صحة غزة... خيام وصالات أفراح تتحول إلى مراكز علاج

صحة غزة... خيام وصالات أفراح تتحول إلى مراكز علاج

12 ابريل 2024
تقدم العلاج للطفل داخل الخيمة (عبد زقوت/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة، تم تدمير غالبية المستشفيات وتهجير السكان، مما أدى إلى إنشاء مراكز صحية مؤقتة في خيام وصالات أفراح بمبادرة من متطوعين وطواقم طبية لتقديم الرعاية للمرضى والجرحى.
- المراكز الصحية القائمة تعاني من ضغط شديد بسبب توافد المرضى بشكل مستمر، مع تركيز خاص على النساء الحوامل والأطفال وكبار السن، بالإضافة إلى المرضى بمشاكل في الجهاز الهضمي.
- النقص الحاد في الأدوية والمعدات يحد من قدرة المتطوعين والطواقم الطبية على تقديم الرعاية الكاملة، لكن هذه المبادرات تشكل دعمًا حيويًا للمرضى في ظل الظروف الصعبة، مع تأكيد منظمة الصحة العالمية على الضغوط المتزايدة على النظام الصحي في غزة.

في ظل تدمير الاحتلال الإسرائيلي غالبية مستشفيات قطاع غزة وتهجير أهله، عمد متطوعون وطواقم طبية إلى إنشاء مراكز صحية في خيام وصالات أفراح في رفح لمساعدة المرضى والجرحى بما تيسّر.

على الحدود الفلسطينية المصرية ثلاث خيام أنشأها عدد من المتطوعين من خريجي كليات الطب والتمريض، لتقديم الرعاية الطبية للمرضى والجرحى والنساء الحوامل والأطفال. كذلك يحضر أطباء متخصصون إلى الخيام لساعات عدة يومياً، للمساعدة في تقديم العلاجات.
في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، تزداد معاناة النازحين يومياً، في ظل انتشار الأمراض المعدية. كما تزداد معاناة الجرحى جراء العدوان الإسرائيلي المستمر منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في وقت يُحوّل عشرات الآلاف من أصحاب الأمراض المزمنة إلى رفح، أكثر المحافظات استقبالاً للنازحين. 
وتشهد المراكز الصحية الحكومية وتلك التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" ضغوطاً كبيرة، في ظل توافد الكثير من المرضى والجرحى للعلاج بشكل متواصل، وسط عدم القدرة على تنظيم المواعيد وإعطاء المرضى العلاج الكامل، كما يقول طبيب أمراض الجهاز الهضمي والمتطوع محمد الدريملي، الذي يتردد إلى الخيام ويعمل في مركز صحي في رفح.  
تطوّع الدريملي داخل إحدى الخيام الموجودة على الحدود. في البداية، أنشئت الخيمة لاستقبال النساء الحوامل على أيدي متطوعين من ممرضين وطبيبة أمراض النساء والتوليد جميلة الدريملي، التي طلبت الاستعانة بطبيب متخصص في أمراض الجهاز الهضمي. ويقول لـ "العربي الجديد": "أعمل في مركز صحي ثماني ساعات يومياً، ثم أداوم في الخيمة حوالي ثلاث ساعات. أما شقيقتي جميلة، فتعمل في الخيمة حوالي خمس ساعات، بالتعاون مع متطوعين، من بينهم ممرضات يتولين متابعة حالات الحوامل وتقديم الرعاية لهن. هكذا أصبحت الخيمة تُعنى برعاية الحوامل وكبار السن والأطفال والرجال، بالإضافة إلى الأشخاص الذين يشكون أوجاعاً في المعدة والجهاز الهضمي".
ومؤخراً، أنشئ في مدينة رفح عدد من الخيام وخصصت صالات أفراح لعلاج المرضى تحت إشراف متطوعين وطواقم طبية وممرضين وجراحين ومتخصصين في العلاج الطبيعي. ويعمل بعض الأطباء فيها بشكل تطوعي، ليضاف إلى عملهم في مستشفيات خاصة وأخرى تابعة لأونروا وغير ذلك.
وتقدّم الخيام خدمات صحية للنساء والمسنين والأطفال وغيرهم من أصحاب الحاجة، بالإضافة إلى الجرحى جراء استمرار العدوان. ويشجع الدريملي تلك المبادرات في ظل الحاجة الكبيرة لدى أهالي القطاع للرعاية الصحية في ظل الإمكانات المحدودة، إلا أنه يتحدّث عن نقص الأدوية والعلاجات. يضيف أن "هذه المبادرات داخل الخيام وصالات الأفراح تشكل سنداً للمرضى والجرحى في ظل الحاجة الكبيرة، إلا أنها لا تقدم حلولاً جذرية جراء النقص الكبير في المعدات وغير ذلك. إلا أن الجهود المبذولة والحماس الذي يبديه الشبان والشابات المتطوعين، يساهمان أحياناً في إنقاذ بعض الأرواح وتوفير الرعاية الدورية".  

قضايا وناس
التحديثات الحية

في وقت سابق، قال مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، إن عشرة مستشفيات من أصل 36 تعمل بشكل جزئي في غزة والنظام الصحي لا يكاد يصمد. من بينها مجمع الشفاء الطبي الذي عمد الاحتلال الإسرائيلي إلى تدميره. ووصف عضو لجنة الطوارئ الصحية في غزة، معتصم صلاح، الوضع في المجمع بأنه "كارثي"، مؤكداً أن المجمع الصحي الفلسطيني الأكبر "لن يعمل بعد اليوم"
ما سبق زاد الضغط في الوقت على المستشفيات العاملة، غير القادرة على استيعاب أعداد المرضى والجرحى، وخصوصاً مستشفى الشهيد أبو يوسف النجار الحكومي في مدينة رفح ومستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح. كذلك أخرج الاحتلال الاسرائيلي 53 مركزاً صحياً عن العمل، معظمها في مدينة غزة وشمال القطاع ومدينة خانيونس، وهو ما يحاول الناشطون والمتطوعون تعويضه من خلال إنشاء خيام الطوارئ والاستفادة من صالات الأفراح، كما يقول الممرض محمد حسونة.
حسونة ممرض كان يعمل في مستشفى النصر الحكومي للأطفال في مدينة غزة قبل اقتحامه من قبل جيش الاحتلال في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، وبات ينشط داخل خيمة لرعاية الأطفال ويتولّى متابعتهم بشكلٍ متواصل. ويقول إن "الخدمات تشمل رعاية وفحص الأطفال وتزويدهم بالحقن والأدوية، وخصوصاً المصابين بأمراض معدية، بالإضافة إلى إجراء فحوصات الدم وغير ذلك". 

عيادة أسنان في خيمة (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)
عيادة أسنان في خيمة (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)

يقول حسونة لـ"العربي الجديد": "أعمل ست ساعات يومياً داخل الخيمة، بالإضافة إلى ست ساعات أخرى داخل مركز صحي قريب من منطقة البلد في رفح، وقد حصلت على موافقة من لجنة الطوارئ لجعل الخيمة بمثابة خيمة طوارئ. لكن الأدوية والمعدات قليلة. في بعض الأحيان، نتولى فحص الأطفال ونحث أسرهم على التوجه إلى المراكز الصحية إذا ما كانت حالتهم صعبة وتتطلب تدخلاً". من جهة أخرى، يشير إلى "النجاح في إغاثة الكثير من الأطفال بما يتوفر لدينا من أدوية ومعدات".
يضيف: "يواجه الأطفال في مدينة رفح كوارث جراء سوء التغذية وغياب النظافة والكثير غيرها، الأمر الذي يساهم في انتشار عدوى الأمراض بشكل كبير، ويكمل "حصلنا على بعض الأدوية من المنظمات الصحية والحقن لعلاج نزلات البرد والأمراض المعوية وغيرها من الأمراض المنتشرة بين الأطفال، وقد ساهمت الخيمة في علاج كثيرين، لكنها تبقى أشبه بعيادة رعاية متنقلة وليست دائمة".
تحولت صالة الأميرة للمناسبات في مدينة رفح إلى مركز لإيواء مرضى السرطان والفشل الكلوي، الذين يعانون ويتألمون في ظل اضطرارهم إلى انتظار الحصول على مواعيد للعلاج، وخصوصاً أولئك الذين أجبرتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي على النزوح من محافظتي غزة وشمالها، والذين يجدون صعوبة في نقل سجلاتهم الطبية إلى رفح والحصول على الحد الأدنى من العلاج. 
كانت الصالة تضم حوالي 45 مريضاً من الرجال والنساء والأطفال، بعدما نجح ناشطون في تحويلها إلى مركز إيواء للمرضى وأسرهم. ويمكن للمرضى المبيت في الصالة، وخصوصاً أولئك الذين واجهوا ظروفاً صعبة ولم يتمكنوا من تلقي العلاج في مستشفى أبو يوسف النجار الحكومي الصغير، والذي لا يستطيع استيعاب أعداد المصابين والجرحى المتوافدين بشكلٍ يومي، ونقص الأسرة. وكان البعض يتلقى العلاج من دون أن يجد مكاناً يجلس فيه. 
الظروف صعبة جداً داخل الصالة على الرغم من محاولات المتطوعين تأمين ما تيسر من الاحتياجات، وهي كثيرة. لا تتوفر العلاجات والأطعمة المناسبة للمرضى، وإن كان جزء من المساعدات العلاجية التي تدخل القطاع لصالح المراكز الصحية يقدم للمتطوعين. أحد الممرضين الذين يتناوبون على العمل في الصالة، ويدعى عز الدين سكر، كان قد تطوع ضمن الطواقم الطبية في مستشفى ميداني وفي الصالة، كما يتولى رعاية عدد من الجرحى داخل الخيام على الحدود الجنوبية.

ويشير سكر إلى أن مالك الصالحة خصص الصالة لإيواء المرضى مجاناً، إلا أنه ليس المكان الأنسب لرعاية أصحاب الأمراض المزمنة، وخصوصاً أنه ضيق ولا تتوفر فيه التجهيزات. والمشكلة الأساسية أنّه لا يعد مركزاً صحياً ويديره متطوعون من مناطق مختلفة. ويوضح أنه بمثابة مركز طوارئ غير معتمد ولا يخضع لسلطة أية جهة رسمية، بما فيها وزارة الصحة، في ظل الأحداث والتحديات المتراكمة. 
يقول سكر لـ"العربي الجديد": "المرضى هنا يتلقون علاجاً قليلاً لكنه المتاح في ظل عدم القدرة على الانتقال إلى المستشفى لمتابعة العلاج. وأحد المعوقات هو عدم وجود وسائل مواصلات وأطعمة صحية. لكنّهم على الأقل يحصلون على علاج تخفيفي من كشف طبي وقياس الضغط وفحص الدم والعلاج الطبيعي وبعض الأدوية وغير ذلك". يضيف: "نقوم بدور تخفيفي ومتابعة على مدار الساعة. لكن بشكل أساسي، نقدم حوالي 30 في المائة مما يحتاجونه بشكلٍ حقيقي، ونشعر بأننا نقوم بواجبنا لكنهم يحتاجون إلى تدخل أكبر. بشكلٍ أساسي، كان الكثير من أصحاب الأمراض المزمنة يواجهون الموت بسبب قلة المتابعة الطبية والعلاج اليومي. ربّما ساهمنا في سد هذه الحاجة".  

المساهمون