كوارث بيئية تهدد مدناً ومناطق ليبية... والسلطات غائبة

كوارث بيئية تهدد مدناً ومناطق ليبية... والسلطات غائبة

18 يناير 2024
التلوث النفطي كارثة ليبية محدقة (فرانس برس)
+ الخط -

تعاني العديد من مناطق ليبيا ومدنها من مخاطر التردي الكبير في البنية التحتية التي لم يجرِ تحديثها أو صيانتها منذ سنوات، ما يهدد السكان بحدوث كوارث بيئية في حين تتزايد الشكاوى من استمرار الإهمال الحكومي.

تتعدد المشكلات البيئية الناتجة من التجاهل الحكومي في ليبيا، وتتباين مظاهر الخوف من كوارث بيئية بين المناطق. فبعد العاصفة "دانيال" التي ضربت الشرق الليبي في سبتمبر/أيلول الماضي، انتشرت مخاوف واسعة من التلوث البيئي، وتجدد غضب أهالي منطقة الواحات في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيال ما يعيشونه من تلوث سبّبته حقول النفط المتاخمة لمساكنهم في بلدتي جالو وأوجلة.
وأكد الأهالي في بيان خلال احتجاج لهم في المنطقة، إمهال مسؤولي قطاع النفط والغاز شهراً واحداً لحلحلة أزمة التلوث النفطي، مهددين بالدخول في عصيان مدني، والتصعيد باتجاه إغلاق الحقول النفطية بالكامل، ومع عدم التعاطي الحكومي مع الأزمة، نفّذوا تهديداتهم.
وقبل أسبوع، طفت على السطح مخاوف جديدة في مدينة زليتن التي تبعد نحو 150 كيلومتراً إلى الشرق من العاصمة طرابلس، تتعلق بارتفاع كبير في منسوب المياه الجوفية، ما سبّب خروجه إلى السطح، مكوناً بركاً ومسطحات مائية خلقت حالة من الذعر في أوساط سكان المدينة.
ودعت بلدية زليتن الحكومة إلى التدخل العاجل لمعالجة مخاطر تدفق المياه الجوفية إلى سطح الأرض، وارتفاع منسوبها في أنحاء المدينة، محذرة من كارثة بيئية في حال تجاهل الأوضاع التي تنذر بخروج الأزمة البيئية عن السيطرة، مشيرة إلى إمكانية استمرار ارتفاع منسوب المياه، التي تهدد أربعة أحياء بوسط المدينة، على الرغم من إطلاق حملة لمعالجة الأضرار الناجمة عن ارتفاع منسوب المياه.

من زليتن، يقول مختار الصدّيق، لـ"العربي الجديد"، إن "حملة معالجة الأضرار لم تقم بشيء سوى الاطلاع على الأوضاع، ومصاحبة المسؤولين الحكوميين القادمين لزيارة المنطقة، وحتى الآن لا تزال بعض البيوت غارقة بالمياه، وسكان بعض المنازل التي دخلتها المياه الجوفية المتدفقة إلى سطح الأرض نزحوا منها بالفعل، ولا يعرفون متى يمكنهم الرجوع إليها، والمشكلة أن البلدية لم تحدد سبب الارتفاع المفاجئ للمياه الجوفية، والناس قلقة، ولا يعرفون مصيرهم".
ويشير الصدّيق إلى أن "المياه الجوفية كانت تبعد عن سطح الأرض بمسافة لا تقلّ عن 40 متراً، والآن بات بالإمكان الحفر لنحو مترين فقط، لتخرج المياه في بعض المناطق، وهناك مناطق تغطي المياه مساحات كبيرة فيها".
من جانبه، يعتبر خليل البكوش، الموظف السابق بمصلحة التخطيط العمراني الحكومية، أن "إقبال سكان المدينة الكبير على استخدام مياه منظومة النهر الصناعي، وعدم الاعتماد على الآبار الجوفية لسنوات وراء ارتفاع منسوب المياه الجوفية بشكل كبير، والظاهرة واضحة في وسط المدينة والمناطق المحيطة بها، أما المناطق التي لا توجد فيها شبكة النهر الصناعي، فلا تعاني من هذه المشكلة".

يقاوم الليبيون التلوث البيئي (فتحي نصري/فرانس برس)
يقاوم الليبيون التلوث البيئي (فتحي نصري/فرانس برس)

يضيف البكوش لـ"العربي الجديد" أن "المشكلة في الأصل سببها فوضى التخطيط الخاص بالمباني، والعشوائية في شبكات المياه، وبالتالي فإن المقصّر الأول هو الجهات الحكومية والسلطة المحلية. لكن لا يمكن إعفاء المواطنين من المسؤولية، فالوعي بأهمية التخطيط السليم، ووقف شبكات المياه العشوائية، خصوصاً في المزارع، من أهم أدوار المواطنين".
ويلفت أستاذ الصحة البيئية الليبي، محمد أبو مليانة، إلى أسباب أخرى تتعلق بالأوضاع السياسية القائمة في البلاد، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "قضايا البيئة تُعَدّ أموراً ثانوية بالنسبة إلى سلطات الحكم المتصارعة، فكلتا الحكومتين لديها وزارة خاصة بالبيئة، لكن لا توجد لديها فرق لدراسة الوضع البيئي، ويظهر المسولون فقط في أثناء حدوث المشكلات، ويختفون حالما تنتهي المتابعة الإعلامية".

يضيف أبو مليانة: "هناك جهات أخرى مسؤولة عن كارثة بيئية وشيكة في مناطق استخراج النفط، التي بدأت مظاهرها في منطقة الواحات، لكنها قائمة، وتتفاعل ببطء في مناطق أخرى تضمّ حقول استخراج النفط والغاز، وهي مسؤولية الهيئات والمؤسسات المعنية بالنفط، التي لا تحرك ساكناً. هناك إغلاق قائم لحقول نفط في منطقة الواحات، بعد أن نفذ الأهالي تهديداتهم بالتصعيد، ولا أعتقد أن السلطات ستتجاوب مع الأزمة، وإن تجاوبت، فسيكون عبر معالجات مؤقتة لضمان استئناف تصدير النفط".
ويشير إلى تكرار رصد أهالي مدينة زليتن انتشاراً للبعوض والحشرات الناقلة للأمراض، التي سيزيد حجم خطرها مع تفاقم مشكلة ارتفاع منسوب المياه الجوفية التي تشبه إلى حد بعيد مشكلة التلوث النفطي في الواحات، وكلها مشكلات تستدعي حلولاً جذرية طويلة الأجل، وقد نرى قريباً معالجات مؤقتة للمشكلات في زليتن والواحات، بينما تستمر مخاطر وتداعيات الكوارث البيئة الأخرى، وأبرزها ارتفاع مؤشرات التلوث.

المساهمون