سورية: تبرعات الأهالي واجهة لـ"إنجازات النظام"

سورية: تبرعات الأهالي واجهة لـ"إنجازات النظام"

23 يناير 2023
يصوّر النظام جمع التبرعات باعتباره إنجازاً له (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -

أطلق مسؤولو مجالس محلية ووجهاء في بعض مدن وبلدات محافظة درعا جنوبي سورية مبادرات لجمع تبرعات من أجل تحسين الواقع الخدماتي في مدنهم وبلداتهم. ونجحت بعض هذه المبادرات، فيما واجهت أخرى معارضة لأسباب عدة أهمها موقف الرأي العام من الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، وانتشار الفقر والجوع في كل مناطق الجنوب.
في بلدات داعل وتسيل وإبطع بريف درعا، جمع أهالٍ ومغتربون مئات ملايين الليرات السورية ضمن حملة بعنوان "فزعة أهل الخير" التي أدارتها مباشرة المجالس المحلية التابعة للنظام السوري وعدد من الوجهاء، ثم امتدت المنافسة على "الفزعة" إلى بلدات نوى والكرك الشرقي والشيخ مسكين وخربة غزالة.

ولم يختلف الوضع كثيراً في بلدات ريف السويداء التي شهدت في الشهرين الماضيين جمع تبرعات من أهالي ومغتربين، وبينها في الثعلة وعرمان وشقا، وقرى مجادل رضيمة اللوا والمتونة وعمرة، استهدفت تحديداً ربط الكهرباء المشغلة لآبار مياه الشرب بخط بعيد عن التقنين، وحفر آبار جديدة. 
يقول الناشط أبو يزن الحربي لـ"العربي الجديد": "جرى جمع مليار ونصف المليار ليرة سورية (154 ألف دولار) خلال أيام في بلدة داعل بهدف تحسين الواقع الخدماتي عبر إصلاح منشآت آبار مياه، وإنارة طرق عامة باستخدام شبكات الطاقة الشمسية. وفي بلدة ابطع بالريف الشرقي جُمع أكثر من 200 مليون ليرة سورية (31 ألف دولار) إضافة إلى مبالغ أخرى تبرع بها أفراد لحفر بئر مياه، وإنارة شوارع".
يُضيف: "ما يجمع هذه الفزعات هو المجالس المحلية التي عينها النظام السوري في النصف الثاني من العام الماضي بعد انتخابات محلية من طرف واحد ولون واحد تمحور حول حزب البعث الذي اختار قبل أشهر مجالس المدن والبلدات بعناية بالتعاون مع الفروع الأمنية تمهيداً لمنح المواطنين الموالين أصواتهم لها. كما يساهم وجهاء محليون يحظون برضا قيادات البعث في هذه الفزعات، ما يخلق انطباعاً وآراءً لدى المواطنين في شأن ماهية التبرعات ونجاحها في تحقيق الأهداف المنشودة".
ويعترض الناشط الإعلامي عمران العيسى الذي يسكن في مدينة بصرى الشام على صفحته على "فيسبوك" على هذه التبرعات، ويكتب: "ليست مهمة المجتمع المدني حفر الآبار وبناء المدارس وإنارة الشوارع. كان الأجدى توجيه المليارات التي جُمعت من الأهالي والمغتربين إلى مشاريع تخدم الشباب، وتقلل الهرب والهجرة، أو لتجهيز مستشفيات عامة ومراكز صحية تخدم المرضى الفقراء الذين يعجزون عن علاج أسرهم في مستشفيات خاصة".
ويرى العيسى أن "النظام السوري يستنزف السوريين لتأديبهم على مواقفهم في السنوات السابقة، علماً أن أية فزعة تحت راية حزب البعث مصيرها الفساد والفشل".

الصورة
أفسد النظام السوري المؤسسات الخدماتية (بسام الشامي/ الأناضول)
أفسد النظام السوري المؤسسات الخدماتية (بسام الشامي/ الأناضول)

وتحدثت المواقع الإعلامية شبه الرسمية عن "الفزعات"، وحثت المواطنين على التبرع والمساهمة في إعادة تأهيل منشآت الخدمات العامة من دون أن توجه أي انتقادات لمنظومة الفساد الإداري والسرقات التي أوصلت هذه المؤسسات إلى الفشل.  
وبالتزامن مع تأجيج العواطف وخلق روح المنافسة بين الناس لجمع التبرعات من أجل تلبية الاحتياجات الخدماتية لبلدات، صوّرت هذه المواقع المسؤولين المحليين باعتبارهم طرفاً منظماً ورئيسياً في هذه التبرعات للإيحاء بأنها من إنجازات حكومة النظام.
وفي بلدة الثعلة التي تقع في الجزء الغربي من محافظة السويداء، وفّر أهالٍ ومغتربون الأموال المطلوبة لإنشاء خط كهرباء "بلا تقنين" لتغذية ثلاث آبار مياه. وجرى تدشين هذا الخط الذي يُغذي البلدة والمطار العسكري المحيط بها وجزء من مدينة السويداء في حضور ممثلي حزب البعث والمحافظ ومسؤولي مصلحة المياه، ثم تعطلت تجهيزات إحدى الآبار الثلاث، وتوقفت عن الخدمة بسبب عدم توفر إمكانات لدى مصلحة المياه لإصلاحها، فكرر أهالي البلدة جمع التبرعات لتنفيذ الإصلاحات.
يقول الناشط المدني هاني العزام لـ"العربي الجديد": "بعدما تخلّت الدولة عن مسؤولياتها تجاه المواطنين وأفسدت المؤسسات الخدماتية التي توفر المياه والاتصالات والكهرباء والرعاية الصحية والمحروقات، لم يجد المواطنون إلا وسيلة ترميم هذه القطاعات على حساب قوتهم اليومي. ولا مشكلة في هذه التبرعات والفزعات لأنني واثق بأن حكومة النظام لن تصلح ما أفسدته على المدى المنظور، لكن المشكلة أن تبقى تبعية هذه المرافق للسلطات نفسها التي سرقتها وأفسدتها، فنحن نستنزف المغتربين الذين هجّرتهم الدولة وندفع ضريبة بقائنا على قيد الحياة، مقابل خدمات مياه وهاتف مؤقتة تظل رهن رضا الدولة علينا".

ويبث تلفزيون درعا المحلي التابع لوزارة إعلام النظام السوري أخباراً يومية عن حملات "الفزعة" وأرقام الأموال التي جُمعت في البلدات، ويشحذ همم المغتربين، ويشيد بالأفراد المتبرعين. كما تركز مواقع إخبارية محلية في محافظة السويداء على أخبار إنجازات المغتربين والأهالي في جمع التبرعات لإصلاح آبار المياه ومدّها بالكهرباء "غير المقننة"، أو التبرع لتشغيل مركز خدمة الهاتف بالطاقة الشمسية، وتحرص على ربطها بـ"إنجازات المسؤولين"، علماً أن وزير الصحة في حكومة النظام السوري، حسن الغباش، سارع إلى محافظة السويداء لتدشين العمل بمعدات طبية قدمها الشعب الياباني للشعب السوري، كما حرص مسؤولو حزب البعث والمحافظ على حضور افتتاح قسم الجراحة النسائية في مستشفى السويداء العام الذي رممته وجهزته بالكامل منظمة الصحة العالمية، وتواجدوا في الصور التذكارية للحدث المهم.

المساهمون