شقيقات درنة... مناطق ليبية منكوبة بلا إنقاذ ولا مساعدات

شقيقات درنة... مناطق ليبية منكوبة بلا إنقاذ ولا مساعدات

18 سبتمبر 2023
أطفال ليبيون أمام منزلهم المتضرر في مدينة سوسة (محمد شلش/Getty)
+ الخط -

منذ الساعات الأولى للتعاطي مع الكوارث التي خلفتها العاصفة دانيال في مناطق شرقي ليبيا، ركزت جهود الحكومتين القائمتين في البلاد على الفاجعة الكبيرة في مدينة درنة، مع تراجع الاهتمام بالمناطق الأخرى التي ضربتها العاصفة، والتي غمرت السيول الناتجة عنها كل المناطق الواقعة ما بين بنغازي والتميمي، بمساحة تبلغ نحو 350 كيلومتراً. 
في أول يومين بعد العاصفة، حظيت بعض المناطق المنكوبة باهتمام رسمي، من بينها المرج والبيضاء وشحات وسوسة، إضافة إلى درنة، لكن العديد من القرى الصغيرة التي طاولتها الأضرار ظلت بعيدة عن الاهتمام الحكومي بل والشعبي، مثل مناطق البياضة وقصر ليبيا وقندولة والوردية وتاكنس وبطة والحنية، وهي تقع على طول 120 كيلومتراً في المسافة بين مدينتي البيضاء والمرج، بالإضافة إلى منطقتي التميمي والمخيلي الواقعتين إلى الجنوب الشرقي من درنة. 
وفيما ارتفعت الأرقام الرسمية للجثث المنتشلة إلى أكثر من 11 ألف وفاة في مدينة درنة التي تقدر أعداد سكانها بنحو 100 ألف نسمة، فإن الأمم المتحدة تؤكد أن الأرقام أكبر من المعلن من جانب السلطات الليبية، وأن أعداد المفقودين تتجاوز 10 آلاف مفقود، لكن التقارير الأممية تقدر عدد المتضررين بشكل مباشر في ليبيا بنحو 884 ألف شخص، في إشارة واضحة إلى المنكوبين في بقية المناطق خارج درنة، مطالبة بدعم يزيد على 71 مليون دولار من أجل تأمين المساعدة الفورية لنحو 250 ألف شخص. 

الاهتمام الحكومي والشعبي يتجاهل قرى ليبية عدة طاولتها العاصفة

ونتيجة للأزمة، ما زالت أبواب المؤسسات الحكومية في المناطق المتضررة مغلقة، وعلى رأسها المصارف، ما يضيف معاناة أخرى في توفير السيولة المالية لأهالي المناطق المتضررة، باستثناء النزر اليسير القادم مع الإغاثة، في حين شهدت أسواق المواد الغذائية ارتفاعاً ملحوظاً في الأسعار، ما يزيد من حجم المعاناة، ويزيد الطلب على حملات الإغاثة المحلية. وفي حين يعمل العدد الأكبر من أهالي المناطق المنكوبة في الزراعة وتربية المواشي والنحل ورعي الأغنام وتجارة الأعشاب الطبية، إلا أن العاصفة دمرت كل شيء، تاركة مصير سكان درنة وشقيقاتها رهين المجهول.
يقول سيف عبد الرحمن، من قرية البياضة الواقعة في منتصف المسافة بين البيضاء والمرج، لـ"العربي الجديد": "تعيش منطقتنا نكبة كبيرة، ولا يعني أننا لا نعيش في مدينة أننا لا نعتبر منكوبين. حجم الدمار في البياضة كبير، والأمر نفسه قائم في تاكنس، وقصر ليبيا، وقندولة، والحنية، وقرية الوردية اختفت تماماً، وغالبية السكان نزحوا من مناطقهم، ولا يتردد عليها إلا من يحاول إعادة تأهيل بيته".    
تجاور الوردية البياضة، وتظهر مقاطع فيديو متداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي اختفاءها عن الخريطة المسكونة، وعلى الرغم من صغر القرية وقلة عدد سكانها، إلا أن عدد الوفيات فيها بلغ 26 وفاة، كما تدمرت كل بيوتها القروية.

فتحت الطرق إلى المناطق الليبية لوصول فرق الإنقاذ (عبد الله بونغا/الأناضول)
فتح طرق شرقي ليبيا أمام فرق الإنقاذ (عبد الله بونغا/الأناضول)

ويقول الناشط المدني سعد العقاب، لـ"العربي الجديد": "الوردية قرية لم تعد موجودة، اختفت بمنازلها وسياراتها ومزارعها، كما غمرت السيول كل مراعيها، وقضت على مصادر قوت السكان، وهي الأغنام والنحل. من نجوا من السكان نزحوا عند أقاربهم في مناطق بعيدة، ولهذا لا يصنفون كنازحين ليقصدهم المتطوعون بالإعانات. إنهم بدو، وعزة نفس سكان الجبال تمنعهم من استعطاف أو استجداء الناس، ولهذا يكتفون بمشاهدة قوافل الإغاثة المارة من الطريق الساحلي الذاهب إلى المدن الكبرى، وربما لا يدري القائمون على الإغاثة حجم الخراب الذي حل بالقرية، أو حجم حاجات أهلها، فاسم القرية الصغيرة لم يتم تداوله في وسائل الإعلام بالشكل الكافي، وبالتالي لم تعرف فاجعة سكانها". ويتهم العقاب حكومة مجلس النواب في الشرق، وحكومة الوحدة الوطنية في الغرب بالتقصير، ويضيف: "لم تستطع الحكومتان تجاوز خلافاتهما حتى في هذا الظرف الحالك، واعتمدتا على التضامن الاجتماعي الكبير الذي خلفته الكارثة، ووحد قلوب الليبيين، ودفعهم جميعاً للتكاتف، وتناسي القبلية والمناطقية".  

الكهرباء مقطوعة في مناطق ليبية منكوبة بعد مرور ستة أيام على العاصفة

لجأ سكان منكوبون من الوردية والبياضة وقندولة المتجاورة إلى مستشفى الحنية القريبة لتلقي العلاج، لكن مدير المستشفى، صالح الخشبي، أكد أن المستشفى شبه فارغ، ولا يملك أي تجهيزات لتقديم المساعدة للمصابين، وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "المنطقة كلها لا تضم سيارات إسعاف، فيما الأهالي انتشلوا العديد من الجثث التي جرفتها السيول، ونقلوها إلى المستشفى، ثم تقرر دفنها، وأقرب مستشفى يتوفر على تجهيزات هو مستشفى البيضاء، لكن المدينة ضربتها السيول أيضاً".  
ويشرح آمر غرفة النجدة بمنطقة الحنية، التابعة لمديرية أمن البيضاء، أن "مناطق الحنية والوردية وقصر ليبيا والبياضة، كلها مناطق طاولتها الكارثة، ولم يصلها أية إمدادات ولا إغاثة، ولا تزال الكهرباء مقطوعة في بعضها على الرغم من مرور ستة أيام على مرور العاصفة".  
ويقول مدير المكتب الإعلامي لبلدية البيضاء، خالد يونس، لـ"العربي الجديد"، إن "عدد الضحايا في البيضاء والمناطق التابعة لها إدارياً بلغ 114 وفاة، وأعداد المشردين تتجاوز سبعة آلاف. نحاول توثيق أعداد المفقودين، والأكثر إلحاحا هو توفير الإمكانيات للبدء في البحث عن المفقودين، فالبلاغات تتكرر حول وجود روائح تنبعث من داخل المزارع والبيوت التي لا يزال بعضها تغمرها المياه كونها في بطون الأودية، والأولوية حالياً لإعادة تأهيل الطرق الرابطة بين هذه المناطق حتى تتمكن فرق الإنقاذ من الدخول إليها".  

الصورة
الكثير من الجثث لفظها البحر على شواطئ ليبيا (الأناضول)
الكثير من الجثث لفظها البحر على شواطئ ليبيا (الأناضول)

ويعزو الناشط سعد العقاب أسباب إهمال الأوضاع في تلك المناطق إلى "التخبط الرسمي في إدارة الأزمة، فالدول المتدخلة للمساعدة، والمتبرعون المحليون لم يجدوا التعاون أو الإرشاد الكافي من الجهات الحكومية، والتي فشلت في ترتيب أولويات الإنقاذ والإغاثة، والنتيجة أن المناطق المتضررة لم يصل إليها المنقذون، ولم يصل إليها الغذاء أو الدواء، ولا تتوفر فيها الخدمات الصحية الكافية. كل الجهود منصبة على فاجعة درنة، وفيها أكثر من 6 مستشفيات ميدانية، والمئات من المتطوعين في مجالات متعددة، وفرق إنقاذ دولية. ماذا عن بقية المناطق؟ لماذا لا يذهب قدر من هذا الدعم إليها طالما أن وزير الصحة يشكو من ازدحام المتطوعين في درنة، وعرقلتهم لسير أعمال الإنقاذ والإغاثة؟". ويلفت العقاب إلى أن "المؤتمرات الصحافية الحكومية تركز على الجهود في درنة وحدها، بينما هناك بلاغات من مناطق أم بريكات، والقرضية، ورأس التين، والتميمي في غرب درنة، تفيد بوجود عشرات الجثث المتكدسة على الشواطئ بعد أن لفظها البحر، وبلاغات تؤكد وجود جثث داخل كهوف وخلجان على شاطئ البحر، ما يتطلب جهوداً كبيرة لانتشالها".
وأظهر مقطع فيديو متداول قارباً صغيراً على متنه عدد من المتطوعين، رجعوا من جولة على شواطئ مناطق مجاورة لمدينة درنة، وكانوا يقرون بعجزهم عن انتشال قرابة 600 جثة متناثرة على شواطئ تلك المناطق بسبب تحللها. 

يقول الناشط يعقوب عبد العليم، إن هناك شكاوى متعددة من سكان منطقتي التميمي والمخيلي، من تجاهل الكارثة التي ضربتهما، مؤكدين انتشار الروائح، ما ينذر بوجود جثث تحت الركام والأنقاض، خاصة في الأودية التي جرفت السيول إليها  سيارات يعتقد أن ركابها دفنوا فيها.
يضيف عبد العليم لـ"العربي الجديد": "في مدينة سوسة الساحلية، جرفت مياه السيول مقبرة المدينة بالكامل، وتسببت في كارثة ثانية تؤرق الأهالي، إذ كان الاعتقاد السائد حول الروائح أنها لجثث قاطني العمارات السكنية المنكوبين، والتي لا تزال المياه تغمر بعضها، لكن مع الانحسار الجزئي للمياه، تبين أن السيول جرفت جثثاً دفنت حديثاً في المقبرة. فرق الإنقاذ لم تصل إلى المدينة بعد، ويخشى وصول الأمر إلى تسمم الهواء، ما يتطلب تدخلاً عاجلاً لانتشال الجثث الجديدة، وإعادة دفن الجثث التي جرفتها السيول من المقبرة".
وتمكنت الجهود من إعادة ربط مدينة سوسة بما حولها من مدن بعد إجراء صيانة لأحد منافذ المدينة، لكن أزمات المدينة أكبر، فعدد من فقدوا منازلهم كبير، ما يعزز الحاجة إلى المساكن الجاهزة، وهو أمر فطنت له حملات الإغاثة التي لم تتوقف من الغرب الليبي، إذ شوهدت أعداد من الشاحنات التي تحمل مساكن جاهزة، لكن أعدادها لا تكفي. 

المساهمون