يحاول النازح الفلسطيني أبو أحمد أبو القمبز من حي الشجاعية شرق مدينة غزة التخفيف من آلام صديقه الجديد أبو مصطفى سالم، الناجي الوحيد من مجزرة إسرائيلية بحق عائلته بعد استهداف منزله في حي الشيخ رضوان شمال قبل شهرين.
يتبادلان أطراف الحديث، يرتشفان كؤوس الشاي، يعيدان تركيب سيناريو النزوح، وكيف أصبحا دون عائلة ولا مأوى، وباتت الخيمة ملاذهما في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي لليوم الـ117 على التوالي.
يقول أبو أحمد أبو القمبز: "صحيح أن الحرب الإسرائيلة تُفرّق وتدمر، لكنها في بعض الأحيان قد تجمعك بأشخاص يكونون العوض بعد الفقدان، وقد ترتقي العلاقة معهم إلى درجة الأخوة، بغضّ النظر عن الظروف المأساوية الصعبة للنزوح".
تعرف النازحان الفلسطينيان أبو مصطفى سالم وأبو أحمد أبو القمبز على بعضهما في أحد مراكز النزوح في مدينة رفح، فنشأت بينهما صداقة متينة، ويوضحان أنهما يعيشان الآن على "الحلوة والمرة".
ويضيف أبو القمبز وهو يساعد صديقه في علاج قدمه المصابة وتقطيب الجروح المحيطة بقضبان الحديد حول ساقه المكسورة: "صحيح أنه فقد كل أفراد عائلته، وبات وحيداً وعاجزا عن الحركة بسبب إصابته، لكنني الآن معه وسأشد عضده حتى نتجاوز هذه المحنة".
ويتابع من داخل خيمة بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة وهو يحاول أن يدفئ جسده بكأس شاي، "إنه مثلي أخي، سأعتني به، لن أغادر المكان إلا للضرورة والحاجة الملحة، لا أستطيع تركه وحده، مع من سيبقى؟ ولمن سأتركه؟
من جهته، يفيد النازح أبو مصطفى سالم "العربي الجديد"، بأنه: قبل شهرين أصيبت قدمي اليسرى جراء قصف إسرائيلي، حاولت أن أنجو بنفسي من المكان بصعوبة بالغة بعد استهداف منزلي في حي الشيخ رضوان شمالي مدينة غزة، كنت أجر قدمي إلى أن وصلت إلى شارع الجلاء، وهناك تم إسعافي إلى مستشفى المعمداني".
يكمل: "بعد أسبوع فقط، تم اقتحام مستشفى المعمداني من طرف الدبابات الإسرائيلية، فتم أخذي رغم أني كنت في حالة صحية صعبة". ويشير المتحدث إلى أنه نظرا للظروف المأساوية، اضطر لعلاج نفسه بنفسه، من خلال شراء الأدوية وتغيير الضمادات وتطهير الجروح.
وبرغم المحنة المشتركة فإن دفء الصداقة يسري في أوصال النازحين وكأن لسان حالهما يردد: "هكذا نحن الفلسطينيين خلقنا لنقاوم حتى نبقى على قيد الحياة".
كثيرون مثل أبو أحمد وأبو مصطفى يتقاسمون المعاناة نفسها وإن اختلفت التفاصيل. إذ يعيش مئات آلاف الفلسطينيين وضعاً أقل ما يقال عنه إنه كارثي، وسط غياب المساعدات، وانهيار المنظومة الصحية حيث الجرحى على الأرض، يتألمون وينزفون، فيما العمليات تُقام في الممرّات.
فيما بلغت احتياجات السكان أعلى مستوياتها، وسط تفشي الجوع والأمراض والأوبئة، برغم التحذيرات المتواصلة للمنظمات الأممية والإغاثية من خطورة الوضع ومن كون الشعب الفلسطيني في غزة في قلب كارثة هائلة.
يذكر أنه منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 تشن إسرائيل حربا مدمرة على القطاع، خلفت حتى الأربعاء "26 ألفا و900 شهيد و65 ألفا و949 مصابا معظمهم أطفال ونساء"، وفق السلطات الفلسطينية، وتسببت في "دمار هائل وكارثة إنسانية غير مسبوقة"، بحسب الأمم المتحدة.