أزمة سكن أم أمانة في السعودية؟

أزمة سكن أم أمانة في السعودية؟

28 أكتوبر 2015
خلال إحدى الجلسات (محمد البحيثي/فرانس برس)
+ الخط -

تحوّل الحديث عن مشكلة السكن في السعودية إلى خبز يومي لدى المواطنين، ليطغى على مشاكل أخرى كالبطالة أو قضايا الإرهاب أو الحرب في اليمن. وتتشابك الملفات لدى الحديث عن موضوع السكن، وأهمها في الوقت الحالي فرض رسوم على الأراضي البيضاء (أراض خالية في وسط المدينة) داخل النطاق العمراني، ومتابعة خطط وزارة الإسكان ووزيرها الجديد ماجد الحقيل لحلّ الأزمة. وكانت تصريحاته قبل أيام، حول دور ثقافة المجتمع في تعقيد أزمة السكن في المملكة، قد أثارت نقاشاً وسخطاً بين السعوديين، وخصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وقال الحقيل إن "عدد أفراد الأسرة كان كبيراً في ما مضى، لذلك كانت تفضل السكن في مساحات واسعة. أما اليوم، وقد أصبحت أصغر، فيمكنها الاكتفاء بمسكن أصغر تكون كلفته أقل". وأضاف أن "الوزارة ستعمل على تغيير الثقافة الاجتماعية التي تفضل السكن في مساحات كبيرة".
ورأى البعض في هذه التصريحات محاولة للتهرب من المسؤولية لحل الأزمة، وإلقائها على المجتمع. فيما دافع آخرون عن الوزارة، علماً أن الوزير تحدث عن هذا الأمر في سياق مشاكل وتعقيدات أخرى. وتأتي هذه التصريحات بالتزامن مع إحالة مجلس الوزراء قانون الرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني إلى مجلس الشورى لتداوله خلال شهر، تمهيداً لإقراره.

ولمعرفة مدى تعقيد أزمة السكن، يمكن المقارنة بين نسبة امتلاك السعوديين لبيوت خلال ثمانينيات القرن الماضي واليوم، علماً أنها كانت تفوق الـ 70 في المائة في ذلك الوقت، فيما تشير إحصائيات إلى أن نحو 60 في المائة من السعوديين لا يملكون منزلاً خاصاً بهم اليوم.
من جهةٍ أخرى، لوحظ شراء السعوديين شققا خلال العقد الماضي، في ظاهرة لم تكن رائجة من قبل، إذ لطالما حرص المواطنون على شراء أرض وبناء منزل أحلامهم. وعلى الرغم من أن هذه المشكلة مطروحة منذ سنوات، إلا أنها تتفاقم في ظل وجود تشريعات تسمح باحتكار الأراضي. في هذا الإطار، ينظر بتفاؤل إلى قانون إقرار رسوم الأراضي اليوم.

في السياق، يؤكّد الكاتب عصام الزامل لـ "العربي الجديد" أنه من دون فرض رسوم على الأراضي، لا يمكن لأي حل إنهاء أزمة السكن، مضيفاً أن القانون بات أقرب للإقرار من أي وقت مضى. وفي ما يتعلق بانعكاس الأزمة على المواطنين من الناحية المادية والاجتماعية، يقول محمد العتيبي وهو متزوج ولديه ثلاثة أطفال، إن بدل الإيجار، بالإضافة إلى الأقساط الشهرية الأخرى، تثقل كاهله. يضيف أنه حاول ضبط مصاريفه من أجل سداد الإيجار حتى لا يطرد، علماً أن صاحب البيت كان قد هدده بالطرد في إحدى المرات.

ويؤكد العتيبي أن امتلاك منزل يمنح الساكن شعوراً بالراحة والاستقرار. أما صالح الحربي، الذي تزوج حديثاً واضطر إلى استئجار منزل، فيوضح أيضاً أنه يدفع جزءاً كبيراً من راتبه لسداد بدل الإيجار، بالإضافة إلى القروض الأخرى. يضيف أنه في حال لم يكن حكيماً في إدارة المصروف، سيجد نفسه مضطراً إلى الاستدانة إذا ما حان موعد دفع بدل إيجار بيته.
وبحسب إحصائيات وزارة العمل السعودية، فإن متوسط رواتب السعوديين في القطاع الخاص لا يتجاوز الـ 4748 ريالا شهرياً (أي 1266 دولارا)، ما يعني أن متوسط الدخل السنوي لا يتجاوز 57 ألف ريال سعودي (نحو 15 ألف دولار). في المقابل، تتراوح بدلات إيجار الشقق سنوياً، في العاصمة الرياض على سبيل المثال، ما بين 25 إلى 35 ألف ريال سنوياً، أي نحو نصف الراتب، علماً أنه يجب ألا يتجاوز الثلث.
من جهته، يقول الكاتب عسكر سلطان الميموني إن هناك تواطؤاً لصالح المستثمرين في العقارات. ويوضح لـ "العربي الجديد" أن "أزمة السكن مفتعلة بهدف رهن راتب المواطن للمصارف وشركات التمويل لتصريف بضاعتهم الرديئة". يضيف أن وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقاري يضعان آليات تصب في صالح المستثمرين، لافتاً إلى أننا "سنجني عواقب ذلك مستقبلاً إن لم نتدارك خطورة هذه الآلية على الأسرة ككل".

وفي ما يتعلق بالمطوّر العقاري (شخص أو مؤسسة تمتلك أرضا خاما تؤمن لها البنية التحتية من أجل استثمارها) يتساءل الميموني: "لماذا يُجبر المواطن على اللجوء إلى المطورّ العقاري؟ يجب وضع خيارات عدة أمام المواطن، ليأتي بعدها دور المطوّر العقاري، على أن يكون للمواطن حرية الاختيار".
وإلى تأخير تطبيق الرسوم البيضاء، يقول: "لدينا فائض في الوحدات السكنية، وهذا معلن من خلال جهات حكومية. للأسف، هناك تجاهل للأمر". ويرى أن حل مشكلة السكن يكون من خلال تخفيض بدلات الإيجار. ويختم حديثه قائلاً: "لا يوجد أزمة سكن بل أزمة أمانة".

اقرأ أيضاً: أزمة السكن بالسعودية تعرقل قطار الزواج

دلالات