الساسة المحليون هو تخريب ملصقاتهم الانتخابية وكتابة تهديدات عليها بالاضافة إلى تخريب سياراتهم. فيما عانى 2 في المائة منهم من عنف جسدي بالضرب والدفع والبصق عليهم في الأماكن العامة وأمام الجمهور، ولا يفرق المعتدون والمهددون بين سياسي رجل أو أنثى. وتلقى بعض هؤلاء المشتغلين في الشأن السياسي العام تهديدات من مثل حرق بيوتهم مع عائلاتهم، فيما تعرضت سياسيات وبرلمانيات للتهديد بالاغتصاب والقتل.
وعلى خلفية نتائج هذه الدراسة، يذهب حزب الشعب الاشتراكي والحزب الاجتماعي الديمقراطي وحزب الشعب الدنماركي لتقديم تشريع جديد لإدخال تعديلات صارمة على قانون العقوبات في ما يتعلق بتهديد السياسيين والمشرعين، شبيه بتهديد رجال الأمن، بحسب قانون العقوبات 266 الذي يمكن أن يؤدي بصاحبه، حتى لو كان تهديدا شفهيا، إلى عقوبة السجن النافذ لأربع سنوات.
المساهمون