تراث الناصرة الغنائي الرمضاني

تراث الناصرة الغنائي الرمضاني

18 يونيو 2016
نشرت أربعة كتب في التراث والفولكلور (العربي الجديد)
+ الخط -
ما زالت الباحثة في الفولكلور الغنائي النسائي، نائلة لبس عزام، من مدينة الناصرة في فلسطين المحتلة، تجوب البلدات العربية في الداخل المحتل، بهدف جمع أغاني البلاد التراثية. انتقلت مدرّسة الموسيقى المتقاعدة، التي ولدت في الناصرة في عام النكبة، من أقصى شمال الجليل إلى المثلث في بحثها عن التاريخ الشفوي الفلسطيني، وما زالت تتابع.
لديها ثلاثة أبناء وسبعة أحفاد. وعدا عن مسؤولياتها المنزلية، تقدم محاضرات وتشارك في ورش عمل في الأغنية الفولكلورية. هي في الأساس تنحدر من عائلة فنية جميع أفرادها يحترفون الموسيقى من الوالدين إلى الأخ والأخت.

تقول: "بدأت البحث عام 1984 عندما أقمنا أسبوعاً للتراث في مدرسة عين ماهل، وهي المدرسة التي توليت فيها التدريس طوال 27 عاماً. من المعروف أنّ بلادنا غنية بالتراث. فمثلاً تعلمت من عين ماهل أكثر ممّا درّست في موضوع التراث. أخذت أغاني كثيرة من القرية. وهي أغانٍ كانت مشتركة في كلّ البلاد. وهي تغنى في جميع المناسبات وجميع الأجيال. حتى أنّ البعض يستغرب ذلك أحياناً، لكنّ فلسطين تغني كلّها". تتابع لـ "العربي الجديد": "جزء من هويتي أعتبرها من عين ماهل، فكلّ مرة كان يطرق باب بيتي زائرون من البلدة، كان والدي يخبرني أنّ لي زيارة من أهلي".

تشير عزام إلى أنّ قضية البحث بدأت تجذبها منذ طفولتها. فهي تربت لدى جدتها في يافة الناصرة. تقول: "جدتي من جهة والدتي هي التي ربتني. كان جدي وأخوالي يعملون في الفلاحة. وهكذا بدأ موضوع الفلوكلور معي من أيام طفولتي الأولى، عندما كنت أرافق وأشارك جدتي وخالتي في الأفراح، التي كانتا تذهبان إليها. جدتي لم تكن تغني، لكن الأجواء المحيطة كانت غنية".

تروي جزءاً من تهاليل النساء عندما كان أهلهن وأقاربهن يفارقونهن للذهاب إلى الحج، وعدم عودتهم بعد. من ذلك: "يا حادي العيس قل لي كم بقى لك يوم.. والجمعة والسبت يا يما والأحد بكونوا هين.. وحياة من خلقك شهر الصلاة والصوم.. من يوم غابوا الحبايب ما حلي لي نوم". وتفسر أنّ الحجاج في الماضي كانوا يذهبون حالاً بعد ثلاثة أيام من انتهاء شهر رمضان، وطبعاً يستخدمون وسائل نقل بدائية متعبة وبطيئة في سفرهم.
تضيف: "بعد نكبة عام 1948 باتت هناك حالة انقطاع بين المجتمعات الفلسطينية والأغاني الشعبية نتيجة التهجير والفقر والظروف القاسية. وبذلك، بتنا في حالة قطيعة مع الفولوكلور. ومن الأغاني التراثية النسائية جرت المحافظة في الأعمّ الأغلب على أغاني الأفراح والأعراس التي بقيت منتعشة".



أما أهم المواضيع التراثية التي انقطع الغناء فيها فهي "التحانين" وهو اسم يطلق على أغاني الحج، وأغاني "طلب الاستسقاء والغيث"، وكذلك معظم "أغاني رمضان". تشير عزام إلى أنّ تطور الحياة دفع بهذه الأغاني التراثية إلى الغياب. أما ما بقي من أغاني رمضان فهو شيء بسيط، خصوصاً أغاني الأطفال الخاصة بالشهر الكريم مثلاً. تشير إلى أنّ الطفل حين كان يصوم ويتعب من انتظار الإفطار، يقف عند باب المسجد، وينشد: "أذّن أذّن يا خطيب.. أذّن قبل الشمس تغيب. أذّن يا أبو آمنة يا أبو شمل هاملة". أو يخاطب الأطفال الشمس لكي تغيب فيغنون: "غيبي يا شمس جوا البحور.. بطني ذبحني بدو فطور، غيبي يا شمس جوا العلالي بطني ذبحني بدو دوالي".

تشير عزام إلى أنّ هذا الفولكلور مشترك في كلّ بلاد الشام. وعن عادات شهر رمضان القديمة، تقول: "منها تعليق رغيف خبز على باب البيت، ويبقى حتى يأتي شهر رمضان في السنة المقبلة، ويرمز الى دوام الخير وهدأة البال من سنة الى أخرى. كذلك، تعليق باقة عشبة الفيجان، على باب البيت. والهدف من ذلك كما يوحي الاسم "في جان"، أنّ رائحته تطرد الجن والأرواح الشريرة من البيت.
تتابع: "في نهاية شهر رمضان تصنع لعبة من شرائط من القماش بثقوب. تطمر في الأرض ويغنون: رمضان مات مات لا والله سلامته.. أجت أخته حليمة تعيّط على قامته". تقول: "كانوا يغنونها وهم يحفرون الأرض لدفن اللعبة. وعند انتهائهم يغنون: بكرا العيد ومنعيّد.. منذبح بقرة السيد.. والسيّد ما له بقرة منذبح بنته هالشقرا.. وهالشقرا ما فيها دم منذبح بنته بنت العم".

تبقى الإشارة إلى أنّ عزام نشرت أربعة كتب في التراث والفولكلور هي: "الأغاني الفولكلورية النسائية لمناسبة الخطبة والزواج"، و"أغانينا النصراوية شامية وجاي من الشام"، و"الأمومة والطفولة في الفولكلور الفلسطيني"، و"قريمشة يا قريمشة".

دلالات

المساهمون