ياسين القباب: المونديال موعد عاطفي بامتياز للمغاربة

ياسين القباب: المونديال موعد عاطفي بامتياز للمغاربة

09 ديسمبر 2022
مونديال قطر موعد رشيد قباب الجديد مع الحلم المغربي (العربي الجديد)
+ الخط -

في حي النهضة الشعبي بالعاصمة المغربية الرباط يقضي المشجع ياسين القباب (48 عاماً) نهاره في مطاردة أخبار مونديال قطر 2022، ومتابعة التحليلات، ومشاهدة المباريات، ومناقشة نتائجها مع أصدقائه الذي يستعيد معهم ذكريات البطولات السابقة، ويكتشفون أجواء نسخة حالية استثنائية بكلّ المعايير، خصوصاً أنها تقام للمرة الأولى في بلد عربي، وشهدت تأهل منتخب "أسود الأطلس" إلى الدور ربع النهائي، في إنجاز تاريخي.
يقول لـ"العربي الجديد": "المونديال بالنسبة إلى مختلف فئات الشعب المغربي موعد عاطفي بامتياز تعززه مشاركة منتخبنا الوطني في المنافسات وبلوغه الدور الثاني بعدما تصدر مجموعته بجدارة ثم الدور ربع النهائي بتغلبه على المنتخب الإسباني بركلات الترجيح. والمغاربة يتأثرون بشكل كبير بنتائج كرة القدم التي تطغى على انشغالاتهم، خصوصاً في كأس العالم. هم يعشقون كرة القدم بجنون، لذا يحرصون على عيش أجواء الحماسة الكاملة التي لا مثيل لها خلال المونديال، والتمتع بالتجمعات العائلية وتلك مع الأصدقاء".
يضيف: "مباريات كأس العالم ذات طقوس خاصة في استعدادات وتجهيزات المشجعين، تبدأ بترك كل الانشغالات الخاصة الأخرى، وخلق أجواء من الحماس والأهازيج خلال مشاهدة المباريات، والإقبال الكثيف على المقاهي، وارتداء قمصان المنتخب الوطني وحمل أعلام بلدنا، وترديد الدعوات وعبارات التشجيع حتى اللحظات الأخيرة للمباريات".
ويؤكد أنّ "كرة القدم تتمتع بشعبية جارفة في المغرب، لا تضاهيها فيها لعبة أخرى، ومشاركة أسود الأطلس للمرة الثانية على التوالي في مونديال قطر الحالي، وللمرة السادسة في تاريخه، تكسب اللعبة اهتماماً لا نظير له باعتبارها الشغف الأول للمشجعين. من هنا ليست الساحرة المستديرة مجرد لعبة أو رياضة جميلة، بل كل شيء في حياتهم. وبالنسبة لي تحديداً كرة القدم هي شغفي الأول. وقد تعرّفت إلى كأس العالم، وعشت أجواء منافساتها للمرة الأولى في المكسيك عام 1986، ثم تحوّل عشق الكرة مع مرور السنوات إلى جزء يمنحني المتعة والسعادة في حياتي اليومية".
ويكشف أنه "في مونديال 1986 لم تكن الإمكانات تسمح بمتابعة الجميع المباريات، في ظل عدم توفر أجهزة تلفزيون في كل البيوت. أتذكر كيف كان الناس لا يستطيعون إيجاد أماكن في المقاهي جراء الإقبال منقطع النظير، وكيف كان بعضهم يستعين بالراديو لعدم تفويت مباريات المنتخب المغربي. أما اليوم فتطورت الأمور، وباتت متابعة البطولة متاحة للجميع من خلال الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون، كما أصبح حضور المونديال ممكناً من خلال عروض مغرية تقدمها شركات السياحة والطيران".

ويصف القباب ذكريات مونديال المكسيك بأنها "سحرية تضمنت لحظات فارقة ترسخت في ذاكرتي. حينها رسم أسود الأطلس فرحة عارمة على وجوه الجماهير المغربية، حين نجحوا في كتابة التاريخ كأول منتخب عربي وأفريقي يتأهل للدور الثاني، في أغلى بطولة في العالم، وعاش بلدنا حينها أعراساً في كل مباراة".
ولا ينسى القباب حتى اليوم صوت المعلق الرياضي سعيد زودوق في مونديال المكسيك حين صرخ بفرح "هدف... هدف جميل"، مع توالي أهداف المهاجمين خير الدين خيري وميري كريمو في مرمى البرتغال، ولا مشهد إغماء عدد من رواد المقهى التي تابع فيها المباراة، ولا الأفراح العارمة التي عمت الوطن بعد بلوغ الدور الثاني، وخروج المغاربة ليلاً للاحتفال مرددين "فاريا (المدرب المهدي فاريا) ووليداتو حتى فرقة ما غلباتهم" (فاريا وأبناؤه لا فرقة هزمتهم).

الصورة
يتأثر المغاربة كثيراً بنتائج كرة القدم (العربي الجديد)
يتأثر المغاربة كثيراً بنتائج كرة القدم (العربي الجديد)

وإذا كان التأهل للدور الثاني في مونديال 1986 اللحظة الأكثر أهمية في تاريخ كرة القدم المغربية، فقد تلته أيضاً ذكرى محزنة ومؤلمة، إثر إقصاء المنتخب المغربي على يد نظيره الألماني بركلة حرة سددها لوثر ماتيوس قبل دقيقتين من نهاية المباراة. ويقول القباب: "كانت لحظة مخيبة للآمال أصابت المغاربة بالحسرة والألم، إلا أنها تحولت بعد عودة المنتخب إلى أرض الوطن إلى لحظة فخر وتكريم رسمي وشعبي لصانعي ذلك المجد الكروي".
وتبقى أكثر اللحظات مرارة وأشدها على قلوب المغاربة، بحسب القباب، ما عاشته الجماهير المغربية في مونديال فرنسا عام 1998، حين أطاحت "مؤامرة" بين البرازيل والنرويج في الجولة الثالثة والأخيرة من الدور الأول حلم تكرار التأهل للدور الثاني. ويقول: "أتذكر هذه المباراة جيداً. كانت خيبة أمل الجماهير كبيرة، وشعرت شخصياً كأنني خسرت فرداً عزيزاً. حينها قدمنا عروضاً مبهرة، وكنا قاب قوسين أو أدنى من التأهل بعدما هزمنا المنتخب الاسكتلندي بثلاثة أهداف نظيفة، لكن الدقائق العشر الأخيرة من مباراة البرازيل والنرويج عرفت أموراً مثيرة، فبعدما كان منتخب السامبا متقدماً فتح دفاعاته في شكل غريب، ونجحت النرويج في تسجيل هدفين ضمنا تأهلها في أغرب المؤامرات في تاريخ كأس العالم، وبشهادة وسائل الإعلام الدولية".

اليوم، وبعد مرور سنوات على تلك الخيبة الكروية، تمني الجماهير المغربية النفس بتكرار إنجاز مونديال 1986، وكتابة التاريخ من جديد، "ما دام المنتخب المغربي لا ينقصه شيء، ويملك لاعبين عالميين متألقين في أفضل الدوريات الأوروبية"، كما يذكر القباب، مضيفاً: "المشاركة في مونديال قطر أمر مميز بالنسبة إلى الشعب المغربي. كان من المهم أن نشارك في هذه النسخة لأنها تقام في بلد عربي، ولأنها تشكل فرصة لتعريف العالم على العرب والمسلمين، وتبديد التصورات الخاطئة عنهم".
وبينما يشهد الحدث العالمي الحالي حضوراً قياسياً للجماهير المغربية، سواء تلك القادمة من المملكة أو من المغتربين المقيمين في دولة قطر وفي باقي دول العالم، والتي تعتبر من جماهير المنتخبات المشاركة العشرة الأولى في مستوى اقتناء تذاكر مباريات كأس العالم، يقول القباب إنّ "المغاربة الذين لم تتح لهم فرصة متابعة المنافسات في ملاعب قطر سيعوضون عن ذلك بالحج إلى المقاهي ليعيشوا على الحماسة الجماهيرية وعلى أمل استعادة أمجاد الماضي، وخلق ذكريات جديدة ستبقى خالدة في ذاكرة كلّ مشجع مغربي".

المساهمون