روسيا: تشكيك بجدوى إجراءات مكافحة الكحول المغشوش

روسيا: تشكيك بجدوى إجراءات مكافحة الكحول المغشوش

24 يوليو 2023
أسعار المشروبات الكحولية مرتفعة في روسيا (Getty)
+ الخط -

تعود قضية مكافحة الكحول المغشوش إلى الواجهة في روسيا بعد سلسلة من حوادث التسمم بالمشروبات الكحولية التي أودت بحياة عشرات الأشخاص. ورغم التشديد على تراجع كميات الكحول المغشوش في الأسواق بسبب إجراءات مكافحته، إلا أن مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي يقر بأن المتداول يبلغ نحو 27 في المائة من حجم السوق.  
واقترحت رئيسة مجلس الاتحاد فالينتينا ماتفيينكو فرض ضريبة على إنتاج الكحول الإيثيلي، بما فيه المستخدم في الصناعات الطبية والعطور، حتى لا يستخدم الإيثانول الطبي في إنتاج المشروبات الروحية المغشوشة. 
وقبل أكثر من شهر أوردت أنباء محلية وفاة نحو 30 شخصاً من جراء التسمم في أقاليم روسية بعد تناولهم مشروباً كحولياً، بما في ذلك مقاطعات أوليانوفسك، ونيجني نوفغورود، وسامارا، وبينزا، وجمهورية أودمورتيا. وأظهرت التحقيقات احتواء المشروب على نسبة عالية من الميثانول وبيوتيرات الإيثيل اللذين يشكلان خطراً على الصحة، وتم اعتقال رجل أعمال مسؤول عن توريد المشروب في مقاطعة سامارا. 
وفي مطلع يوليو/ تموز الجاري، اقترح وزير التجارة والصناعة، دينيس مانتوروف، تشديد إجراءات الرقابة على تناول المنتجات المحتوية على الكحول، مع تكليف وزارة التنمية الاقتصادية بتوفير إمكانية للأقاليم لإجراء مراجعات للمتاجر من دون تنسيق مسبق مع النيابة.  
في المقابل، يقلل مدير مركز بحوث أسواق الكحول الفدرالية والإقليمية فاديم دروبيز من فعالية الإجراءات الرامية إلى مكافحة الكحول المغشوش في ظل ضعف الوعي الاستهلاكي وإقبال الفئات محدودة الدخل عليه بسبب غلاء المشروبات الكحولية المصنعة قانونياً مقارنة مع الحد الأدنى للأجور في روسيا.  
ويقول دروبيز لـ"العربي الجديد": "يجري الحديث عن فرض ضريبة على الإيثانول الطبي على أن تتمكن المؤسسات التي تستخدمه لأغراض طبية من استرداد قيمتها في وقت لاحق. لكن حالات التسمم بالكحول المغشوش غير ناجمة عن تناوله، وإنما عن استخدام الميثانول عن طريق الخطأ، وربما يكون الإجراء الأكثر فاعلية هو تغيير لونه. الإجراءات الحكومية موجهة ضد أعراض المشكلة لا جوهرها، فهناك ملايين من السكان محدودي الدخل الذين يشترون الكحول المغشوش الرخيص من متاجر غير قانونية، ما يجعل المشروبات المغشوشة تودي بحياة عشرات الأشخاص سنوياً".
ويرجع الظاهرة إلى غلاء المشروبات الكحولية في روسيا، قائلاً: "يتوفر في المتاجر الأوروبية نبيذ مقابل 2 يورو فقط للزجاجة، بينما الحد الأدنى للأجور والإعانات ما بين 700 إلى 900 يورو شهرياً. في المقابل يبلغ الحد الأدنى للأجور في روسيا نحو 16 ألف روبل (نحو 160 يورو)، بينما السعر الأدنى لزجاجة نصف لتر من الفودكا بموجب القانون 281 روبلا (2.8 يورو)".   

الصورة
احتساء الكحول راسخ في الثقافة الروسية (كيريل كودريافيتسف/فرانس برس)
احتساء الكحول راسخ في الثقافة الروسية (كيريل كودريافيتسف/فرانس برس)

في السياق، ذكرت صحيفة "كوميرسانت" الروسية أن تراجع سعر صرف الروبل إلى أدنى مستوياته منذ مارس/ آذار 2022، يضطر كبار مستوردي الكحول إلى رفع الأسعار بنسبة 10 في المائة. لكن دروبيز يستبعد تأثير هذه الزيادة على المشتريات، مرجعاً ذلك إلى أن "المشروبات الكحولية المستوردة لا يتناولها أفراد الطبقات محدودة الدخل، وبالتالي فإن من يشترونها قادرون على تحمل ارتفاع الأسعار".
ويُعرَف عن الروس إقبالهم على تناول الكحول، وأن الأمر جزء من ثقافة البلاد، وهناك كمّ هائل من النكات الشعبية والأفلام الكوميدية التي يعيش أبطالها مغامرات إثر تناولهم كميات من المشروبات الكحولية.
وينكر فاديم دروبيز تلك النظرية، قائلاً: "لا يتناول الروس الكحول أكثر من غيرهم، بل تشرب المجتمعات في حدود ما تسمح به القوة الشرائية والقوانين والتقاليد. لذا تعمل سلطات الدول الأوروبية على توفير مشروبات كحولية آمنة بأسعار في متناول الجميع، ليس من باب الإيثار، وإنما إدراكاً منها للأعباء المتعلقة بحوادث التسمم والأمراض الناجمة عن تناول الكحول المغشوش".  
وفي ثمانينيات القرن الماضي، شنت السلطات السوفييتية حملة واسعة لمكافحة انتشار الكحول، أتت ببعض النتائج الإيجابية، لكنّها ألحقت ضرراً كبيراً بميزانية الدولة، وخسائر في قطاع الصناعات الغذائية، وأدت إلى ازدهار السوق السوداء للمنتجات الكحولية المغشوشة. 

وتثار أقاويل كثيرة في روسيا حول دور الفودكا وغيرها من المشروبات الروحية في التاريخ المعاصر، وصلت إلى حد الزعم بأن برنامج مكافحة إدمان الكحول الذي اعتمده آخر زعماء الاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف كان من بين عوامل سرعة انهيار الاتحاد.
وقلل الكاتب والمدون الروسي دينيس بوزيريوف، صاحب كتاب "التاريخ الروسي المعاصر في 14 زجاجة فودكا"، في مقابلة سابقة مع "العربي الجديد"، من صحة هذه المزاعم، لافتا إلى أن تفكك الاتحاد السوفييتي حدث تاريخي معقد ناجم عن مجموعة من العوامل، ومذكراً بأن الفودكا كانت أحد أهم مصادر تمويل الخزينة في عهد روسيا القيصرية، على عكس ما كان عليه الحال في الحقبة السوفييتية التي اعتمدت على عوائد النفط والغاز.

المساهمون