"بوصلة" المهاجرين.. مبادرة سورية لإنقاذ الزوارق من الغرق

"بوصلة" المهاجرين.. مبادرة سورية لإنقاذ الزوارق من الغرق

29 سبتمبر 2015
الوصول إلى بر الأمان اليوناني (فرانس برس)
+ الخط -
لم يجد بعض الشباب السوريين أمامهم سوى إطلاق مبادرات ذاتية من دون أي دعم رسمي أو أهلي، لإيقاف موت أبناء بلدهم في كل مكان، سواء داخل سورية أو خارجها، في طريقهم للبحث عن مكان آمن لهم ولأولادهم.

وفي مواجهة الأخبار المتواصلة بالذات عن غرق السوريين في البحر المتوسط وبحر إيجة، قامت مجموعة شبابية سورية بتشكيل مجموعة اتصال تتولّى مهمة متابعة القوارب منذ انطلاقها في تركيا خصوصاً، وحتى وصولها إلى اليونان أو إيطاليا. كذلك تتولى مهمة تبليغ خفر السواحل التركي أو اليوناني لمساعدة القوارب المهدّدة بالغرق، أو التي غرقت بالفعل، وذلك من دون أي مقابل أو دعم.

وتنتشر بين السوريين أرقام على تطبيق "واتساب" وعلى "فيسبوك" أيضاً، لمثل هذه المجموعات التي قد تشكل لهم منجى أكيداً من الموت غرقاً يوماً ما. وقد تواصلت "العربي الجديد" مع إحدى هذه المجموعات التي تمتلك صفحة على "فيسبوك" باسم "غروب الإنقاذ البحري". يوزع الناشطون في المجموعة أرقام هواتفهم المحمولة على كل من ينوي عبور البحر. وينتشر على الصفحة الكثير من النصائح حول وسائل الأمان التي يجب على اللاجئين أخذها معهم، كستر النجاة والإطارات المطاطية، والأدوية المطلوب تناولها تحسباً للدوار البحري، وكيفية التأكد من وجود كمية احتياطية من البنزين على متن القارب. كذلك تراقب المجموعة أحوال الطقس ومدى ارتفاع الموج، وتضع على الصفحة تحذيرات دورية للراغبين في عبور البحر.

وفي هذا الإطار، يؤكد مؤسس المجموعة رافع عبّارة (27 عاماً) من مدينة حمص، الحاصل على ماجستير في الصيدلة، أنّه بدأ بفكرة مساعدة اللاجئين على عبور البحر، بعد تعرضه للغرق أثناء ذهابه إلى إيطاليا من مدينة مرسين التركية في طريقه النهائي إلى ألمانيا. الحادثة كانت بالقرب من الشواطئ الإيطالية، حيث تعرض المركب للغرق وعلى متنه 150 شخصاً من بينهم 45 طفلاً، بعد إبحاره بخمسة أيام. لكنّ خفر السواحل الإيطالي تمكن من إنقاذ من فيه في اللحظات الأخيرة.

يقول رافع: "لم أستطع أن أنسى عيون الأطفال الخائفة في القارب الذي وصلت به إلى إيطاليا. وبعد استقراري في ألمانيا، بدأت بالفكرة بعد مراقبة مجموعات "فيسبوك" التي ينشئها اللاجئون، وقررت أن أساعدهم، فأنشأت مجموعة. لكني بعد أشهر بدأت أشعر بالإرهاق من متابعة القوارب بكثرة والتبليغ عنها، فانضمت إليّ مجموعة من الشباب السوري، منهم من يقيم في تركيا ومنهم من يقيم في عدد من الدول الأوروبية".

يتابع: "لا يدعمنا أحد من الدول أو المنظمات أو الجمعيات. وكلّ ما نقوم به نتاج مجهودات شخصية تطوعية. أوفر من الراتب الذي تمنحه لي إدارة اللجوء في ألمانيا، كي أشتري باقات إنترنت وباقات مكالمات دولية من أجل التحدث إلى قوات خفر السواحل واللاجئين. نحن لا نشجع أحداً على ركوب البحر أو السفر، لكننا في الوقت نفسه نساعد المهاجرين الذين قرروا ذلك، على العبور إلى الضفة الأخرى بأكثر الطرق أماناً". ويشرح العملية: "نبدأ منذ وصول المجموعة إلى نقطة الانطلاق فيتم إبلاغنا بساعة انطلاق القارب. نطلب من المجموعة أن تعطينا رقمي هاتف على واتساب، ليتم التواصل معها، ونحذر المهاجرين إن كان البحر مرتفع الموج، كما نبقى على اتصال لنبلغ قوات الدرك التركية عن النقطة في حال حاول أي من المهربين إجبار المهاجرين على الركوب، ومن ثم نتابع القارب حتى وصوله إلى هدفه المتمثل غالباً بإحدى الجزر اليونانية".

يتابع: "نعطي المهاجرين نصائح حول ضرورة استخدام ستر النجاة وشحن بطارية الهاتف وكيفية تعبئته بالرصيد من الشبكة المناسبة، كي يستمر في العمل عند عبور المياه الإقليمية التركية. وننبههم إلى ضرورة الإبحار ببطء نحو الهدف، كي لا ينقلب القارب من جراء اصطدامه بالموج، وضرورة أن تتوفر فيه كمية احتياطية من البنزين. وفي حال تعرض القارب للغرق، يرسل أحد الركاب من الهاتفين إحداثيات بمكان تواجده عبر "غوغل ماب" أو "واتساب"، لأتصل به بعدها، وأحاول أن أعرف عدد الرجال والأطفال والنساء بدقة، لأنّ ذلك يزيد ثقة خفر السواحل بأنّ الإخبار حقيقي وليس كاذباً. وأتابع القارب حتى إنقاذه، فكل ما نريده الحفاظ على أرواح الناس".

أما عن عدد القوارب التي ساهمت المجموعة في إنقاذها حتى اليوم، فقد وصل إلى 314 قارباً في الأشهر الخمسة الماضية. تضاف إليها قوارب تابعت المجموعة مسارها.

انضم إلى رافع عدد من الشباب السوريين، من بينهم ثائر الأسعد (26 عاماً) من حمص، والذي كان ناشطاً في مجموعات أخرى، لكنه انضم إلى رافع بعد إنشاء الأخير مجموعة متخصصة بالإنقاذ فقط. يقول ثائر: "لم أتعرض للغرق يوماً ولم أحاول اللجوء إلى أوروبا، فأنا أدرس الماجستير في المصارف والتأمين، وأقيم في إسطنبول وأعمل في أحد المصارف التركية. أتقن اللغتين الإنجليزية والتركية، وأتولى عادة مهمة إبلاغ خفر السواحل التركي. أما المتابعات فيقوم بها أشخاص آخرون من المجموعة". يضيف: "لا يوجد أحد فينا متخصص بشؤون الإنقاذ، لكننا أصبحنا كذلك بحكم الضرورة، فلا منظمة إنسانية تولت هذا الأمر على أهميته. تقتصر مهمة المجموعة على متابعة القوارب في البحر، والتأكد من وصولها سالمة إلى الأراضي اليونانية".

يتابع: "في حال انقطع الاتصال بيننا وبين أحد القوارب، نرفع آخر إحداثيات وصلتنا من القارب على "فيسبوك"، كي يتسنى لكل من يرغب بالمساعدة أن يفعل ذلك، بينما نكثف بدورنا تواصلنا مع خفر السواحل".

كذلك، يعمل عثمان دياب (31 عاماً) من محافظة إدلب، وهو خريج معهد صناعي مع المجموعة من تركيا أيضاً. يقيم في مدينة أنقرة ويعمل مترجماً (عربي- تركي) في إحدى الشركات الخاصة. في المجموعة يتولى إبلاغ خفر السواحل التركي عن القوارب التي تطلب نداءات استغاثة. ويقول: "وضعي مستقر نوعاً ما في تركيا، ولم أفكر باللجوء إلى أوروبا. انضممت إلى المجموعة قبل خمسة أشهر، وكل ما نحاول فعله أن نخفف من عدد الضحايا السوريين".

يضيف: "من أبرز الصعوبات التي كانت تواجهنا الجهل باستخدام الهواتف الذكية، لكنّ الأمر بدأ يتحسن. وعلى الرغم من تحذيراتنا المتكررة للمهاجرين من وجود عواصف أو ارتفاع في الموج إلا أنّ الكثيرين منهم لا يبالون بتحذيراتنا وينساقون وراء المهربين الذين لا يلتزمون بدورهم حتى بالطاقة الاستيعابية للقارب، والتي تقدر عادة بـ35 شخصاً. فيركب فيه أكثر من خمسين شخصاً، وتكون النتيجة للأسف الغرق. أما بالنسبة لخفر السواحل التركي فهو بالعموم متعاون، لكن بسبب تكرار اتصالاتنا يشتبه بعضهم في عملنا مع المهربين".

ويتابع: "نحاول جهدنا أن نمنع غرق قوارب المهاجرين السوريين، لكن كلّ ما نستطيع فعله هو إبلاغ خفر السواحل. وبالرغم من أنّ علاقتنا مع المهاجرين السوريين تنتهي بوصولهم إلى الأراضي اليونانية، أو التأكد من قيام خفر السواحل بإنقاذهم في حال تعرضهم للغرق، إلا أنني لا أستطيع أن أنسى واحداً منهم بقي على تواصل معي بعد غرق القارب الذي كان يقل ابنته وأولادها. إذ فقد حفيده (3 سنوات) إثر غرق القارب، وعاد ليبحث عنه بين كلّ من السواحل التركية واليونان من دون جدوى، فلم يعثر على حفيده، أو حتى على جثته".

وبينما يتولى كل من عثمان وثائر مهام الاتصال بخفر السواحل التركي، يتولى، إلى جانب رافع، الشاب علاء حسن الاتصال بخفر السواحل اليوناني. علاء (25 عاماً) من ريف دمشق. هو لاجئ في النمسا، ويسهل عليه بالتالي الاتصال باليونانيين، خصوصاً أنّ هؤلاء يعرفون اللغة الإنجليزية. يقول علاء: "ما دفعني لتولي هذا العمل أنّي عبرت نفس الطريق وكنت معرضاً للغرق. كذلك مات أحد إخوتي في البحر، بينما كان يسبح في يوم عادي". ويضيف: "أتولى مهمة متابعة القوارب، وفي حال تعرض أحدهم للغرق في المياه الدولية أو المياه اليونانية أتصل بخفر السواحل اليوناني كي يتم نقل المهاجرين إلى الجانب اليوناني، ونوفر عليهم عناء الرحلة مرة أخرى". يتابع: "من أهم الصعوبات التي تواجهنا طلب بعض المهاجرين الاستغاثة بالرغم من أنّ قاربهم بخير كي يأتي خفر السواحل اليوناني وينقلهم إلى إحدى الجزر اليونانية. وهو ما يؤثر على مصداقيتنا لدى خفر السواحل. كذلك قد يؤخر إنقاذ قارب آخر يحتاج فعلاً إلى مساعدة".

إقرأ أيضاً: المهرّب المجري الذي أعاد المال للمهاجرين