شهدت محافظات عدة في مصر ارتفاعاً كبيراً في جرائم خطف الأطفال في الفترة الأخيرة، حتى وصلت الحالات إلى عشرين في شهر واحد فقط، بحسب الأرقام الرسمية التابعة لمراكز الشرطة. الدوافع متعددة، وطلب الفدية أبرزها
منذ الخامس من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حتى يوم أمس الأول، ارتفع عدد محاضر الشرطة المرتبطة بقضايا خطف أطفال في مصر، إلى نحو عشرين، فضلاً عن قضايا خطف أخرى لم تنظَّم لها محاضر، خوفاً على الضحية من تهديدات الخاطفين بقتله في حال إبلاغ الجهات الأمنية. وغالباً ما يطلب الخاطفون من أهل الطفل فدية مالية، وقد تكون هناك خلافات مالية تدفع إلى خطف طفل للابتزاز. وباتت تلك القضية تثير رعباً كبيراً بين العديد من الأسر المصرية، في محافظات عدة، خصوصاً الأثرياء الذين يخشون على أطفالهم من النزول إلى الشوارع، في ظلّ الأوضاع الاقتصادية المتردية، وزيادة الجرائم، والتخطيط لها من قبل الخاطفين الذين يحركهم الدافع المالي غالباً.
من جهتهم، يخشى أهالي محافظات صعيد مصر، من خطف أطفالهم، بهدف ذبحهم في الأماكن المعروفة بأنّها أثرية، إذ تشيع فكرة تقديم الطفل قرباناً لحارس المقبرة من الجنّ للوصول إلى الكنوز المرصودة، بإيحاء من أشخاص يمتهنون خداع الناس من طريق السحر والشعوذة، وما فيهما من دجل. وهكذا، يكون الخاطفون لهذا الغرض مستعدين لارتكاب أفظع الجرائم للوصول إلى غايتهم المفترضة.
ومن أمثلة الخطف الأخيرة، ما وقع في محافظة قنا، بصعيد مصر، إذ حُرِّر طفل عمره 6 سنوات، بعدما طالب الخاطفون بفدية تقدَّر بـ100 ألف دولار من أهله مقابل إطلاق سراحه، بعدما علم الخاطفون، وعددهم أربعة، ومن بينهم شخص على معرفة بالأسرة، بثراء والد الطفل المخطوف لعمله في الخارج، لكنّ القوى الأمنية تمكنت من إعادة الطفل إلى أهله سالماً. وفي المحافظة خُطف طفل عمره 6 سنوات على أيدي ملثمين، مقابل فدية مليون ونصف مليون جنيه (96 ألف دولار). وفي قنا أيضاً خطف مجهولان يستقلان "توك توك" طفلاً عمره 7 سنوات، ودفع والد الطفل مبلغاً مالياً وبعض الحلي الذهبية لهما، فأطلقا سراحه.
وفى سوهاج بصعيد مصر، خُطف طالب مراهق، وطُلب مقابل تحريره 500 ألف جنيه (32 ألف دولار)، وتبيّن أنّ وراء العملية خمسة أشخاص، من بينهم ثلاثة عمال، بالإضافة إلى عاطلين من العمل. وبالقبض عليهم، اعترف أحدهم بأنّه كان يعمل مع عمّ المجنيّ عليه، ويعرف بثرائه، فعقد العزم على خطف نجل شقيقه، ومساومته على فدية لإطلاق سراحه، واتفق مع بقية المتهمين الذين تربطهم علاقة صداقة على تنفيذ مخططه. وفى محافظة بني سويف الصعيدية أيضاً، خطف عامل طفلة واعتدى عليها جنسياً ثم خنقها وألقاها في مكان مهجور، وباستجواب المتهم أقرَّ بارتكابه الواقعة.
وفى العاصمة القاهرة، وتحديداً القاهرة الجديدة، أحد الأحياء الراقية، حاول سائق أجرة خطف فتاة لاغتصابها، بعدما ركبت معه، فهددها بسلاحه الأبيض، لكنّها استغاثت، ما أجبره على تركها. وفي محافظة القليوبية، القريبة من القاهرة، أقدم خمسة أشخاص، من بينهم امرأة، على خطف طفل يبلغ من العمر عامين ونصف عام، مقابل مليوني جنيه (128 ألف دولار).
وفى محافظات الوجه البحري، تحديداً الشرقية، خُطف طفل (8 سنوات) من قبل ملثمين تحت تهديد السلاح، وطالبوا بدفع فدية قيمتها مليون جنيه (64 ألف دولار). كذلك، خطف حداد وميكانيكي في المحافظة نفسها، طفلاً وطلبا من أسرته مليوني جنيه (128 ألف دولار) فدية لإطلاق سراحه. وفي محافظة البحيرة، أقدم أربعة أشخاص على خطف طفل (8 سنوات) باستخدام مسدس صوت، وأخذوه في عربة "توك توك"، وتبين من التحريات أنّ الجناة خطفوا الطفل انتقاماً من والده، لاحتياله عليهم والحصول منهم على مبالغ مالية لتوظيفها والامتناع عن إعادتها. كذلك، هناك قضايا عدة لخطف أطفال في محافظات الدقهلية والغربية وكفر الشيخ وبورسعيد والسويس.
من جهتهم، يعتبر عدد من الاختصاصيين أنّ خطف الأطفال في مصر موجود منذ سنوات عدة، والأرقام في تزايد. وهو ما يؤكده يسري عبد المحسن، أستاذ الطب النفسي في جامعة "القاهرة"، مشدداً على أنّ هناك بعض الحالات التي لم يُبلَّغ عنها خوفاً من قتل الطفل على يد العصابة. يوضح أنّ الظروف الاقتصادية السيئة، وما فيها من فقر وحاجة إلى المال، بالإضافة إلى الانتقام، كلّها أسباب تؤدي إلى الخطف، خصوصاً للأطفال. ويشير إلى أنّ العائلات ميسورة الحال أكثر عرضة لتلك الجريمة، لافتاً إلى أنّ هناك دوافع أخرى للخطف، كتشغيل الطفل في التسول، أو الاستفادة من أعضائه في تجارة الأعضاء. ويتابع أنّ استدراج الطفل لخطفه سهل، على العكس من الجرائم الأخرى كالقتل المباشر.
أما محمد عثمان، المحامي بالنقض، فيصف خطف الأطفال بأنّه "جريمة غير إنسانية" تفشت داخل المجتمع المصري لأسباب ودوافع مختلفة، مشيراً إلى أنّ عقوبة الخطف تصل إلى حدّ الإعدام شنقاً إذا سبّب الجاني إزهاق روح الطفل. ويتابع، قائلاً إنّ العبرة ليست في تغليظ العقوبة، لكن في تطبيقها على أرض الواقع، لافتاً إلى أنّ الأطفال الصغار، ما دون 8 سنوات، أكثر عرضة للخطف، لعدم إدراكهم التام بما يجري لحظة الجريمة.