منظمات أممية تصف "الكابوس" في غزة: وضع كارثي بعواقب بعيدة المدى

منظمات أممية تصف "الكابوس" في غزة: وضع كارثي وغير مسبوق بعواقب بعيدة المدى

17 نوفمبر 2023
أقارب فلسطينيين فقدوا حياتهم في الهجمات الإسرائيلية بجباليا (أحمد العريني/الأناضول)
+ الخط -

قال المفوض السامي لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فولكر تورك، إنّ القرن الحالي نادراً ما شهد قصفاً مكثفاً بمستوى ذلك الذي تشنه القوات الإسرائيلية على غزة جنباً إلى جنب مع حرب الشوارع المستمرة.

ولفت الانتباه إلى قتل أو جرح شخص من بين 57 واحداً يعيشون في غزة، خلال الأسابيع الخمسة الماضية لوحدها. وأضاف "يصعب تخيّل مستوى الكارثة. الوضع كابوس".

جاءت تصريحات المسؤول الأممي خلال اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم الجمعة، للاستماع لإحاطات من المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة حول الوضع الإنساني في غزة. ودعت له كل من المجموعتين العربية والإسلامية.

وشدّد تورك على ضرورة ألا يتحول استهداف المدنيين "إلى قتل أو أضرار جانبية (للحرب) مقبولة. أو يصبح سلاحاً متعمداً، سواء كان في مخيم، أو مستشفى، أو أي مكان".

وتوقف عند الأرقام الأولية لحجم الدمار. وقال "قُتل أكثر من 11,100 شخص، أكثر من 4,600 منهم من الأطفال، وأصيب أكثر من 26 ألف شخص، كثيرون منهم في حالة خطيرة. ويُفترض أن ما لا يقل عن 2000 شخص آخرين تحت الأنقاض، حيث لا توجد قدرة على الوصول إليهم أو إنقاذهم." وتحدث عن "تعرض المستشفيات والمدارس والمنازل والأسواق والمخابز، التي تشكل شريان الحياة، للقصف الجوي الإسرائيلي. ويتعرض شعب بأكمله لصدمات نفسية عميقة، وسيكون لتأثير ذلك على الأطفال، على وجه الخصوص، عواقب بعيدة المدى".

كما أشار إلى عدد من الأمور التي يحظرها القانون الدولي بما فيها "الهجمات التي يكون فيها احتمال مقتل مدنيين، وإلحاق الضرر بالبنية المحمية، غير متناسب مع الفائدة العسكرية المحتملة - كما هو الحال دائمًا مع استخدام إسرائيل للأسلحة المتفجرة ذات التأثير واسع النطاق في المناطق المكتظة بالسكان". وأضاف "التهجير القسري محظور، ويحظر أخذ الرهائن واحتجازهم، وكذلك أي استخدام للمدنيين لحماية المواقع من العمليات العسكرية، إن العقاب الجماعي – كما هو الحال في الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة – محظور".

ناقوس خطر بشأن الضفة

وعبّر تورك عن قلقه العميق "إزاء تصاعد العنف والتمييز الشديد ضد الفلسطينيين. ويشعرني بالقلق تزايد عمليات قتل الفلسطينيين على أيدي قوات الأمن الإسرائيلية والمستوطنين؛ وتهجير المجتمعات الفلسطينية بسبب عنف المستوطنين؛ والزيادة الحادة في عمليات الاعتقال والاحتجاز التي تبدو تعسفية؛ وإساءة معاملة الفلسطينيين المحتجزين. وتفاقم الوضع الذي قد يكون متفجراً والذي يتجاوز بكثير مستوى الإنذار المبكر. إنني أدق أعلى ناقوس إنذار ممكن بشأن الضفة الغربية".

الوضع الصحي: "رعب لا يوصف"

وفي إحاطته، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، إنه لا توجد كلمات يمكن أن تصف الرعب الذي تشهده غزة.

وحول وضع المستشفيات، أوضح أنّ "هناك 10 مستشفيات فقط من أصل 36 في غزة ما زالت تقدم خدمات وفيها 1,400 سرير فقط".

وأشار إلى نزوح العديد من العاملين في مجال الصحة وإجبارهم على الفرار مع أسرهم. وتحدث عن وفاة المزيد من الأطفال وتعرض المصابين بأمراض مختلفة للخطر بسبب توقف حصولهم على العلاج "بمن فيهم 2000 مريض سرطان وألف مصاب بأمراض الكلى، وخمسون ألف مصاب بأمراض القلب والأوعية الدموية، وستون ألف مريض بالسكري. كما أن هناك حوالي 200 امرأة تلد كل يوم في أسوأ الظروف التي يمكن تصورها؛ ما يقدر بنحو 20 ألف شخص بحاجة إلى خدمات الصحة النفسية المتخصصة".

وأشار إلى اكتظاظ الملاجئ التي تشهد أعداداً متزايدة من انتشار الأمراض بما فيها التهابات الجهاز التنفسي والجلد؛ وحالات الإسهال المائي الحاد نتيجة انهيار نظام الصرف الصحي واضطرار الناس إلى التبرز في العراء؛ ناهيك عن تزايد سوء التغذية".

وشدّد على ضرورة إدخال المساعدات الطبية إلى غزة بشكل فوري وإعادة إمداد المستشفيات وتشكيل القوى العاملة الصحية وضمان حماية الخدمات الصحية. ووصف حجم المساعدات التي سمح بدخولها بأنه "مثير للشفقة".

لا وقود.. لا مساعدات

وحول المستشفيات الميدانية وفرق الطوارئ الطبية، قال إنه يمكنها "أن تكمل وتدعم المستشفيات والعاملين الصحيين الموجودين في غزة، لكنها لا تستطيع أن تحل محلها".

وأكد أنّ "المساعدات القليلة التي يمكننا إدخالها إلى غزة لا يمكن توزيعها بدون وقود. الأمر بهذه البساطة: لا وقود يعني لا مساعدات".

وأضاف "تشير تقديراتنا إلى أن هناك حاجة إلى ما لا يقل عن 120 ألف لتر من الوقود يوميًا لتشغيل مولدات المستشفيات وسيارات الإسعاف ومحطات تحلية المياه ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي والاتصالات السلكية واللاسلكية".

وطالب غيبريسوس بوقف الهجمات على مرافق الرعاية الصحية مذكّراً باتفاقية جنيف وقال "إن انتهاك حيادية الرعاية الصحية أمر غير مقبول، ويجب أن تتوقف الهجمات على مرافق الرعاية الصحية".

وأكد أن "منظمة الصحة العالمية تمكنت حتى الآن، من التحقق من وقوع 152 هجومًا على مرافق الرعاية الصحية في غزة، و170 هجومًا في الضفة الغربية، و33 هجومًا في إسرائيل، من هجمات على المستشفيات والعيادات، وسيارات الإسعاف والعاملين الصحيين والمرضى".

وشدد على ضرورة السماح وتمكين مستشفى الشفاء في غزة من العمل كمستشفى. ولفت الانتباه إلى "وجود 300 عامل صحي و650 مريضاً داخل المستشفى".

وحول الادعاءات الإسرائيلية بأن حماس تستخدم المستشفى لأغراض عسكرية، وهو ما لم يتم إثباته، أفاد "حتى لو استخدمت حماس المستشفى لأغراض عسكرية، فإن المستشفى، وجميع مرافق الرعاية الصحية، لا تنتفي حاجتها إلى الحماية بموجب القانون الإنساني".

"ما الغرض من الأمم المتحدة؟"

وحول ما تسمى بـ"مناطق آمنة"، قال "إن اقتراح إنشاء ما تسمى بـالمنطقة الآمنة في المواصي (جنوب غزة) هو وصفة لكارثة". وشرح أنّ "محاولة حشر هذا العدد الكبير من الناس في منطقة صغيرة كهذه مع القليل من البنية التحتية أو الخدمات ستؤدي إلى زيادة المخاطر الصحية بشكل كبير بالنسبة للأشخاص الذين هم بالفعل على حافة الهاوية".

وأكد أن منظمة الصحة العالمية لن تشارك في إنشاء ما تسمى بـ"المنطقة الآمنة" في غزة دون اتفاق واسع النطاق، وما لم يتم توفير الظروف الأساسية لضمان تلبية السلامة والاحتياجات الأساسية الأخرى، وما لم يتم وضع آلية للإشراف على تنفيذها".

وختم إحاطته بالتوجه إلى الدول الأعضاء بالقول "لقد أنشئت هذه المنظمة لتعزيز السلام في عالمنا. إذا كنتم، كدول أعضاء في الأمم المتحدة، لا تريدون أو لا تستطيعون وقف إراقة الدماء هذه، فيجب علينا أن نسأل: ما هو الغرض من الأمم المتحدة؟ إن الأزمة في غزة هي أزمة للأمم المتحدة، وأزمة للإنسانية. مجرد الحديث عنها لا يكفي. القرارات ليست كافية. التصريحات ليست كافية. عليكم أن تتحركوا الآن".

الوضع الإنساني

إلى ذلك تحدث مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، عن استمرار الأعمال العدائية العنيفة في جميع أنحاء غزة، من الجو والبحر، والآن على الأرض.

وأشار إلى تدمير أكثر من 41 ألف وحدة سكنية بشكل كامل أو جزئي وهو ما يعادل حوالي 45% من إجمالي المساكن في غزة.

ولفت الانتباه إلى أن التدمير الكبير يعود إلى "استخدام الأسلحة المتفجرة ذات الآثار واسعة النطاق في مثل هذه المنطقة المكتظة بالسكان".

وتحدث عن نزوح أكثر من 1.5 مليون فلسطيني داخل قطاع غزة. ولفت إلى أنّ "العديد منهم فروا جنوباً بحثاً عن الأمان النسبي، ثم طُلب منهم (من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي) الانتقال إلى مكان آخر". وأكد وجود مئات الآلاف من الغزيين الذين ما زالوا في شمال غزة حيث تدور معارك عنيفة وقصف.

ولفت غريفيث إلى 10 نقاط من الضروري الالتزام بها كي تتمكن الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية من تقديم خدماتها بما فيها المساعدات الإنسانية. وفي هذا السياق شدد على ضرورة الانتقال من تقديم بعض المساعدات إلى تدفق مستمر لها، وزيادة نقاط العبور لتوصيل المساعدات والإمدادات التجارية بما فيها استخدام حاجز "كرم أبو سالم"، وإدخال الوقود.

وأشار إلى السماح لأول مرة قبل أيام لأونروا بالحصول على 24 ألف لتر من الوقود لمدة يومين من توزيع المساعدات داخل غزة، مشدداً على أن ذلك لا يصل حتى إلى الحد الأدنى من كمية الوقود التي تحتاجها أونروا لتسيير مساعدات والتي تصل إلى عشرة أضعاف ما تم السماح به ليومين وهو 200 ألف لتر يوميًا.

وشدد على ضرورة الحصول على ضمانات أمنية وتسهيلات لإنشاء مراكز توزيع الإغاثة، وخاصة في جنوب غزة، إلى جانب ضرورة ضمان أمن طواقم الإغاثة وتوسيع عدد الملاجئ للمدنيين النازحين في جميع أنحاء غزة.

وتحدث غريفيث عن نقص شديد في تمويل المساعدات الإنسانية لغزة حيث وصلت قيمة النداء الطارئ من أجل غزة 1.2 مليار دولار، وتم تمويلها حتى الآن بحوالي 132 مليون دولار فقط. وشدد على ضرورة وقف إطلاق نار إنساني للسماح للمدنيين بالتحرك بأمان.

المساهمون