مبادرة أهلية لدعم أطفال درنة نفسياً

مبادرة أهلية لدعم أطفال درنة نفسياً

19 سبتمبر 2023
زاد الإقبال على الأنشطة الترفيهية من قبل الأطفال (العربي الجديد)
+ الخط -

أطلق عدد من الناشطين، بالتنسيق مع فرق الكشافة، مبادرات لتقديم الدعم النفسي إلى الأطفال في مدينة درنة الليبية، وذلك بعد كارثة الفيضانات الناتجة من العاصفة دانيال التي ضربت شمال شرقيّ البلاد فجر العاشر من سبتمبر/ أيلول الجاري. وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" إن حوالى 300 ألف طفل تضرروا من جراء العاصفة.
وأمام ساحة مقر الكشافة بمدينة درنة، يتجمع عشرات الأطفال ويشاركون في مختلف الأنشطة الترفيهية. ويحرص الأهل على اصطحاب أولادهم إلى الساحة، كما يقول أحد القائمين على المبادرة أحمد المزوغي. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أن عشرات المتطوعين يشاركون مع فرق الكشافة في تقديم المساعدات الغذائية والعينية والأدوية، مضيفاً: "بادرنا إلى تنظيم برامج ترفيهية بهدف تقديم الدعم النفسي للأطفال"، مشيراً إلى أهمية هذا الدعم للحفاظ على الأطفال من آثار ما بعد صدمة الفيضانات والسيول. 
ويوضح أن الإقبال على المبادرة كان ضعيفاً صباح الأحد الماضي "لكن ما إن حلّ المساء، حتى زاد. وصار المارة يتوقفون لإشراك أطفالهم. وراح الخبر ينتشر ويزيد الإقبال"، مضيفاً: "هناك من يتوقف فقط ليقدم لنا الشكر والثناء على المبادرة". يتابع أنه والمشرفين على المبادرة قسموا الأطفال بحسب الفئات العمرية والجنس. "قدمنا إلى الصغيرات أوراقاً وأدوات للرسم، وطلبنا من كل طفلة أن ترسم ما في بالها، لتشجيعهن على التعبير عن مشاعرهن، الأمر الذي يساعدنا على معرفة ما في داخلهن من مشاهد قاسية". يضيف أن "الفئات العمرية من خمس إلى تسع سنوات، ومن تسع إلى 12 سنة، وما فوق تشارك في ألعاب حركية تتمثل أهميتها بفسح المجال للطفل لأن يفرغ الشحنات السلبية التي يختزنها". 
ويتحدث المزوغي عن رغبة المبادرين في توسيع عملهم، مؤكداً أهميتها. ويقول: "لا نريد أن نترك الطفل في المنزل طوال اليوم، وهو يسمع أخبار وفاة قريب أو فقدان والد صديق أو غير ذلك. هكذا أخبار قد تؤثر كثيراً في نفسية الطفل". 

الصورة
الرسم يساعد الطفلات على التفريغ (العربي الجديد)
الرسم يساعد الطفلات على التفريغ (العربي الجديد)

وفي وقت تعلن الحكومة في شرق ليبيا أعداد الضحايا، إلا أنها لم تحدد الفئات العمرية وما إذا كان بينها أطفال. تقول الطبيبة النفسية هناء الحسي، إن الأنباء عن وفيات أسر بكاملها تؤكد وجود عشرات الأطفال بين الضحايا، موضحة أنّ "بين الناجين أطفالاً أيضاً، لكن ما زال عددهم غير معروف. أعتقد أن الناجين أكثر حاجة للدعم النفسي، وخصوصاً أنهم في مرحلة ما بعد الصدمة". تضيف في حديثها لـ "العربي الجديد" أن "الأطفال أكثر الفئات هشاشة وضعفاً وسط هذه الكارثة". وتعدد أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، منها "الكوابيس والصراخ الليلي والتعبير عن الخوف من الموت والذهول". 

تتابع: "يجب تجاوز الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالتردد على الطبيب النفسي وعدم الإقبال على تناول الأدوية. يجب إخراج الطفل من دائرة التوتر النفسي الذي يعيشه، ومحاولة الحد من المشاهد والأخبار الصادمة في ذاكرته". وتشير إلى أن "التداعيات المتعلقة في درنة ستستمر، وستقف عقبة أمام عودتهم إلى الدراسة، وسيلاحظ المدرسون تغيراً في سلوك الطفل ومستوى استيعابه وتدنياً في تعامله مع كل ما يتصل بالمدرسة وزملائه". في هذا الإطار، تشدد على أهمية الدعم الاجتماعي والنفسي والاستعانة بمتخصصين. 

الصورة
الأطفال أكثر الفئات هشاشة وضعفاً وسط هذه الكارثة (العربي الجديد)
الأطفال أكثر الفئات هشاشة وضعفاً وسط هذه الكارثة (العربي الجديد)

يشار إلى أن أعراض اضطراب الكرب ما بعد الصدمة قد تظهر خلال شهر واحد من وقوع الحدث الذي سبب صدمة نفسية، لكن أحياناً قد لا تظهر الأعراض إلا بعد أعوام من وقوع الحدث. وتسبب هذه الأعراض مشكلات كبيرة في المواقف الاجتماعية أو مواقف العمل وفي العلاقات. ويمكن أن تتعارض أيضاً مع القدرة على أداء المهام اليومية العادية.

وفي وقت يثني فيه أستاذ الخدمة الاجتماعية رمضان الشراد على مبادرة الدعم النفسي لأطفال درنة، إلا أنه لا يشجع محاولة بعض الأسر النزوح إلى خارج المدينة والعيش لفترة في مدن أو مناطق أخرى بهدف إبعاد أطفالهم عما يسبب لهم الخوف.  ويقول لـ "العربي الجديد": "لجأت بعض الأسر إلى هذا الخيار، على الرغم من قدرتها على البقاء في درنة"، مشيراً إلى أن البقاء أهم لمداواة نفسية الطفل ومساعدته على التخفيف مما عاشه. يضيف أن هناك مخاوف من تضاعف الصدمة إن عاد الأطفال واستذكروا ما عاشوه خلال هذه الفترة. 
إلى ذلك، بدأت آثار التلوث تظهر على الأطفال. وكان رئيس المركز الوطني لمكافحة الأمراض، حيدر السائح، قد أعلن في حديثه لـ "العربي الجديد" أن 57 طفلاً عانوا جراء شرب مياه غير نظيفة. وأضاف أن المركز الوطني سيشرع قريباً في إعطاء اللقاحات اللازمة للأطفال، ضمن خطة الطوارئ الصحية التي تستمر في مدينة درنة لمدة عام. 

المساهمون