كيف بدلت التغييرات المناخية خطط الإجازة الصيفية؟

كيف بدلت التغييرات المناخية خطط الإجازة الصيفية؟

08 اغسطس 2023
بدلت موجات الحر الشديدة وجهات العديد من السياح (Getty)
+ الخط -

بدلت وفاء حمود وعائلتها خططها السياحية لهذا الصيف، إذ كانت قد استعدت لأخذ استراحة خلال شهر أغسطس/ آب هرباً من ارتفاع درجة حرارة منطقة الخليج، بإجازة في اليونان، حيث تنتشر الجزر.

تقول حمود لـ"العربي الجديد": "ارتفاع درجات الحرارة والحرائق التي شهدتها أكثر من منطقة يونانية دفعتني إلى تغيير الخطط، والقيام برحلة برية إلى مناطق مختلفة في سلطنة عمان، على غرار صلالة، التي تتميز ببرودة مناخها".

في المقابل، قرر سلام عيسى، المقيم في كندا، تأخير رحلته الصيفية إلى إيطاليا هذا الصيف إلى الخريف.

اعتاد عيسى سنوياً زيارة دولة أوروبية، لكنه خلال العامين الماضيين لم يتمكن من قضاء الإجازة بعدما بلغت درجة الحرارة حاجز 40 درجة في العاصمة الفرنسية. ويقول لـ"العربي الجديد": "قررت تأجيل زيارة العاصمة الإيطالية إلى شهر أكتوبر أو نوفمبر، والاستمتاع بالطقس المعتدل في كندا خلال شهري أغسطس وسبتمبر".

موجات الحر تغير وجهات السفر

وبدّلت موجات الحر الشديدة وجهات العديد من السياح. وعلى الرغم من أن فصل الصيف يمثل جزءاً من ثقافة الإجازة، إلا أن التغييرات المناخية قد تبدل هذه الثقافة، وتجعل فصل الخريف ملائماً أكثر للرحلات.

موجات الحر الشديدة، التي ترافقت مع انتشار الحرائق، ساهمت بحسب التقارير الدولية في تعطيل العديد من المرافق السياحية في عدد كبير من الدول، وكانت منطقة البحر المتوسط الاكثر تأثراً، خصوصاً أن الأخيرة تستقبل نسبة كبيرة من المصطافين من حول العالم، لكن المشاهد التي تناقلتها وسائل الإعلام الدولية حول إلغاء الرحلات الجوية، أو فرار السياح من مناطق مختلفة، سواء في اليونان، أو إيطاليا، أو حتى مناطق أخرى في شمال أفريقيا وغيرها، تطرح علامات استفهام حول معنى الإجازة الصيفية.

وقد سلط تقرير صادر عن صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية الضوء على التحديات التي فرضتها التغيرات المناخية هذا الصيف، والتي قد تؤثر مستقبلاً، ليس فقط بصناعة السياحة، بل أيضاً بخريطة الدول السياحية، وأيضاً بالوقت الذي قد يختاره السائح لقضاء الإجازة. وسألت الصحيفة، في تقريرها، عن مدى إمكانية انتهاء فكرة الإجازة الصيفية التي اعتادها الجميع.

الحرارة تقلص فرص السفر

ودقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر من خلال إعلان شهر يونيو الأكثر حرارة منذ سنوات. ففي إسبانيا على سبيل المثال، ارتفع مقياس الحرارة بمقدار 15 درجة فوق المستويات العادية، فيما عانت دول أخرى في أوروبا على غرار إيطاليا موجات من الحر غير مسبوقة، بعدما وصلت درجات الحرارة إلى أكثر من 50 درجة، والأمر نفسه كان في دول شمال أفريقيا، على غرار المغرب وتونس.

وتُظهر بيانات لجنة السفر الأوروبية (ETC) أن عدد الأشخاص الذين يأملون السفر إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط في الفترة من يونيو/ حزيران إلى نوفمبر/ تشرين الثاني قد انخفض بالفعل بنسبة 10 في المائة مقارنة بالعام الماضي، وهو ما يعني بطريقة أخرى انخفاض العائدات السياحية التي تشكل محوراً أساسياً لاقتصادات هذه الدول، وتأثر الحياة الاجتماعية لسكان هذه المدن، إذ تلعب السياحة دوراً رئيسياً في اقتصادات المنطقة، إذ يمثل القطاع مثلاً ما يقرب من ربع الناتج المحلي الإجمالي في اليونان، و12 في المائة في إسبانيا، كذلك تُعَدّ مصدراً لرزق الشباب، والسكان المحليين.

بحسب تقرير صادر عن وكالة "موديز"، تقلل موجات الحر من جاذبية العديد من الدول، من ضمنها جنوب أوروبا كوجهة سياحية على المدى الطويل، أو على الأقل تقلل الطلب في الصيف، ما سيكون له عواقب اقتصادية واجتماعية سلبية بالنظر إلى أهمية القطاع.

وخططت ميكو سيكيزاوا (محاسبة تبلغ من العمر 36 عاماً) وعائلتها للسفر من شيكاغو إلى أثينا في أغسطس، لكن الطقس جعلها تتوقف، وتتوقع أن تسافر في نوفمبر. تقول: "لقد غيّرنا خط سير الرحلة الأسبوع الماضي منذ أن أدركنا مدى سخونة الجو هناك، كذلك بدلنا الوجهة، بدلاً من زيارة أثينا قد نذهب إلى باريس أو أمستردام".

ويضرب الطقس الخطير على نحو متزايد الوجهات الصيفية الكلاسيكية، سواء الدولية أو المحلية في الولايات المتحدة الأميركية. وفق تقديرات الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي الأميركية، فقد شهدت الولايات المتحدة أربع كوارث مناخية منذ مايو/ أيار، سببت كل منها أضراراً تزيد على مليار دولار، ولذا من غير المستبعد أن تخرج فلوريدا من نطاق الوجهات السياحية، فقد ساءت الأمور في يونيو/ حزيران إلى درجة أن العديد من السياح ألغوا رحلات شاطئية، بعدما ارتفعت درجات حرارة المياه إلى مستويات غير مسبوقة.

أكتوبر.. شهر السفر المفضل؟

أما دولياً، وفق تقديرات عديدة، فقد تصبح استوكهولم الوجهة السياحية الأولى للزوار بدلاً من روما، وقد يصبح شهر أكتوبر/ تشرين الأول الشهر المفضل للسياح، بدلاً من يوليو/ حزيران.

وتُعَدّ السياحة تجارة رابحة، فقد فاق نموُّ القطاع نموَّ الناتج المحلي الإجمالي العالمي بأكثر من 40 في المائة في عام 2019، بحسب بيانات مجلس السفر والسياحة العالمي.

وفي العام نفسه، وظف القطاع 333 مليون شخص في جميع أنحاء العالم -أي ما يعادل واحداً من كل 10 وظائف- وشكل أكثر من 10 في المائة من الاقتصاد العالمي. ومع ذلك، فإن التغيير القادم قد يؤثر في اقتصادات مناطق ودول عديدة، وقد تصبح مناطق الشمال أكثر جذباً من مناطق الجنوب في الصيف، وستفقد المناطق الجنوبية ما يقرب من 10 في المائة من السياح الصيفيين.

خطط لمواجهة تغيرات المناخ؟

للتخفيف من حدة الحرارة، والاستمرار في جذب السياح، بدأ العديد من مرشدي السياحة بتغيير طرق الخدمات المقدمة، بدلاً من القيام برحلة سيراً على الأقدام بين الأودية والجبال، كانت السيارات المبردة خياراً استراتيجياً.

وفي العاصمة الفرنسية، ركّبت السلطات رذاذات علوية ومحطات مائية لمن ينتظرون في طابور للصعود إلى برج إيفيل، وفقاً لما قاله باتريك برانكو رويفو، المدير العام للبرج.

كذلك أنشأت جزر البهاما، من أجل مواجهة التغييرات المناخية، لجنة تنسيق طوارئ السياحة لضمان قدرة الصناعة على الاستجابة بفعالية في حالة حدوث إعصار كبير.