هجرة داخلية في إيران بسبب الجفاف... وأفغانستان

هجرة داخلية في إيران بسبب الجفاف... وأفغانستان

07 يوليو 2023
البقاء مستحيل في مناطق معدومة المياه في إيران (فاطمة بهرامي/ الأناضول)
+ الخط -

اضطر المواطن الإيراني الخمسيني علي إسماعيلي، قبل خمس سنوات، إلى ترك أراضيه الزراعية في منطقته بست بمحافظة سيستان وبلوشستان، بسبب الجفاف المستمر منذ سنوات بتأثير فقدان الكميات المناسبة من المياه، وقد هاجر مع أسرته التي تضم 5 أشخاص إلى ميناء غنبد كاووس الذي يقع في محافظة غلستان، ويطل على بحر قزوين شمال شرقي إيران.
يقول إسماعيلي بحسرة لـ"العربي الجديد": "كان البقاء مستحيلاً في منطقتنا بسبب عدم توفر مياه الشرب والزراعة، وهدد الفقر كل الناس بعدما فقدوا مصادر رزقهم".
وعانت عائلة إسماعيلي كثيراً خلال السنوات الخمس للهجرة من أجل إيجاد فرص عمل، والتأقلم مع ثقافات سكان المنطقة الجديدة التي قصدوها، ثم نجحوا في بناء حياة جديدة متواضعة بعدما قدموا تضحيات كثيرة، بينها اضطرار الأبناء، وهما ولدان وبنت، إلى ترك الدراسة.

وليست قصة إسماعيلي حالة معزولة، إذ اضطرت مئات من الأسر إلى الهجرة من منطقة سيستان بمحافظة سيستان وبلوشستان، وانتقلت إلى غنبد كاووس ومدن أخرى للهرب من الوضع المأساوي التي عاشته بسبب الجفاف الذي وصفه إسماعيلي بأنه "لم يعد يُطاق خلال العقد الأخير، بعدما منعت أفغانستان تدفق مياه نهر هلمند إلى سيستان".
ويقول رئيس نادي "نشطاء جهاد البناء" في محافظة سيستان وبلوشستان، المهندس عباس نورزائي، لـ"العربي الجديد"، إن "الظروف البيئية الصعبة، وحرمان إيران طوال سنوات من حصتها من مياه نهر هلمند الذي ينبع من أفغانستان دفعت سكان منطقة سيستان إلى الهجرة إلى مناطق أخرى داخل إيران وبلدان أخرى".
يضيف: "كانت الهجرة بطيئة في البداية، ثم وصلت خلال السنوات الثلاث الأخيرة إلى حال انفجار، إذ بقي 400 ألف من أصل 5 ملايين في سيستان، وهاجر الباقون". 
ويوضح أيضاً أن معدل هطول الأمطار في إيران يصل إلى 260 ملليمتراً، ويبلغ 105 ملليمترات في محافظة سيستان وبلوشستان، و90 ملليمتراً في منطقة سيستان الصحراوية شمالي المحافظة التي تستخرج سنوياً 1500 مليون متر مكعب من كميات مياهها الجوفية، لكن مخازن سهولها تواجه عجزاً بنحو 200 مليون متر مكعب. ويعاني 11 من أصل 42 سهلاً بمحافظة سيستان وبلوشستان من أزمات".
وتؤكد السلطات الإيرانية أن الجفاف في محافظة سيستان وبلوشستان نتج من تأثيرات التغيّرات المناخية، إضافة إلى منع السلطات الأفغانية تدفق المياه من نهر هلمند إلى داخل إيران، ما وتر العلاقات بين البلدين في ظل تكرار طهران مطالبتها بحصتها من مياه نهر هلمند، وهو ما رفضته حكومة حركة "طالبان" بحجة أن مياه هذا النهر باتت لا تكفي لتلبية الاحتياجات المائية لأفغانستان.

الصورة
أحد الأنهر الجافة في إيران (عطا كينيري/ فرانس برس)
أحد الأنهر الجافة في إيران (عطا كينيري/ فرانس برس)

ومع تصاعد التوتر، طالب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في إبريل/نيسان الماضي السلطات الأفغانية بضرورة احترام حصة بلاده من مياه هلمند بموجب اتفاق وقّعه البلدان عام 1972. وردت حكومة "طالبان" بانتقاد تصريحات رئيسي، مؤكدة أنها تحترم الاتفاق بين البلدين، لكن قالت إن "كميات مياه نهر هلمند باتت لا تكفي لدخول أراض إيرانية ومحافظة سيستان وبلوشستان" المهددة بالجفاف.
وأعقب ذلك نشر السلطات الإيرانية صوراً جوية أظهرت امتلاء السدود داخل الأراضي الأفغانية من نهر هلمند. وطالبت بأن تسمح لها كابول بإرسال فريق فني إلى أفغانستان للتحقق من مزاعم عدم وجود مياه كافية في نهر هلمند. وأعلنت السفارة الإيرانية في كابول أخيراً أن السلطات الأفغانية وافقت على الطلب.
وحول أهمية نهر هلمند الذي يقطع مسافة 1100 كيلومتر للوصول إلى منطقة سيستان الإيرانية، يوضح نورزائي أن مياهه كانت تغذي 140 ألف هكتار من الأراضي الزراعية في سيستان، وبلغت كمياتها المتدفقة إلى داخل إيران خلال السنوات الماطرة 7 مليارات متر مكعب، لكنها تراجعت منذ عام 1997، ثم أدى بناء سد كمال خان على طريق النهر داخل أفغانستان عام 2020 إلى جفاف النهر داخل إيران.
ويشير إلى أن السلطات الأفغانية تمنع تدفق مياه النهر إلى داخل الأراضي الإيرانية من خلال توجيهها إلى حفرة كبيرة وأراض مالحة.

ويشرح نورزائي أن "نهر هلمند يغذي ثلاث بحيرات بمساحة 480 ألف هكتار في منطقة سيستان الإيرانية، أهمها بحيرة هامون. ويشرح أن هذه المساحة كانت مغطاة بمراعٍ وغابات واسعة ساهمت في تلطيف مناخ المنطقة الحار، ومنع العواصف الرملية، وتوفير كميات من المنتجات الزراعية. لكن جفاف بحيرة هامون منذ بناء سد كمال خان شرّد 25 ألف شخص يسكنون في 200 قرية على ضفاف البحيرة ويرتزقون منها عبر ممارسة الصيد وتربية المواشي. كما اختفت عشرات الآلاف الطيور التي كانت تهاجر إلى البحيرة لقضاء الشتاء فيها.
ويشير أيضاً إلى أن منع تدفق المياه إلى داخل إيران جفف أيضاً 140 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، ما حرم 46 ألف أسرة من مصدر رزقها. والوضع البيئي المتفاقم في منطقة سيستان بالمحافظة تسبّب في موجة هجرة إلى مناطق أخرى بالمحافظة ثم محافظات مجاورة في غلستان ومازندران وخراسان الرضوية ومحافظات أخرى، كما اختار أصحاب شهادات جامعية الهجرة إلى خارج إيران.