رعاية المسنين... خدمات محدودة أو مكلفة في العراق

رعاية المسنين... خدمات محدودة أو مكلفة في العراق

15 فبراير 2024
عدد دور رعاية المسنين محدود في العراق (صافين حامد/فرانس برس)
+ الخط -

سجل العراق أعداداً كبيرة من حالات التعنيف الأسري خلال الآونة الأخيرة، وكان لكبار السن حصة ملحوظة في تلك الحالات، بينما يفترش آباء وأمهات مسنون الأرصفة في كثير من مدن البلاد، ويبحث آخرون عن مأوى بعد أن تقطعت بهم السبل نتيجة تخلي الأبناء عنهم.
وبينما تتفاقم الظاهرة، خصوصاً في المدن، يقابل ذلك بتقاعس حكومي كبير عن توفير مراكز لرعاية هذه الفئة من المواطنين، إذ إن أعداد دور رعاية المسنين في البلاد محدودة، ولا تقارن بأعداد كبيرة ممن يحتاجون إلى الرعاية، كما أن إنشاء المزيد من دور الرعاية لا يحتل أولوية في الخطط الحكومية.
من "دار العجزة" في العاصمة بغداد، تقول المسنة أم علي (70 سنة)، لـ "العربي الجديد": "أنا أم لتسعة أولاد، أربع بنات وخمسة أولاد، وجميعهم أكملوا الدراسة وتزوجوا، لكني لا أراهم إلا في المناسبات، وقد وجدت نفسي مضطرة للبقاء في دار المسنين بعد أن سرقتني ابنتي. لم أكن محتاجة لدعم مالي من أحد، إذ كنت أملك منزلاً كبيراً، ومال تركه لي زوجي، والقليل من المصوغات الذهبية، لكني كنت بحاجة إلى عناية كوني غير قادرة على الحركة بمفردي". تكمل: "ذات يوم أقنعتني إحدى بناتي بالذهاب الى دار العجزة كون ذلك أفضل من العيش بمفردي، وقد أحضرتني إلى هنا، ثم طلبت مني أن أخبرها بمكان الذهب والأموال، واكتشفت لاحقاً أنها أخذت كل ما أملك".
من جانبها، لم ترزق إيمان أحمد (55 سنة) بالأولاد، وتقول لـ "العربي الجديد": "تزوجت من رجل يكبرني بنحو 60 سنة، وعشت معه ما يقارب 17 عاماً، وترك لي مرتب التقاعد وبعضا من الميراث، فتمكنت من شراء منزل، لكني لا أستطيع أن أسكن بمفردي كوني أعاني من مرض نفسي، وعشت سنوات صعبة لم يكن يتحملني فيها أحد، ولا أحب أن أكون عبئاً على إخوتي وزوجاتهم، ما اضطرني للعيش مع أختي لمدة 14 عاماً، ومع تدهور حالتي الصحية، طلبت منها ان تحضرني إلى دار العجزة". تتابع أن "الدار جيدة، لكن التكاليف كبيرة، ولم أتمكن من الذهاب إلى دار حكومية كونها لا تسمح بإيواء المرضى النفسيين. أدفع 600 ألف دينار عراقي (نحو 450 دولاراً)، وهناك زيارة أسبوعية يسمح فيها بإحضار الملابس والطعام، كما يتاح لي الاتصال بالأقارب والأشقاء".

تقاعس حكومي كبير عن توفير مراكز لرعاية المسنين في العراق

أبو فهد (87 سنة) مصاب بمرض الزهايمر، وتروي شقيقته التي كانت برفقته لـ"العربي الجديد"، أن لديه ثلاثة أولاد وبنتا واحدة، لكنهم جميعاً يعيشون خارج العراق، وقد انفصل عن زوجته قبل نحو 30 سنة، وعاش بمفرده لسنوات معتمداً على راتب التقاعد، إلى أن أصيب بالمرض. تضيف: "عندها أخذته إلى منزلي لرعايته، ومع مرور الوقت، أصبت بمرض في ظهري، ولم أعد أستطيع مساعدته، فلم يكن لدينا خيار سوى جلبه إلى هذه الدار التي نصحتنا بها إحدى الصديقات، وهي دار جيدة، لكنها بحاجة إلى مزيد من العاملات، كما أن كلفتها عالية مقارنة برواتب المتقاعدين، ومن الضروري أن تكون هناك المزيد من دور المسنين الحكومية".

الصورة
يحتاج  المسنون إلى رعاية نفسية فائقة (صافين حامد/فرانس برس)
يحتاج المسنون إلى رعاية نفسية فائقة (صافين حامد/فرانس برس)

وتقول أمل عباس، وهي مديرة إحدى دور العجزة الأهلية في بغداد، لـ "العربي الجديد": "تأسست الدار قبل 7 سنوات بعد الحصول على موافقات من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة، وكذا من وزارة الداخلية لأني طالبت بأن تكون هناك حماية للدار. لدينا أكثر من 35 مسناً، والنساء أكثر من الرجال، وهناك نظام للتغذية والنوم، ولأوقات الزيارة والراحة، والعاملات أعمارهن متفاوتة بين 25 إلى 35 سنة، وباختصاصات مختلفة، وبعضهن غير حاصلات على شهادات تعليمية، وأكثر ما يهمني أن يكون لديهن قدرة على التعامل مع المسنين".
ويوضح مدير "دار العطاء" الحكومية، علي عبد السادة، لـ"العربي الجديد"، أن "بغداد تضم فقط دارين حكوميتين لرعاية المسنين في جانب الرصافة، الأولى تضم نحو 160 مسناً ومسنة، والثانية تضم أعداداً أقل كونها تضم قسماً للمعقدين، وبالتالي فإن قدرتها الاستيعابية محدودة لأن نزلاءها بحاجة إلى عناية خاصة".
ويشير عبد السادة إلى أن "هناك شروطا محددة للانضمام إلى الدار، من بينها أن يكون عمر المسن تجاوز الستين، وأن تكون المسنة تجاوزت الخامسة والخمسين، وأن يكون الشخص عراقيا (يسمح بمن يحملون الجنسية الفلسطينية) وأن يكون خالياً من الأمراض العقلية والسارية والمعدية، والأعداد المتقدمة في تزايد مطرد، ما يعني أننا في حاجة إلى فتح دور حكومية جديدة، وأن يكون هناك دور في جانب الكرخ من العاصمة".
وترى الباحثة الاجتماعية نهى عبد الكريم أنه من الضروري زيادة أعداد دور المسنين الحكومية في المحافظات، وعدم اقتصار الأمر على العاصمة بغداد، لأن أغلب كبار السن رواتبهم التقاعدية قليلة، وبعضهم من دون راتب، فضلاً عن كون أسعار العلاج مرتفعة، ما يجعل توفير دور عجزة حكومية أحد أهم واجبات الحكومة تجاه هذه الشريحة.

وتوضح عبد الكريم أن "هذه الدور تحتاج إلى موظفين وعاملات لديهم الخبرة النفسية أكثر من الخبرة المهنية، لأن كبار السن يحتاجون إلى معاملة خاصة، فهم منهكون نفسياً وجسدياً، وبحاجة إلى طريقة تعامل تريح نفوسهم، وتخفف عنهم أعباء الحياة، ومصيرهم المجهول بعيداً عن أولادهم".
ويؤكد المتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، نجم العقابي، لـ "العربي الجديد"، وجود 13 داراً لرعاية كبار السن في كافة محافظات العراق، وأن محافظات صلاح الدين والأنبار وديالى فقط لا تضم أي دور للمسنين، وهناك خطة لتلافي ذلك، وتستقبل الدور القائمة المسنين من دون مقابل مالي، مع توفير كافة خدمات الإيواء، والخدمات الاجتماعية والصحية والترفيهية، والوزارة تسعى إلى فتح دور جديدة في بغداد وفي بقية المحافظات بحسب خططها المستقبلية، وإعادة تأهيل الدور القديمة التي تحتاج إلى تأهيل".

المساهمون