مؤسسة "حرية الفكر والتعبير" في مصر لا تحمي النساء

مؤسسة "حرية الفكر والتعبير" في مصر لا تحمي النساء

13 فبراير 2021
تحوّلت بيئة العمل بالمؤسسة إلى بيئة طاردة للنساء (أحمد إسماعيل/ الأناضول)
+ الخط -

انتهت لجنة مستقلة لتقصي الحقائق حول ادعاءات بشأن وقوع انتهاكات جنسية وتجاوزات إدارية في مؤسسة "حرية الفكر والتعبير"، وهي منظمة مجتمع مدني مصرية، إلى أنّه بوجه عام "تعاني بيئة العمل داخل مؤسسة حرية الفكر والتعبير من غياب الضمانات التي تحمي النساء من التمييز والعنف بصوره المختلفة، حيث لم تتبن المؤسسة منذ نشأتها سياسة واضحة لمناهضة العنف الجنسي ومحاسبة مرتكبيه".

كذلك تَبيّن للجنة أنّ المؤسسة تعاني من غياب اللوائح الإدارية التي من شأنها ضبط بيئة العمل وجعلها عادلة وقائمة على المحاسبة والشفافية لكلّ العاملات والعاملين. وقد رصدت لجنة تقصّي الحقائق انخفاض عدد العاملات بالمؤسسة من 60 بالمائة عام 2011 إلى 20 بالمائة في السنوات الأخيرة، وهو ما يعكس تحوّل بيئة العمل بالمؤسسة إلى بيئة طاردة للنساء. كذلك رصدت اللجنة وجود مناخ تسوده روح "الشللية والعصبوية" بين بعض أفراد فريق العمل، وتفشي ممارسات غير مهنية بين العاملين، كالشتائم والمزاح غير اللائق داخل مكان العمل، وخلط واضح بين العلاقات الشخصية وعلاقات العمل. وترى لجنة تقصّي الحقائق أنّ على مؤسسة حرية الفكر والتعبير اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة للتحوّل نحو نموذج للعمل خاضع للمحاسبة، خاصة في ما يتعلق بقضايا العنف الجنسي والتمييز ضد النساء.

وفي هذا الصدد، فقد رصدت لجنة تقصي الحقائق عدة أنماط للانتهاكات داخل مؤسسة حرية الفكر والتعبير، أولها فيما يتعلق بواقعة التحقيق في اتهام الباحث بالمؤسسة، محمد ناجي، الذي نشر إقراراً على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، يفيد بارتكابه انتهاكات جنسية ضد عدد من الناجيات والضحايا، وقد عبّر عن رغبته لإدارة المؤسسة في التحقيق معه في هذه الوقائع بعد نشرها، وذلك قبل أن يتقدم باستقالته التي رفضتها الإدارة. وعقب هذا الإقرار، نشرت إحدى الناجيات وقائع انتهاكات جنسية قالت إنّها تعرّضت لها على يد محمد ناجي، وقد أصدرت المؤسسة لاحقاً قراراً بفصله من العمل بتاريخ 9 يوليو/ تموز 2020، بسبب هذه الانتهاكات.

وخلصت اللجنة إلى أنّ "الدلائل توضح أنها ليست المرة الأولى لمحمد ناجي أن يعتذر عن أفعال انتهاكات جنسية ضد نساء مختلفات، ما يثير الشكّ في جدية هذا الاعتذار من منطلق الإصلاح.  وهناك عدد من العاملات اللواتي قابلن اللجنة وذكرن أنّ الانتهاكات التي ارتكبها محمد ناجي ضدّ فتيات قابلهن من قبل، سواء عن طريق عمله أو دوائره الشخصية، لم تكن خفيّة على أفراد المؤسسة، وأنّ محمد ناجي كان شخصاً له سلطة اجتماعية في سياق المؤسسة بالإضافة إلى ترقيته في المناصب، حتى أصبح مدير وحدة الأبحاث قبل أن يتم فصله من العمل". 

 

وبالإضافة إلى الوقائع الخاصة بمحمد ناجي، فقد وردت إلى اللجنة شكاوى وإفادات من خمس نساء ممّن عملن سابقاً أو يعملن حالياً في المؤسسة بخصوص تلقيهن لعروض جنسية، أو ملاحقة واهتمام غير مرغوب فيهما أو تحرّش جنسي بالنظر وتفحّص أجسادهن في سياق العمل، من بعض زملائهن من الرجال. لكنهن فضّلن عدم تحريك شكاواهن في هذه الوقائع وسردها إلى اللجنة، فقط بهدف شرح بيئة العمل داخل المؤسسة من أجل إصلاحها في المستقبل، ووضع قواعد لمحاسبة المسؤولين عن هذه التصرفات.

وفي سياق آخر، وجّهت إحدى العاملات السابقات في مؤسسة حرية الفكر والتعبير، أمنية فراج، اتهامات للمدير السابق للمؤسسة، محمد الطاهر، عبر مواقع التواصل الاجتماعي بتعنيفها لفظياً لأسباب ترتبط بالتمييز على أساس النوع الاجتماعي، ووجّهت الناجية ذاتها اتهامات للمؤسسة بغياب سياسات ثابتة لمكافحة التمييز القائم على النوع الاجتماعي، ومحاسبة المسؤولين عن العنف الجنسي ضدّ النساء بصوره المختلفة.

وانصبّ اتهام أمنية فراج، لطاهر، على تعنيفها لفظياً أثناء تعامله مع وإشرافه على التحقيقات في واقعة تحرّش جنسي تعرّضت لها أمنية على يد أحد العاملين في المؤسسة عام 2018. كذلك تمّ إقصاء أمنية وزميلة لها في المؤسسة من المشاركة في وضع سياسة التحرش الجنسي، بعد هذه الواقعة. وبعد الاستماع لأقوال الشاكية والشهود والعديد من الموظفين الذين شاركوا مع اللجنة العديد من المواقف التي تعامل معهم فيها محمد الطاهر بالترهيب والصراخ الكثير والنهر الدائم، وبعد التأكد من أنّ هذا التعنيف اللفظي كان أحياناً يوجّه لبعض النساء بصورة خاصة، ومن ثم اتخذ صورة تمييزية على أساس النوع، قررت لجنة تقصي الحقائق إدانة محمد الطاهر، بالتعنيف اللفظي.

من جهته، رحّب مجلس الأمناء الاستشاري لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، اليوم السبت، بصدور التقرير النهائي للجنة تقصي الحقائق المستقلّة حول وقائع الانتهاكات الجنسية والتجاوزات الإدارية في المؤسسة.

وأكّد المجلس قبوله كافة التوصيات الواردة في هذا التقرير، ويعتبر أنّ تنفيذها يُشَكل الحد الأدنى من عملية الحوكمة التي تحتاجها المؤسسة لإنهاء كافة أشكال العنف والتمييز ضد النساء بالمؤسسة. وأعرب المجلس الذي تمّ تشكيله في منتصف 2018 عن أسفه لكلّ الانتهاكات والتجاوزات التي وقعت في الفترة الماضية، ويعتذر بالنيابة عن المؤسسة لكلّ العاملات والمتطوعات والعاملين والمتطوعين الذين تضرّروا منها، ويلتزم بالإشراف على تنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق بكاملها.

المساهمون