ظلم مضاعف في سيناء... قطع راتب موظف مصري مختطف لدى "داعش"

ظلم مضاعف في سيناء... قطع راتب موظف مصري مختطف لدى "داعش"

19 أكتوبر 2021
تواجد للجيش المصري في سيناء (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

أيّد مجلس الدولة المصري قراراً حكومياً بقطع راتب موظف اختطفه تنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم "داعش" في محافظة شمال سيناء، شرقي البلاد، بحجة انقطاعه عن العمل منذ فترة، على الرغم من اختطافه، وما زال مصيره مجهولاً حتى الآن. كذلك، لم تراعِ الدولة الحالة المعنوية للمختطف في حال علمه بالقرار، والوضع النفسي والمالي لعائلته، وتحويل القضية إلى قسمي الفتوى والتشريع في مجلس الدولة، التي انتهت بعدم جواز صرف الراتب، واستبداله بإعانة شهرية لعائلته، وإنهاء خدمته في حال لم يظهر بعد أربعة أعوام من تاريخ الفقدان.
وفي تفاصيل القرار، يقول مصدر حكومي في شمال سيناء لـ "العربي الجديد"، إن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع في مجلس الدولة، أصدرت فتوى بصرف إعانة لعائلته مع قطع راتبه، رداً على طلب الرأي القانوني المقدم من محافظة شمال سيناء، إذ أن انقطاع الموظف عن العمل نظراً لهذا الظرف يعد انقطاعاً لا إرادياً. لذلك، لا يجوز إنهاء خدمته استناداً إلى ذلك. في المقابل، يمكن الاستمرار في قطع الراتب، وصرف إعانة شهرية لعائلته كتلك التي تُصرف لعائلات المتوفين من الموظفين أو من دخل سن العجز. يضيف أن الفتوى جاءت بعد مداولات عدة في القضية، نتيجة سعي عائلة الموظف لإيجاد حل للقضية ككل، لناحية سعي الدولة لإعادته إلى المنزل، وحل القضية المالية المتعلقة بوظيفته.
ووفقاً للمصدر الحكومي، فإن الموظف في الوحدة المحلية لقرية المريح جنوبي مدينة بئر العبد، التي تعرضت وقرى عدة أخرى لسيطرة "داعش" في يوليو/تموز من العام الماضي قبل أن يستعيدها الجيش بعد مرور أسابيع، كان قد اختطف في يوليو/تموز 2020 أثناء خروجه برفقة زوجته من المنطقة، فأوقفه حاجز تابع لـ "داعش". وبعد التأكد من هويته وأنه يعمل في وظيفة حكومية رسمية، تم اختطافه ومصادرة سيارته، فيما سمح لزوجته بمغادرة المنطقة. ومنذ ذلك الوقت، لم يتم الإعلان عن مصيره، على الرغم من إفراج التنظيم عن عشرات المختطفين لديه، أو إنهاء قضيتهم بالقتل أو الإصابة. وبقي مصير عدد من هؤلاء المختطفين مجهولاً حتى الآن.

وفي حيثيات الفتوى، قالت الجمعية العمومية إن قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات رقم (148) لسنة 2019 يشمل العاملين المدنيين في الجهاز الإداري للدولة ضد مخاطر عدة، من بينها تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة، بالإضافة إلى حالات فقد المؤمَّن عليه أو صاحب المعاش، "فقرر المشرّع منح المستحقين عنهما إعانة شهرية تعادل ما يستحقونه من معاش بافتراض وفاة المفقود، سواء كان مُؤمناً عليه أو صاحب معاش، وذلك اعتباراً من أول الشهر الذي وقع فيه الفقد، وتُقدر تلك الإعانة بما يعادل المعاش المقرر في تأمين إصابات العمل والمعاش المقرر في تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة، إذا كان فقد المؤمن عليه في أثناء تأدية العمل".
أضافت الفتوى أن القانون نص على أن "يستمر صرف تلك الإعانة إلى مستحقيها لمدة أربع سنوات، ما لم يظهر المفقود حيّاً أو تثبت وفاته حقيقة بظهور جثمانه أو حكماً بصدور الحكم القضائي أو القرار الذي يقوم مقامه باعتباره ميّتاً. وبعد فوات تلك المدة من تاريخ الفقد أو ثبوت الوفاة حقيقة أو حكماً، يُعتبر تاريخ الفقد تاريخ انتهاء الخدمة، وذلك في تقدير جميع الحقوق التأمينية وفقاً لأحكام هذا القانون، وتعتبر الإعانة السابق صرفها معاشاً منذ تاريخ تحقق إحدى الوقائع المشار إليها".

تواجد للجيش المصري في سيناء (خالد دسوقي/ فرانس برس)
المواطن المصري في شمال سيناء لا يجد عنواناً يقدم فيه شكواه (خالد دسوقي/ فرانس برس)

كما أشارت الفتوى إلى أنّ قانون الخدمة المدنية ربط بين الانقطاع عن العمل والحرمان من الأجر والمسؤولية التأديبية وإنهاء خدمة الموظف بـ "الانقطاع الإرادي" الذي يرجع إلى إرادة الموظف، وأكد عدم جواز ترتيب الأثر نفسه على الانقطاع لأسباب خارجة عن الإرادة، وهو ما تنبه إليه المشرّع حين قيّد سلطة جهة الإدارة في إنهاء خدمة الموظف للانقطاع عن العمل حال تقدمه بعذر مقبول خلال المدة المقررة قانوناً، بما يؤكد انصراف حكم المساءلة التأديبية وإنهاء الخدمة في حالة الانقطاع عن العمل إلى حالة الموظف المنقطع إراديّاً دون سواه. فإذا كان الانقطاع لعذر قهريّ جاز للسلطة المختصة الاعتداد بهذا العذر، فإذا قبلت هذا العذر امتنع عليها إنهاء خدمته.
ووفقاً للبيانات الحكومية، فقد جرى تحرير محضر اختفاء لدى قسم الشرطة في نطاق بئر العبد منذ ذلك الحين، من دون متابعته. ولم تتواصل الجهات الأمنية مع عائلة الموظف طوال الفترة الماضية، بالتزامن مع قرار الوحدة المحلية وقف راتب الموظف في ظل تغيبه عن العمل بعد استعادة سيطرة القوات المسلحة المصرية على القرية والقرى المجاورة، التي كانت تحت سيطرة "داعش". وبعد طلبات متكررة من عائلة الموظف المختطف، وفي ظل عدم وجود نص واضح في قانون الخدمة المدنية يشير إلى قضية الموظف المختطف، اتجهت المؤسسة الحكومية بشمال سيناء إلى مجلس الدولة لطلب الرأي القانوني في ذلك من خلال قسمي الفتوى والتشريع.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وبحسب ما جاء في قرار المجلس، فإن فتوى ترجيحها بوقف صرف الراتب اعتمد على قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات رقم 148 لسنة 2019، الذي أقر بعدم صرف رواتب المفقودين الذين لم يعثر عليهم خلال ثلاثة أشهر من تاريخ فقدهم، على أن يصرف للمستحقين عنه إعانة شهرية مقررة بحكم المادة 34 من القانون، تعادل قيمتها ما يستحقونه عنه من راتب في حالة وفاته، متجاهلةً كل البيانات والدلائل التي تؤكد أن الموظف اختطف تحت القوة الجبرية من قبل جهة إرهابية في منطقة عمليات عسكرية بشمال سيناء. وبالتالي، كان يفترض معاملته كحالة استثنائية فيها الكثير من التقدير والاحترام في مقابلة التضحية التي يقدمها على طريق مكافحة الإرهاب والتصدي لمحاولات طرد المواطنين والدولة من الأرض في سيناء، كما يقول أحد المحامين في شمال سيناء لـ "العربي الجديد". يضيف المحامي، الذي فضل عدم ذكر اسمه لتواجده في سيناء، أن لشمال سيناء خصوصية في التعامل القانوني، إذ لا توجد فيها محاكم نشطة، بل يتم تحويل القضايا إلى محافظة الإسماعيلية حيث المحكمة المختصة بقضايا شمال سيناء. بالتالي، فإن المواطن المصري في شمال سيناء لا يجد عنواناً يقدم فيه شكواه، فكيف الحال إن كانت الشكوى تتعلق بلقمة العيش لعائلة موظف مختطف بقوة السلاح على يد داعش منذ أكثر من عام، ولم تسع الجهات الأمنية، وفقاً لما يظهر من تفاصيل، للإفراج عنه كما الحال مع عشرات المواطنين الذين اختطفوا طيلة السنوات الماضية، وتركوا يلاقون مصيرهم من دون أي تدخل أمني أو حكومي لإنهاء معاناتهم ومعاناة عائلاتهم. 

المساهمون