الأتراك يحذَرون زرع الأعضاء

الأتراك يحذَرون زرع الأعضاء

01 ديسمبر 2015
أمل بالنجاة والعيش (Getty)
+ الخط -

ما زال موضوع زرع الأعضاء في تركيا، على الرغم من التطوّر الملحوظ سواء في عدد العمليات أو أساليب النقل أو الدعم الذي تقدمه الحكومة، يعاني لجهة تقبّله اجتماعياً. الأتراك ما زالوا حذرين إزاء فكرة التبرّع بالأعضاء، لا سيّما بأعضاء المرضى المصنّفين في عداد الموتى سريريّاً. وكان عدد المراكز المتخصصة في عمليات زرع الأعضاء قد ارتفع من 44 مركزاً في عام 2002 إلى 123 مركزاً في عام 2014، في وقت لا تقلّ نسبة نجاح عمليات زرع الأعضاء في تركيا عن تلك التي تُجرى في الدول الأوروبية، وتراوح ما بين 85 و96%.

بحسب أرقام وزارة الصحة التركية، وعلى الرغم من أن عمليات نقل الأعضاء من حالات الموت السريري، قد شهدت تقدماً كبيراً، إلا أنها ما زالت كبقيّة أنحاء العالم دون المستوى المطلوب. في عام 2001، سجّلت 307 حالات تبرّع بالأعضاء من حالات موت سريري في البلاد، ليرتفع الرقم في عام 2014 إلى 1073 حالة. أما على صعيد المتبرّعين الأصحّاء، فارتفعت حالات التبرّع من 438 حالة في عام 2002 إلى 3190 حالة في عام 2014. وقد ارتفعت جميع حالات النقل سواء من الأصحاء أو من المتوفين سريرياً، من 745 حالة إلى 4263 حالة العام الماضي.

توضح المحامية دويغو جوخدار، لـ"العربي الجديد"، أن "القانون التركي صارم جداً في ما يخصّ التبرع بالأعضاء، ويمنع منعا باتاً تلقي المتبرع أي بدل مادي لقاء العضو الذي يتبرّع به. ويفرض على من يشارك في عمليات الاتجار بالأعضاء، سواء بالتبرع أو بالوساطة أو بالشراء، أحكاماً جزائية كبيرة تقضي بالسجن من عامين إلى أربعة أعوام، وبغرامات مالية تراوح ما بين 50 ألفاً و100 ألف ليرة تركية (17 ألفاً و100 دولار - 34 ألفاً و200 دولار أميركي). كذلك، يتشدد القانون في شروط عمليات الزرع. بداية، يمنع التبرع من الأصحاء ممّن هم دون الثامنة عشرة، وأيضاً الذين لا يملكون أي صفة مميّزة بالنسبة إلى المتبرع، كرابطة الدم أو الزواج وغيرهما. ويمنع القانون الإعلان عن الحاجة إلى عضو أو عن الرغبة في التبرع، إلا أنه يسمح، بخلاف أكثر الدول الإسلامية، بالتبرع بالأعضاء من المرضى الذين هم في عداد المتوفين سريرياً. ويُفترض أن تقرّر حالة الموت السريري بالإجماع، لجنة مؤلفة من اختصاصيين في القلب والأمراض الداخلية والعصبية وجراحة الأعصاب والإنعاش والتخدير.

اقرأ أيضاً: هذا واقع الإجهاض في تركيا

وفي حين لا يمكن أخذ إلا بعض الأعضاء من المتوفين سريرياً، من قبيل قرنيات العين والقلب والرئتين والوجه، تبقى أعضاء كثيرة في جسم الإنسان قابلة للتبرّع، مثل الكلى ونقي العظم وأجزاء من الكبد، من دون أن يؤثر ذلك على حياة المتبرع. إلى ذلك، تشير الأرقام إلى أن أكثر من ألفَي مريض يفقدون حياتهم سنوياً في تركيا بسبب تأخر حصولهم على العضو المطلوب، بينما تُضاف أسماء نحو أربعة آلاف مريض إلى قائمة منتظري نقل الأعضاء سنوياً أيضاً. ويندرج على القائمة، اليوم، أكثر من 25 ألف مريض بحاجة إلى زرع أعضاء.

وتبيّن الأرقام الرسمية، أيضاً، أن نسبة الذين يوافقون على التبرع بأعضاء أقاربهم المتوفين سريرياً، لم تتجاوز 22% في عام 2013. وللتشجيع على التبرّع بالأعضاء في حالة الوفاة السريرية، أطلقت وزارة الصحة التركية في عام 2013 "نظام معلومات المتبرعين بالأعضاء والأنسجة"، ليتمكّن الراغب في التبرع بأعضائه في حالة الوفاة من تسجيل نفسه فيه. وذلك على شكل وصية قانونية يشهد عليها شخصان. وقد وصل عدد المسجلين في هذا النظام إلى 119 ألف متبرّع حتى اليوم.

وتعمل وزارة الصحة على برامج للتوعية من خلال مديريات الصحة بالتعاون مع دور الفتوى ومنظمات المجتمع المدني في الولايات التركية. ويُصار إلى توعية المواطنين في المساجد من خلال ندوات تحثّ أئمّة المساجد على التشجيع على الأمر، أو أخرى تستهدف المواطنين مباشرة. وهي عادة ما تكون ندوات خاصة أو دورات تحفيظ القرآن، يجري فيها التركيز على أهمية التبرع وكسر الفكرة السائدة لدى كثيرين بأن ذلك محرّم شرعاً.

وفي السياق، تؤكد منسّقة نقل الأعضاء والأنسجة، سما يافوز إرتم، أنها واجهت أسئلة غريبة كثيرة خلال عملها في حملات التوعية، لكنها نجحت في إقناع عدد كبير من الناس بجدوى ذلك. وتخبر عن امرأة قالت لها، إن "أعضائي ستذهب إلى شخص آخر قد يأتي بأعمال مخالفة للشرع، مثلاً قد يرى بقرنيتي أمراً حراماً أو يشعر بقلبي بأحاسيس محرمة. بالتالي أنا من سيتحمل خطاياه، لأن القرنية والقلب لي وليسا له". تتابع يافوز إرتم، إنه "أمام سؤال كهذا، وقفت حائرة لثوانٍ قبل أن أجيب: ما يبقى من الإنسان بعد وفاته هو الروح، أما الجسد فهو فانٍ في القبر بكل الأحوال. ويوم الحشر، تُعاد هذه الأعضاء إلى صاحبها، وأنت لا تتحملين مسؤولة الخطايا التي ارتكبها من سبق وحصل عليها. كل واحد مسؤول عن أعماله". وتشير إلى أنه "بهذه الطريقة، نعمل شيئاً فشيئاً على كسر المفاهيم الخاطئة، بما يتناسب مع مستوى وعي كل مواطن".

اقرأ أيضاً: اندماج السوريّين.. تركيا لم ترسم سياسات واضحة بعد 

دلالات