سبع سنوات على تهجير شرقي حلب

18 يناير 2024
خلال تهجير شرقي حلب عام 2016 (عارف وتد/ الأناضول)
+ الخط -

بين نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2016 ويناير/ كانون الثاني 2017 نفذت قوات النظام السوري عملية تهجير قسري لسكان أحياء شرقي مدينة حلب السورية، بعد قصف منشآت القطاعات الحيوية، وبينها الأفران والأسواق والمستشفيات، ما أخرجها من الخدمة.

مرّت سبع سنوات على خروج آخر حافلة أقلّت مهجرين من أحياء شرقي مدينة حلب، شمال سورية، بعدما حاصرتها قوات النظام السوري وقوات حليفيه روسيا وإيران، وقصفتها ببراميل متفجرة وصواريخ، ثم عاش سكان هذه الأحياء معاناة التهجير والإبعاد عن بيوتهم وممتلكاتهم. يتذكّر الحقوقي ابن مدينة حلب سامر قربي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه "أثناء عملية التهجير القسري للأهالي، احتجزت قوات النظام قافلة مغادرين، فتوجهت إلى عناصر فرق الهلال الأحمر السوري وسألتهم لماذا لا يتدخلون لحماية القوافل، فأجابوا بأن هذا الأمر ليس من اختصاصهم، وأن مهمتهم تنحصر في تنسيق قوافل التهجير، في حين يظل الخروج من المدينة من مسؤولية الناس بضمانة أطراف محددين".
يضيف: "في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016 فوجئ الجميع باتخاذ مجلس الأمن القرار رقم 2328 الذي قضى بإرسال لجنة لمراقبة خروج المدنيين من أحياء شرقي حلب، ثم انتهت عمليات إخراج قوافل المدنيين قبل وصول هذه اللجنة، في حين جرى توثيق خروج المقاتلين فقط، ما شكل مؤامرة بحدّ ذاتها. ووضع غالبية المهجرين صعب حالياً فهم لا يزالون يحاولون التأقلم، وقد سلب شبيحة النظام ورجال الأمن بيوت الناشطين والمعارضين الذين يأملون بالخروج من النكسة والعودة إلى ديارهم".
وفي حديثه لـ"العربي الجديد"، يصف المحامي عثمان الخضر ما جرى في مدينة حلب بأنه "جريمة تهجير قسري نفذها النظام السوري بدعم من المليشيات الإيرانية والقوات الروسية، من خلال حملة همجية وبربرية استهدفت المرافق الحيوية العامة والمستشفيات والمدارس، وترافقت مع ارتكاب مجازر في حق المدنيين، قبل أن يُجبر الناجون على مغادرة المدينة".

يتابع: "يعتصر منذ سبع سنوات قلبنا ألماً على المدينة الحبيبة التي تربينا فيها والتي نأمل في أن نرجع إليها، ونسأل الله الخلاص وإنشاء دولة الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية التي يسودها حكم القانون الذي يحفظ حقوق كل المواطنين بعيداً عن التمييز بين مكونات الشعب ضمن دولة واحدة توفر الأمن والسلام".
ويقول الممرض أحمد سويد، الذي عمل ضمن منظومة الإسعاف خلال التهجير القسري، لـ"العربي الجديد": "اعتبر التهجير من حلب الخيار الأخير بعدما عزمت قوات النظام وتلك الروسية على ارتكاب جرائم إبادة جماعية إثر محاصرة نحو 300 ألف مدني في منطقة جغرافية صغيرة جداً، علماً أنه يعرف عن الروس تحديداً تطبيقهم سياسة الأرض المحروقة. بالطبع كان الخروج من حلب بمثابة خروج الروح من الجسد. وبعد المغادرة لم يجتمع أهالي هذه الأحياء في منطقة واحدة، بل انتشروا في مناطق مختلفة بريف حلب الغربي والشمالي وإدلب، وهم لم يذوقوا طعم الراحة والاستقرار حتى الآن بسبب بعدهم عن مدينتهم".
يضيف: "بالنسبة إلى الوضع الحالي للأحياء الشرقية بمدينة حلب التي شهدت التهجير، فهي مهمشة وبلا خدمات، في حين لا يزال الدمار على حاله، وهو ما يظهر تعمّد النظام إهمال توفير كل أنواع الخدمات فيها. وخلال وجودي في حلب شهدت مجازر كثيرة لا أستطيع أن أنسى ذكرياتها المؤلمة جداً التي لا تزال عالقة في ذهني، وآمل في محاسبة النظام المجرم والمليشيات التابعة له".

لا تزال أحياء التهجير من شرقي حلب مدمرة (أيبو أيمين/ الأناضول)
لا تزال أحياء التهجير شرقي حلب مدمرة (أيبو أيمين/ الأناضول)

من جهته، يتحدث المحامي زياد المحمد، لـ"العربي الجديد"، عن أن التهجير القسري نتج عن الحصار الخانق الذي اتبعه النظام والأرض المحروقة، وتدمير كل وسائل الحياة من أسواق ومدارس ومستشفيات وآليات، حيث أصبح يتعذر سلوك الطرقات بسبب ركام المباني المقصوفة. وحصل التهجير خلال أيام البرد الشديد فكانت معاناة الأهالي كبيرة، وتعرض أشخاص انضموا إلى إحدى القوافل لضرب من عناصر مليشيات إيرانية، وواجهوا بالتالي ضغوطاً نفسية كبيرة والشعور بالقلق والخوف. وحالياً تعتبر أوضاع من تهجروا صعبة للغاية، وقد استأجر معظمهم منازل في مدن في حين يسكن آخرون في مخيمات، ويواجه كثيرون صعوبات كبيرة في إيجاد عمل وتسديد الإيجارات والمصاريف الكبيرة في المناطق التي انتقلوا إليها". 
يتابع: "نسبة البطالة كبيرة لدى المهجرين من حلب الذين دمرت معظم منازلهم، في حين استولت المليشيات وعناصر الشبيحة على المنازل الصالحة. يتواصل صراع المهجرين مع معركة الحياة، ويجتمع بعضهم في مجموعة واتساب تحمل اسم ثوار حلب، وسبق أن نظّموا عدة وقفات احتجاج في مدينتي الباب وإدلب للتذكير بما حصل".

ويقول محمود عزيزة، الذي عمل مديراً للمكتب الإعلامي لمجلس مدينة حلب لـ"العربي الجديد": "عاش الأهالي أوقاتاً عصيبة خلال حصار أحياء شرقي حلب، وقد حوصرت مع عائلتي وعائلات أخرى في مبنى يقع عند جسر الحج، والذي قصف بدبابات ورشاشات مضادة للطيران فعشت مع زوجتي وابنتي في خوف كبير حين حاولت قوات النظام اقتحام المبنى، ثم حطم شبان أحد الجدران، وأوجدوا فتحة للخروج والهروب. ومن المواقف الصعبة التي عشتها أيضاً محاولة إنقاذ امرأة علقت تحت الأنقاض، وعندما وصلنا أليها طلبت أن نتركها وننقذ ابنها، وحين سقطت قذائف على المكان اضطررنا أن نتركها. كما شهدت مجزرة جبّ القبة التي تجعلني مشاهدها المؤلمة أبكي حتى الآن".
وحالياً يرجو السكان أن يعودوا إلى بيوتهم في حلب بعيداً عن الخوف والقصف والدمار وقنابل الطائرات الحربية. وتقول فاطمة العبدو، المهجرة من المدينة، لـ"العربي الجديد": "تعبنا من حياة التهجير بعد القصف والخوف. نريد فقط أن نعود إلى بيوتنا ونعيش بسلام".

المساهمون