غموض بعد شهر على اختفاء قارب مهاجرين انطلق من شمالي لبنان

شهر على اختفاء قارب انطلق من شمالي لبنان: غموض يلف مصير المهاجرين وسط سيناريوهات عديدة

15 يناير 2024
من عملية سابقة للجيش اللبناني بحثاً عن مهاجرين مفقودين في البحر شمالي لبنان (فرانس برس)
+ الخط -

مرّ أكثر من شهر وما زال محمد يبحث عن أثر لشقيقه الذي اختفى في ديسمبر/ كانون الأول الماضي على متن قارب هجرة غير نظامية انطلق من مدينة طرابلس شمالي لبنان في اتّجاه قبرص. ويقلّ القارب عشرات المهاجرين، غالبيتهم من الجنسية السورية، الذين اختاروا طريق البحر على الرغم من خطورته، طمعاً بحياة أفضل ومستقبل يضمنون فيه الحصول على أبسط مقوّمات العيش بكرامة.

يخبر محمد "العربي الجديد" أنّ "رحلة الهجرة انطلقت في 12 ديسمبر الماضي، من شاطئ العريضة في شمال البلاد، ولا معلومات دقيقة أو رسمية حول عدد الركاب، في حين أنّ تقارير تحدّثت عن 85 مهاجراً، من بينهم 35 طفلاً. وقد قدّم مركز سيدار للدراسات القانونية قائمة بأسماء 75 شخصاً".

ويلفت محمد إلى أنّ "شقيقه العشريني اختار الهجرة بالقوارب، على الرغم من علمه بأنّ الرحلة سوف تكون محفوفة بالمخاطر"، شارحاً أنّه "لم يجد سبيلاً آخر للبحث عن حياة أفضل بعدما ضاقت به الدنيا. فهو عمل في لبنان لسنوات، بيد أنّ الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد أثّرت عليه كثيراً، في حين أنّه لا يستطيع في المقابل العودة إلى سورية خشية اقتياده إلى التجنيد الإلزامي من قبل النظام السوري".

يضيف محمد أنّه "جرى تداول روايات كثيرة حول مصير الركاب أو وقائع مرتبطة بالرحلة نفسها، علماً أنّ غالبيتها تصدر عن مهرّبين معروفين بالاسم ويسهل التواصل معهم. وهؤلاء ينشرون تلك الروايات بهدف الحصول على المال". ومن الأخبار المتداولة بحسب ما يقول محمد أنّ "الركاب محتجزون في القاعدة البريطانية في قبرص، أو موقوفون لدى السلطات القبرصية، وغيرهما من السيناريوهات التي تبقى من دون دليل يثبت صحتها، خصوصاً أنّ أيّ تصريح لم يصدر عن الجهات المختصّة ولم يُخصَّص أيّ اهتمام بالقضية من قبل السلطات الرسمية".

وفي الإطار نفسه، يقول المحامي محمد صبلوح، وهو مدير عام مركز "سيدار" للدراسات القانونية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة ثلاثة سيناريوهات مرتبطة بقضية قارب الهجرة"، مفصّلاً أنّ "الأوّل يشير إلى غرقه، لكنّنا حتى الساعة لم نعثر على أيّ جثة. السيناريو الثاني أنّ الركاب مفقودون، لكنّه في حال كان ذلك صحيحاً لكنّا حصلنا على معلومة واحدة عنهم على أقلّ تقدير. أمّا السيناريو الثالث والأقرب إلى الحقيقة فهو أنّهم موقوفون".

ويشير صبلوح الذي يتابع القضية قانونياً إلى أنّ "مركز سيدار قدّم في 31 ديسمبر الماضي قائمة بأسماء 75 شخصاً إلى الفريق العامل المعني بالإخفاء القسري في جنيف، علماً أنّ في حوزة المركز تسجيلات فيديو وصوراً حصل عليها من الأهالي للركاب على متن القارب قبل فقدان الاتصال بهم. وفي الثاني من يناير/ كانون الثاني الجاري، تقدّم الفريق القانوني بشكوى إلى النيابة العامة التمييزية حول اختفاء مجموعة من 75 مهاجراً (لبنانيون وسوريون) من بين نحو 85 مهاجراً".

وبعدما اتصل أهالي المهاجرين بالخط الساخن "ألارم فون" الخاص بالمهاجرين بحراً الذين يواجهون صعوبات، وأبلغوا عن فقدان قارب في البحر الأبيض المتوسط ما بين لبنان وقبرص، رفع الفريق القانوني التابع لمركز "سيدار" نسخة من الشكوى إلى وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية لفتح تحقيق حول مصير هؤلاء المهاجرين الذين اختفوا. وفي الثالث من يناير الجاري، أبلغ المركز مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بيروت عن اختفاء مجموعة من المهاجرين، الذي تواصل بدوره مع مكتب المفوضية في قبرص.

ويبيّن صبلوح أنّ "القاعدتَين البريطانيتَين في جزيرة قبرص لم تصرّحا عن وصول أيّ من هؤلاء المهاجرين، كذلك الأمر بالنسبة إلى السلطات القبرصية التي ساءلتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. ونحن من جهتنا، طلبنا من خلال الشكوى التي تقدّمنا بها باستخراج داتا الاتصالات لمعرفة آخر ظهور إلكتروني للمفقودين وتحديد أماكنهم، خصوصاً أنّ الأهالي متمسّكون بأنّهم أحياء".

ويؤكد صبلوح أنّ "لا معلومات عند الأجهزة الأمنية حول القارب ولا حول مصير المهاجرين، وهي تحاول استخراج الداتا ومتابعة التحقيقات، علماً أنّ ثمّة معلومات مؤكدة تفيد بأنّ ثلاثة قوارب خرجت من شاطئ العريضة في الوقت نفسه ووصلت إلى وجهاتها، باستثناء القارب المفقود".

الهجرة غير النظامية نشطة في لبنان

في سياق متصل، كان الجيش اللبناني قد أعلن في ديسمبر الماضي عن ثلاث عمليات تهريب مهاجرين بطريقة غير نظامية انطلاقاً من شاطئ لبنان الشمالي. وفي العملية الأخيرة، أُنقذ 54 شخصاً على متن قارب تعرّض للغرق مقابل شاطئ العريضة، من بينهم نساء وأطفال، جميعهم من التابعية السورية.

وفي 17 ديسمبر الماضي، أنقذت دورية من القوات البحرية التابعة للجيش اللبناني 51 شخصاً كانوا على متن قارب تعرّض للغرق قبالة شاطئ طرابلس، في أثناء تهريب مهاجرين بطريقة غير نظامية. وبحسب الجيش اللبناني، فإنّ ركاب القارب هم 49 سورياً وفلسطينيّان، وقد أسعفهم بمساندة فريق من الصليب الأحمر اللبناني.

ومطلع ديسمبر الماضي، أحبطت دورية من القوات البحرية عملية تهريب بواسطة قارب كان يقلّ 110 أشخاص، من بينهم لبنانيان و108 سوريين، قبالة شاطئ طرابلس.

وتُعَدّ الهجرة غير النظامية نشطة في لبنان الذي يعاني مواطنوه من أزمة اقتصادية حادة مع انهيار نقدي، أدّيا إلى ضرب القدرة الشرائية لدى الناس وتآكل قيمة الرواتب والأجور بالليرة اللبنانية وارتفاع معدلات الفقر والجوع والبطالة، في حين يستغلّ المهرّبون يأس هؤلاء لجني أرباح طائلة. وفي حين أنّ المبلغ الذي يتقاضاه المهرّبون من الراكب الواحد لا يقلّ عن 2000 دولار أميركي، فإنّهم يستخدمون قوارب صغيرة لا تستوعب الكمّ الكبير من الأشخاص الذين يخوضون رحلة واحدة، وبالتالي لا تتوفر أدنى وسائل الحماية والأمان والسلامة والإغاثة.

وساحل لبنان الشمالي من المحطات الأساسية للهجرة غير النظامية بحراً في اتجاه الدول الأوروبية، لا سيّما منها اليونان وقبرص وإيطاليا، وسبق أن سُجّلت مآسٍ لمئات الأشخاص الذين لقوا حتفهم على طريق الهجرة عبر ما يسمّى بـ"قوارب الموت".

وأخيراً، راحت تتزايد الهجرة غير النظامية انطلاقاً من لبنان، خصوصاً في ظلّ مخاوف من تمدّد رقعة المواجهات التي تشهدها الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، والاعتداءات المتواصلة على بلدات الجنوب الحدودية من قبل القوات الإسرائيلية، وذلك منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، غداة عملية "طوفان الأقصى". كذلك يأتي التزايد بالتزامن مع إجراءات السفر المشدّدة التي راحت تتّخذها سفارات دول عدّة، وسط ارتفاع احتمالات اندلاع حرب على كامل الأراضي اللبنانية.

المساهمون