- تأثرت الموصل بتناقص عدد المسيحيين منذ 2003 وتفاقم الوضع بدخول "داعش"، لكن هناك دعوات للعودة بعد تحسن الأمن والاقتصاد وأهمية إعادة النسيج المجتمعي.
- الدولة والمجتمع المحلي يدعمان عودة المسيحيين بتدابير تشمل تحسين الأمن، توفير فرص عمل، وإعادة إعمار البنى التحتية الدينية والثقافية لتشجيع العودة والتعايش.
أكّد مسؤول كنائس الموصل للسريان الكاثوليك الأب رائد عادل، أن عدد العائلات المسيحية التي عادت إلى الموصل حالياً لم يتجاوز 70 عائلة، مبيّناً أن آلاف المسيحيين يتوافدون إلى المدينة بشكل متواتر، إما للعمل، وإما للتسوق، وإما للدراسة، لكنهم يتخذون من مناطق في سهل نينوى أو إقليم كردستان مكاناً للسكن، لافتاً إلى أن عودة المهجرين تتطلّب إجراءات لتعزيز الاستقرار والأمن والاقتصاد والخدمات.
جاء ذلك ضمن حديث رائد عادل لـ"العربي الجديد"، موضحاً أن "عدد المسيحيين في العراق في تناقص منذ عام 2003، بسبب الانهيار الأمني وعمليات الاستهداف المتكررة التي طاولتهم إلى غاية عام 2014، وكان دخول تنظيم "داعش" القشّة التي كسرت ظهر البعير، وأجبرت مَن بقي منهم على الهجرة والنزوح الإجباري".
وأضاف: "الموصل أثبتت أنها مدينة التعايش السلمي، لكن عودة المهجرين تتطلب تعزيز الاستقرار الأمني ودعم فرص العمل والخدمات والحركة الاقتصادية، التي ستكون كفيلة بإعادة الكثير من النازحين إليها، مشيراً إلى أن الكثير من أبنائها من المسلمين لا يزالون في النزوح أيضاً بسبب الأسباب الخدمية والاقتصادية.
الموصل: دعوات لعودة المهجّرين
وتُطلق بين الحين والآخر دعوات إلى عودة المُهجّرين من مسيحيي الموصل بعد أن هجروها بشكل كامل بتهديد من "داعش"، خلال سيطرته على المدينة الواقعة شماليّ العراق بعد الـ10 من يونيو/ حزيران عام 2014.
آخر هذه الدعوات وجّهها الكاردينال لويس ساكو، وحثّ فيها المسيحيين المهجرين إلى مناطق إقليم كردستان وخارج العراق، على عودة حقيقية إلى الموصل بعد تحسُّن الأوضاع الأمنية والاقتصادية. وقال ساكو خلال افتتاح كنيسة أم المعونة والمدرسة التابعة لها بمنطقة الدواسة في مركز المدينة في 5 إبريل/ نيسان الجاري، إن "إعادة افتتاح الكنيسة والمدرسة التي يمتد تاريخها لعقود طويلة أمر يؤكد عودة النسيج المجتمعي إلى الموصل من جديد".
وأضاف ساكو أن "افتتاح الكنيسة والمدرسة مرة أخرى يعيد الأمل إلى الموصل والمسيحيين مرة أخرى، ولا سيما أنه قد يشجع على العودة مرة أخرى لها بعد نزوح استمر أكثر من 10 سنوات"، مبيناً أن المسلمين والمسيحيين عاشوا جنباً إلى جنب طوال القرون السابقة دون أي تمييز أو تفرقة، غير أن هذه التفرقة بدأت بالظهور خلال السنوات الأخيرة.
وتابع: إن "مدرسة أمّ المعونة كان يدرس فيها المسيحيون والمسلمون، وتناوب على إدارتها الطرفان دون أن تكون هناك أي تفرقة مجتمعية"، داعياً إلى عودة المسيحيين إلى الموصل بعد تحسن الوضع الأمني وعودة التعايش السلمي إلى المدينة كما كانت في السابق.
ومنذ الغزو الأميركي للعراق سنة 2003، غادرت آلاف العائلات المسيحية الموصل إلى خارج العراق بعد تدهور الوضع الأمني وتعرضها للاستهداف من قبل التنظيم، وقبله القاعدة، إلى جانب المليشيات المسلحة القريبة من إيران. وبعد سيطرة "داعش" على محافظة نينوى، عام 2014، هدّد التنظيم باستهداف المسيحيين، ما أجبرهم على ترك الموصل ومناطق سهل نينوى بشكل كامل. وبعد استعادة محافظة نينوى عام 2017، بدأ فصل جديد من فصول استهداف المكوّن المسيحي، تمثل بالاستيلاء على أملاكهم في الموصل ومنطقة سهل نينوى من قبل جهات مسلحة متنفذة ينضوي أغلبها ضمن "الحشد الشعبي".
عودة جزئية ومشروطة
بدوره، أوضح محافظ نينوى، عبد القادر الدخيل، ضرورة عودة المسيحيين إلى مدينة الموصل، وشدد على عدم اقتصار العودة على مناطق سهل نينوى التي تضمّ قضاءَي تلكيف والحمدانية اللذين يتركز فيهما أبناء المكون المسيحي. وقال الدخيل في تصريح نشره مكتبه الإعلامي بالتزامن مع افتتاح الكنيسة: إن "المكون المسيحي جزء أصيل في التركيبة السكانية لمدينة الموصل ومحافظة نينوى"، ودعا إلى عودة جماعية لمسيحيي الموصل إلى مدينتهم بعد سنوات من النزوح والتهجير، لافتاً إلى أن الشعور العام في الموصل يسوده الشغف لعودة المسيحيين إلى المدينة، مؤكداً أن إدارة نينوى حريصة على اتخاذ الإجراءات كافة التي من شأنها تسهيل عودة المسيحيين وإعادة إعمار كنائسهم ومراكزهم الثقافية، والتي من شأنها التشجيع ودعم التعايش والاستقرار.
أما مستشار محافظ نينوى السابق لشؤون المسيحيين، دريد حكمت طوبيا، فاعتبر أن عودة المسيحيين إلى مركز الموصل ليست شعاراً أو كلاماً إنشائياً، بل ينبغي أن تكون عبر إجراءات واقعية تدعم هذه العودة. وقال طوبيا في حديث لـ"العربي الجديد": إن "مقومات العودة لأبناء المكون المسيحي تتمثل بتدعيم الجانب الأمني وضمان عدم تكرار المشاكل السابقة كما حصل عند دخول داعش، إلى جانب دعم أبناء المكون المسيحي بالوظائف الحكومية التي حُرموا منها طوال الفترات السابقة، وتطويعهم في المؤسسات الأمنية، كالدفاع والداخلية، إضافة إلى تطبيق فقرات الدستور الخاصة بالمكون المسيحي"، مشدداً على أن عدم الاستقرار السياسي في البلاد سيكون له الأثر السلبي على عودة المهجرين المسيحيين.
وأضاف أن "الكثير من النازحين من أبناء المكون المسيحي والمسلمين أيضاً يواجهون مشكلة التغيير السكاني الذي شهدته الموصل خلال السنوات السابقة، وهو أحد الأمور التي تحدّ من عودة النازحين من الموصل إلى مناطقهم".
إجراءات الدولة
من جانبه، يرى أمام وخطيب جامع الباشا في الموصل، ذاكر حساوي، أن إعادة المهجرين المسيحيين إلى الموصل مرهون بإجراءات تتبناها الدولة على صعيد فرص العمل وتعويض المنازل المدمرة وغيرها من متطلبات إعادة النازحين. وقال حساوي في حديث لـ"العربي الجديد": إن "المسلمين يوجهون باستمرار دعوات إلى إخوانهم من المسيحيين للعودة إلى ديارهم، لكونهم مكوناً أساسياً من مكونات الموصل التي عُرف عنها أنها مدينة التآخي بين المكونات، كذلك فإنها مثال للتعايش السلمي"، مبيناً أن المسلمين والمسيحيين عاشوا بسلام ووئام طوال القرون الماضية، والدليل على ذلك بقاء أبناء المكون المسيحي وكنائسهم بعد فتح الموصل عام 16 للهجرة، وخلال فترات حكم الأمويين والعباسيين والعثمانيين، والدولة العراقية الحديثة.
وأضاف أن "هجرة المسيحيين من الموصل جاءت على مرحلتين: الأولى طوعية خلال السنوات التي تلت عام 2003، وذلك بسبب التدهور الأمني، والثانية قسرية بعد دخول تنظيم داعش إلى المدينة". وأوضح حساوي أن الاضطراب السياسي وتخوف أبناء المكون المسيحي من فقدان الأمن، كما حصل في السنوات السابقة، يمثلان العائق الأبرز أمام عودتهم، إضافة إلى استقرار الكثير من المهجرين اجتماعياً واقتصادياً في دول المهجر، مؤكداً أن الدولة يقع على عاتقها اتخاذ إجراءات لإعادة المسيحيين، خصوصاً أن الموقف الشعبي في الموصل داعم بقوة لعودتهم إلى ديارهم.