عراق بلا مخيمات... مشروع لإنهاء ملف النزوح

عراق بلا مخيمات... مشروع لإنهاء ملف النزوح

14 فبراير 2024
الفصائل المسلحة تمنع عودة النازحين بحجج مختلفة (زيد العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -

تنتظر وزارة الهجرة والمهجرين العراقية لإطلاق مشروع عراق بلا مخيمات الذي يهدف إلى إنهاء ملف النزوح خلال العام الحالي 2024، بالتنسيق مع السلطات الأمنية كافة بهدف مساعدتها في عودة النازحين العراقيين إلى ديارهم كما علم "العربي الجديد"، مع الإشارة إلى أن كثيرين لا يستطيعون العودة جرّاء سيطرة الفصائل المسلحة والمليشيات عليها. وتمنع الأخيرة عودة النازحين بحجج مختلفة، من بينها تردي الأوضاع الأمنية، لكن الواقع يُشير إلى حقائق أخرى.
 
ويبدو أن المشروع الجديد طُرح خلال لقاء وزيرة الهجرة إيفان جابرو مع مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي يوم الاثنين الماضي. وتصدرت اللقاء ملفات مخيمات النازحين والمهجرين والجانب الأمني، إضافة إلى "أهمية العمل على ترتيب أوضاع النازحين والتأكيد على أنه ملف إنساني بالدرجة الأولى، فضلاً عن بحث إعادة المواطنين العراقيين من مخيم الهول السوري"، بحسب بيان رسمي.

وعقب اللقاء، أعلن مكتب الهجرة والمهجرين في قضاء خانقين بمحافظة ديالى إغلاق ملف نحو 27 ألف أسرة نازحة، فيما تجري محاولات إقناع نحو 6 آلاف أسرة بترك المخيمات وعودتها إلى مدنها الأصلية. ونقلت وسائل إعلام محلية عن مدير المكتب علي غازي أنه "في ما يتعلق بالأسر التي بقيت في المخيمات، نسعى إلى تبيان خياراتها سواء بالعودة وإغلاق ملف نزوحها أو الاندماج، وهذا خيارها في نهاية المطاف". ويُقصد بالاندماج البقاء في المخيمات والتكيّف مع الحياة داخل المخيم.

ولا يزال نحو نصف مليون نازح عراقي ممنوعين من العودة إلى مدنهم بقرار من مليشيات مسلحة تستولي عليها، وأبرزها منطقة جرف الصخر (شمالي بابل). وتسيطر على المنطقة مليشيات "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"عصائب أهل الحق" و"جند الإمام" منذ نهاية عام 2014. كما منعت تلك المليشيات سكان بلدات أخرى، أبرزها العوجة ويثرب وعزيز بلد وقرى الطوز وقرى مكحول في محافظة صلاح الدين، والعويسات وذراع دجلة وجزء من منطقة الثرثار ومجمع الفوسفات في محافظة الأنبار، وقرى المقدادية وحوض العظيم، شمال شرقي محافظة ديالى، من العودة إليها.

وسبق أن قدمت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية ثلاثة خيارات للنازحين، مع التأكيد على إغلاق جميع مخيمات النازحين في إقليم كردستان بحلول نهاية شهر يوليو/ تموز من العام الجاري. وكشف المتحدث باسم الوزارة علي عباس عن "ثلاثة خيارات مطروحة أمام النازحين، وهي العودة إلى مناطقهم، أو الاستقرار في المكان الذي يعيشون فيه حالياً كنازحين، أو الانتقال إلى محافظة أخرى، وعندها سيتم اعتبارهم عائدين".

ويوجد 24 مخيماً في إقليم كردستان، شمالي العراق، بحسب الوزارة. لكن عباس يشير إلى أن "هناك نحو 35 إلى 37 ألف عائلة نازحة في المخيمات، والتي يبلغ عدد أفرادها نحو 120 ألف شخص"، مبيناً أن "أي نازح عائد سيستفيد من مساعدات الوزارة، مثل الدعم المالي وتوفير المستلزمات المنزلية، ومساعدات شبكة الرعاية الاجتماعية والتوظيف".

العراق (زيد العبيدي/ فرانس برس)
العيش في المخيمات معاناة مستمرة (زيد العبيدي/ فرانس برس)

ويعني إخراج النازحين من المخيمات، خصوصاً الذين تسيطر على مدنهم مليشيات مسلحة وتمنعهم من العودة إليها منذ نحو 9 سنوات، "تهجيراً جديداً"، بحسب ناشطين ومتطوعين في منظمات المجتمع المدني، لأنهم سيكونون عرضة للاستغلال والظروف الصعبة، ولا سيما أنهم بلا مأوى ولا رواتب شهرية، فضلاً عن كون بعضهم لا يملكون وثائق ثبوتية بسبب النزوح السريع وما شهدوه من مضايقات واعتقالات واستجوابات إبان نزوحهم.

انتصارات غير مجدية

من جهته، يقول الناشط من محافظة بابل علي الجنابي إنّ "وزارة الهجرة العراقية تريد أن تسجل انتصارات غير مجدية، لأنها تريد أن تغلق المخيمات دون توفير المساكن والظروف الملائمة للنازحين الذين يرغبون بالعودة إلى ديارهم. كما أنه من دون إخراج الفصائل المسلحة التي تسيطر على المدن منزوعة السكان ستكون هناك إشكاليات كبيرة لدى النازحين"، ويسأل خلال حديثه لـ"العربي الجديد": "أين سيذهب نازحو جرف الصخر؟ حتماً ينتظرهم مصير مجهول". 

يضيف أن "حكومة السوداني تسعى لنجاحات وهمية، لأن إغلاق المخيمات سيولد خيبات وأزمة لعشرات آلاف العراقيين. بالتالي، كان من المفترض أن تتقدم الحكومة بملف تحرير المناطق المسيطر عليها من المليشيات قبل الحديث عن إنهاء ملف النزوح"، متوقعاً "إغلاق بعض المخيمات بالقوة وطرد أسر كثيرة منها وترك أفرادها يواجهون مصيراً مجهولاً، وهذا يعني تهجيراً جديداً".

ويتوزع معظم النازحين في المخيمات، من مناطق سنجار في نينوى ومناطق ديالى وصلاح الدين وجرف الصخر والأنبار، على مخيمات غالبيتها في إقليم كردستان، منها 16 مخيماً في دهوك وخمسة مخيمات في إربيل وثلاثة في السليمانية. ويقول مراقبون إن الرقم الحقيقي للنازحين يفوق ذلك المعلن من قبل وزارة الهجرة، ويشمل النازحين في المخيمات فقط من دون الذين لجأوا إلى خارج العراق أو يسكنون في منازل خاصة في إقليم كردستان أو محافظات عراقية أخرى.

من جهته، يلفت الخبير بالشأن السياسي العراقي عبد الله الركابي إلى أن "حكومة السوداني كانت قد أعلنت الانتهاء من ملف النازحين بحلول 30 يوليو/ تموز من العام الجاري. وتحدثت عن مساعدات مالية وحجزت وظائف حكومية لكنها أهملت الإجابة عن سؤال مهم وهو أين سيسكن النازحون بعد خروجهم من المخيمات؟"، ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أن "الكثير من النازحين يفضلون البقاء في المخيمات على الخروج منها ومواجهة تحديات وجودية، من بينها تلك الأمنية والمليشياوية والعشائرية وأزمة السكن والحياة الجديدة، وخصوصاً أنهم نزحوا قبل نحو 6 أعوام. بالتالي، فإن الكثيرين منهم لا يفهمون ما يجري في الخارج. لذلك، لا بد من حل أزمة مناطقهم الأصلية وتمكينهم من الاندماج وحمايتهم".

دلالات

المساهمون