صيد الأسماك في الإسكندرية... هواية ومهنة

18 مايو 2023
في انتظار أن تأكل الأسماك الطعم (العربي الجديد)
+ الخط -

عند الشروق، يجلس المتقاعد عرفة عبد الرسول (63 عاماً) على صخور الشاطئ في منطقة السيالة في بحري بالإسكندرية شمالي مصر، رامياً صنارة بدائية صغيرة في مياه البحر. لا يرفع عينيه عنها وينتظر أن تلتقط إحدى الأسماك الطُعم، ليصطادها بسرعة وفرح. طقوس باتت من يومياته كونه يهوى صيد الأسماك حاله حال كثيرين. بعض هؤلاء ينتظمون ضمن مجموعات للمحترفين وأخرى للهواة. يجمعهم الصيد لكونه متنفساً حقيقياً بالنسبة إليهم ومصدر رزق للذين يعتمدون عليه كمهنة. 
يقول عرفة: "أعشقُ الصيد مذ كنت طفلاً. اعتدت على الذهاب مع والدي وأشقائي إلى المكان نفسه كل يوم جمعة لنصطاد ونتنافس ونقضي وقتاً ممتعاً. كانت الساعات تمر وكأنها دقائق". يضيف: "بعد وفاة والدي وأحد أشقائي وتقاعدي، أصبحت مداوماً على هوايتي بشكل يومي مع شقيقي الأكبر. الصيد قادر على تحسين الحالة النفسية والمزاجية، وقتل الوقت في عمل مفيد بدلاً من الجلوس في المقاهي والانخراط في أحاديث غير نافعة، وما يتبعه من مصاريف". يتابع: "أجرب مختلف الأماكن المخصصة للصيد على امتداد كورنيش الإسكندرية، وخصوصاً في الأماكن الصخرية مثل كوبري ستانلي ولوران، بالإضافة إلى الشواطئ الرملية شرق المدينة. إلا أنني لا أجد متعتي إلا في المكان ذاته الذي اعتدت عليه في السيالة ببحري".

وعن حصيلة الصيد اليومي، يقول إن الأمر ليس ثابتاً لناحية العدد والحجم والأنواع، "لكنني راض بما قسمه الله من رزق. وما أصطاده كل مرة يغني عن الذهاب إلى أسواق السمك الذي ارتفعت أسعاره بشكل كبير، حتى بات كثيرون عاجزون عن شرائه. وفي بعض الأحيان، أهدي بعض الأسماك لأصدقائي". 

أسعار الأسماك في الأسواق جعل من الهواية وسيلة حقيقية لتحقيق الرزق (العربي الجديد)
أسعار الأسماك في الأسواق جعل من الهواية وسيلة حقيقية لتحقيق الرزق (العربي الجديد)

أما متولي عبد الرسول (66 عاماً)، شقيقه وشريك رحلات الصيد، فيُخرج الصنارة من المياه جاذباً سمكة "شراغيش" ليضعها في صندوق مكون من مادة "الفِل" المخصصة للاحتفاظ بدرجة حرارة منخفضة للأسماك. ويقول: "أستمتع وأسرتي بتناول الأسماك التي أصطادها وخصوصاً في فصل الخريف، وهو أفضل فصول العام لصيد الأسماك في الإسكندرية". ويوضح أن "خير البحر كثير. في المناطق الصخرية، نصطاد الجاندوفلي والكابوريا وأسماك الشراغيش والبطاطا. وفي الشواطئ الرملية، نصطاد أسماك الدنيس والبربون والمرجان، وعادة ما تكون مرتفعة الثمن وبالتالي لم نعد قادرين على شرائها". ويلفت إلى أن "الصيد يعلّم الصبر وطول البال ويساعد في التخلص من المشاكل والهموم، عدا عن تحضير الأدوات". 
ويقول الشقيقان لـ"العربي الجديد": "يكون الصيد صعباً خلال أشهر الصيف بسبب حرارة الشمس الحارقة التي تؤدي إلى ابتعاد الأسماك إلى عمق البحر. إلا أن كل ذلك ينتهي ويزول نهاية اليوم، ولا أفكر سوى بالاستمتاع بما اصطدته مع أسرتي".

الصيد يحسن المزاج (العربي الجديد)
الصيد يحسن المزاج (العربي الجديد)

من جهته، يقول محمود الإسكندراني، أحد أشهر بائعي الطعم الذي يستخدمه الصيادون، إن "الصيد في البحر المتوسط صعب، لأن الأسماك باتت تعرف كيفية الهرب من الصياد، ولا تأكل أي طُعم في أي وقت من العام". يضيف: "أبيع الطُعم عند سواحل البحر الأبيض وأخرى على سواحل البحر الأحمر بحسب اختلاف المواسم. لذلك، أستطيع القول إن الأسماك لها مزاج متغير. في بعض الأيام تأكل أي طعم، وفي وقت آخر تأكل نوعاً واحداً فقط. وأحياناً، تكتفي بأقل قدر منه". ويوضح أن "الأسماك في الإسكندرية قليلة العدد وكثيرة الترحال، ولا تستوطن مكاناً واحداً لفترات طويلة، الأمر الذي يُصعب من مهمة الصياد ويضطره لتغيير موقعه كل يوم وفي كل رحلة صيد. ودائماً ما أنصح الصيادين باستخدام أكثر من نوع حتى يتمكنوا من تحديد الأفضل".
من جهته، يقول جرجس ماجد الذي يبيع أدوات الصيد في منطقة بحري بالإسكندرية: "هواة الصيد يستخدمون صنارة المكنة البدائية ويرمون الطعم في المياه. ولا يرتبط الأمر بمدى الخبرة أو نوع السمك المستهدف. إذ إن الصيد هنا مربوط بالهواية قبل أي شيء". 

إلى ذلك، يقول نقيب الصيادين بالإسكندرية أشرف زريق إن الصيد الحر هواية تتوارثها الأجيال منذ آلاف السنين على شواطئ المدينة، وتعد وسيلة رئيسية للتسلية والتنافس، مضيفاً أن ارتفاع أسعار الأسماك في الأسواق جعل من الهواية وسيلة حقيقية لتحقيق الرزق، سواء من خلال توفير الغذاء اليومي للصيادين وأسرهم أو عبر بيعها في الأسواق. يضيف: "على الرغم من اختلاف حال الطقس خلال العام، إلا أن هواة الصيد لا يتراجعون، ويبقون ساعات طويلة في مواقع الصيد في انتظار أرزاقهم، ولا يعودون إلى منازلهم إلا بعد تحقيق صيد وفير". ويشير إلى أن بعض الأماكن تستلزم الحصول على تصاريح أو دفع رسوم لممارسة الصيد بالصنارة، التي تحمل اسم "صيد الهواة" والتي فُرضت في عام 1983. ويحق للسلطات المعنية منع هواة الصيد في حال عدم حملهم تصاريح، بالإضافة إلى مصادرة أدوات الصيد.

المساهمون