رافضو الروس... أوروبا تستعد لـ"عداء سياحي" كامل

رافضو الروس... أوروبا تستعد لـ"عداء سياحي" كامل

18 اغسطس 2022
سياح روس استفزوا لاجئين أوكرانيين في النمسا (باربرا غيندل/ فرانس برس)
+ الخط -

قبل أيام قليلة، أثارت مواقف أطلقها برلمانيون ومسؤولون فنلنديون في شأن استضافة بلادهم السياح الروس سجالاً على المستويين السياسي والإعلامي، ما اضطر رئيسة الوزراء سانا مارين إلى التدخل، وإطلاق وعود بوقف تدفق الروس إلى بلدها. وأعقب ذلك توسّع النقاش ذاته إلى دول مجاورة، مثل الدنمارك والسويد ودول البلطيق، في وقت تشير تقارير إلى تزايد عدد الروس الذين يرغبون في مغادرة بلدهم.
وإذا كانت تصريحات مارين والرئيس الفنلندي ساولي نينستو تناغمت مع نقاشات الغالبية البرلمانية التي دعت إلى حظر دخول الروس إلى أوروبا، ما عكس أهمية السؤال المطروح حول لماذا يجب السماح للروس العاديين بالاستمتاع في أوروبا في ظل الحرب التي تشنها بلادهم على أوكرانيا، سبق باقي جيران روسيا في دول اسكندنافيا والبلطيق الأوروبيين في تنفيذ تدابير أكثر تشدداً مع الروس. 

إستونيا: زيارة أوروبا ليست من حقوق الإنسان
وفي السياق، أوقف الإستونيون إصدار تأشيرات جديدة ليس فقط للسياح الروس، بل أيضاً للطلاب. واعتبرت رئيسة وزراء هذا البلد الصغير كاجا كالاس أنّ "السياحة الروسية ليست إلزامية للدول". وتابعت: "زيارة أوروبا امتياز، وليست من حقوق الإنسان"، داعية الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ قرار مشترك في الموضوع. 
وفي لاتفيا التي يشكل الناطقون بالروسية نحو ربع السكان، حظرت السلطات دخول الروس العاديين بصفة سياح، ورفضت منح تأشيرات إلّا للأشخاص الذين يحضرون مراسم دفن لأقرباء في ريغا. 

استفزازات يوليا في النمسا
في المقابل، يمكن أن يقابل السياح في جنوب تركيا الروس في كلّ مكان، فهم باتوا يأتون إلى تركيا بشكل متزايد بعدما اتخذت السلطات الأوروبية مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، في 24 فبراير/ شباط الماضي، قرار حظر المجال الجوي من روسيا وإليها. 
ولم تشهد المناطق التركية السياحية أحداثاً مثيرة للرأي العام مماثلة لما يتسبب به تدفق آلاف الروس إلى بلدان أوروبا، وهو ما حصل في النمسا، على سبيل المثال لا الحصر، إذ لم يخطر في بال أحد من مؤيدي حظر دخول الروس إلى دول الاتحاد الأوروبي أن يحصلوا على دعم مجاني لمواقفهم من شابة روسية تدعى يوليا، انتشرت أشرطة فيديو قصيرة لها على وسائل التواصل تظهر استفزازها لاجئات أوكرانيات في شوارع مدينة سالزبورغ. وتضمنت لقطات قول يوليا لأوكرانيات بسخرية: "افتخرن بروسيا يا فتيات. خيرسون (التي يحتلها الروس جنوبي أوكرانيا) مدينة روسية وليست أوكرانية" وترديدها "روسيا تنتصر... روسيا تنتصر". 
وشاهد آلافُ المشاهدَ التي صورتها الشابة الروسية "المتفاخرة" وسط اندهاش الأوكرانيات، في حين لم تكن هذه الأشرطة الوحيدة التي تسلح بها رافضو الوجود الروسي على أراضيهم، إذ اشتكى آلاف الأوكرانيين اللاجئين في أوروبا من مضايقات الروس ومؤيديهم في بلدان اللجوء، وهو ما دفع سلطات بعض الدول، مثل الدنمارك، إلى حظر وصول الروس إلى أماكن إيواء اللاجئات الأوكرانيات منذ مارس/ آذار الماضي. 

تقارير دولية
التحديثات الحية

وتنتشر فعلاً مجموعات تؤيد الغزو الروسي لأوكرانيا، بينها في ألمانيا، حيث حذرت السلطات من خطورة تنامي حدة هذه المواقف، في مقابل تلك الأطراف المعارضة لروسيا والتي تؤيد أوكرانيا، علماً أن موجات العداء لكل ما يمت لروسيا ظهرت منذ بداية الحرب على أوكرانيا، وبلغت ذروتها اليوم بطلب حظر دخول الروس العاديين إلى القارة العجوز. 

"الأكثر كرهاً"
وبالعودة إلى يوليا، تعالى الاستهجان الأوروبي لمشاهد أشرطة الفيديو التي نشرتها، فظهرت في أشرطة لاحقة تبكي بعد فضح تصرفاتها، وتزايد المطالبات بترحيلها من القارة، خصوصاً أن التحقيقات كشفت أنها تقيم سراً قرب مدينة ميونخ الألمانية منذ أن دخلت أوروبا في إبريل/ نيسان الماضي، ما حوّلها إلى عنوان بارز للصحافة في القارة التي وصفتها بأنها "السائحة الأكثر كرهاً في القارة". واللافت أنّ يوليا كانت تباهت أيضاً بأنّ كلّ تصرف لها ضد الأوكرانيات بمثابة "هدف واحد لروسيا مقابل صفر لأوكرانيا التي تتعرض للهجوم". كما أبدت سعادتها الكبيرة بشراء تذكرة سفر إلى فيينا باستخدام بطاقتها الروسية، قبل فرض عقوبات على البنك الروسي الذي تتعامل معه". 
ووصف معلقون في أنحاء أوروبا سلوك يوليا بأنّه "وقح واستفزازي"، مشددين على أنّه "ليس مجرد مثال لتصرف فردي، بل يرمز إلى مشكلة جوهرية تتعلق بالسماح للروس بدخول القارة". 

السياح الروس في كل أنحاء تركيا (ألتان غوشر/ Getty)
السياح الروس في كل أنحاء تركيا (ألتان غوشر/ Getty)

"ثغرات" استقبال الروس
وكانت أعداد الروس الآتين إلى أوروبا تضخمت بعدما رفعت موسكو القيود الخاصة بوباء كورونا في يوليو/ تموز الماضي. ونقلت حافلات آلاف الروس من مدينة سانت بطرسبرغ، بعضهم بقصد السياحة والتسوق، إلى المطار للمغادرة إلى وجهات أوروبية وعالمية أخرى، في تصرف عكس الالتفات على حظر الطيران الروسي، ما فجر الجدل الأوروبي الذي زادت جرعتَه تصرفاتٌ لروس بين أوروبيين، شملت إظهارهم بوضوح دعمهم رئيسَهم فلاديمير بوتين، وسط تدفق أخبار القصف والاحتلال الروسي لأوكرانيا. 

وانتقال الروس إلى إسبانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، كوجهات سياحية مفضلة لهم، في ظلّ إغلاق الأبواب أمام سفرهم عبر دول اسكندنافيا والبلطيق، بات قضية تطرح على المستوى الأوروبي اليوم، مع تصاعد المطالب الموجهة إلى المفوضية الأوروبية في بروكسيل من أجل اتخاذ قرار مشترك لوقف تأشيرات "شينغن" وإلغاء تلك التي منحت سابقاً للروس.

وبات تشكيل رأي عام أوروبي ضاغط أمراً أكثر سهولة بالنسبة إلى رافضي استمرار "ثغرات" استقبال الروس في أوروبا. وأسفرت الضغوط عن منع تجار من بيع مجوهرات ثمينة وحقائب في نيس وباريس وبرلين إلى أثرياء روس، كما أفادت صحف أوروبية وصحيفة "موسكو تايمز" الروسية أخيراً. 

فنلندا تريد حظر أوروبا دخول الروس (أليساندرو رامبازو/ فرانس برس)
فنلندا تريد حظر أوروبا دخول الروس (أليساندرو رامبازو/ فرانس برس)

وتسير الأمور حالياً في اتجاه وضع حظر دخول الروس على أجندة الاجتماع التالي لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، المقرر في جمهورية التشيك نهاية أغسطس/ آب الجاري، ما يعني أن الأجواء باتت أكثر عدائية وسلبية حيال روسيا عموماً، رغم التحذيرات التي ترفض معاقبة مواطنيها العاديين بسبب سياسات الكرملين واستمرار حربه في أوكرانيا. 

نعم أوكرانية
وبالطبع، لم يكن كل ذلك بعيداً عن ضغوط كييف المتواصلة من أجل تشديد الخناق على المجتمع الروسي. ففي مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" في 8 أغسطس/آب الجاري، سئل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عمّا إذا كان من الأخلاقي تحميل جميع الروس مسؤولية تصرفات بوتين، فأجاب "نعم"، مبرراً موقفه بأن "الناس هم من انتخبوا الحكومة، وهم لا يكافحونها ويناقضونها ويحتجون عليها". 
ورغم ذلك، لا يمكن نفي أن مئات الآلاف من الروس غادروا بلدهم منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، خصوصاً هؤلاء الذين لا يدعمون الحرب، ويخشون انتقام السلطات منهم بسبب مواقفهم بعد اعتقال آلاف ممن احتجوا ضد آراء بوتين. 

ولا يبدو أن الأوروبيين يستهدفون هؤلاء تحديداً في محاولتهم وقف إصدار تأشيرات الدخول، فمن اسكندنافيا شمالاً إلى جنوب القارة، تدفق آلاف الروس، وبينهم رافضون أداءَ الخدمة العسكرية، حصلوا على لجوء وحماية. 
في المقابل، بدا موقف زيلينكسي غريباً، بوضعه، خلال المقابلة مع "واشنطن بوست"، جميع الروس في أوروبا في المستوى ذاته، عبر مطالبته إياهم بالعودة إلى روسيا، وإظهار معارضتهم على الأرض.
وفي كلّ الأحوال، أصبحت موسكو أكثر غضباً من تصرفات أوروبا حيال انتقال مواطنيها عبر الفضاء الأوروبي، وتعتبره "انتهاكاً للقوانين الدولية"، وتوظفه في سياق التقارير التي تبثها لمواطنيها عن الغرب و"العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا. 
واعتبر الرئيس السابق المقرب من بوتين، ديمتري ميدفيدف، ما يجري "أحد مظاهر النازية الجديدة". أما حملة المعارض الروسي المعتقل أليكسي نافالني، فاعتبرت أنّ "منع التأشيرات عن جميع الروس "لا يصب في مصلحة وقف سياسات بوتين".

المساهمون