ذوبان الجليد... كوارث المستقبل اختفاء مجتمعات وحرارة أعلى

ذوبان الجليد... كوارث المستقبل اختفاء مجتمعات وحرارة أعلى

27 يوليو 2022
لم تستثنِ تأثيرات المناخ أي بقعة جغرافية (ميغيل ريوبا/ فرانس برس)
+ الخط -

تستمر دول العالم في الحديث عن تأثير التغيّرات المناخية وضرورة التحكم في درجات حرارة الأرض، بينما لا تبشر الوقائع المفجعة سوى بمزيد من العواقب التي ستجبر البشر على مغادرة مناطقهم، رغم أن التأثيرات لم تعد تستثني بقعة جغرافية على وجه الأرض. 
وحذرت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بربوك، في مؤتمر "حوار المناخ" العالمي الذي استضافه بلدها نهاية يوليو/تموز الجاري، من أن "العالم سيشهد ارتفاع درجة حرارة الأرض بنحو 3 درجات مئوية"، في وقت تشدد مؤتمرات المناخ العالمية على ضرورة حصر الارتفاع بأقل من 1.5 درجة مئوية. 
وفي صيف العام الماضي، عاشت ألمانيا كارثة فيضانات تسببت في انهيار مساكن فوق رؤوس قاطنيها، وفقدان العشرات أرواحهم، وخسائر بعشرات المليارات. واعتبر خبراء هذه الكارثة مجرد بروفة تذكر الدول الأكثر حظاً بامتلاك موارد واستراتيجيات تخفف من وطأة الكوارث، بأن القادم أكبر ويفوق قدرات الجميع على مواجهة التداعيات التي لن تشمل فقط انتشار الجفاف المدمر في دول الجنوب.

الانهيارات الجليدية
وليس ارتفاع درجات الحرارة مجرد موجات طقس حار وجاف، بل نتائج مدمرة ترتبط بالانهيارات الجليدية وانحسار رقعها في أنحاء العالم، علماً أن لجنة المناخ في الأمم المتحدة توقعت ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات نحو 60 سنتيمتراً، بوتيرة سريعة لا يمكن التعامل معها، بسبب هذه الانهيارات. 
وسيجعل ارتفاع منسوب المياه في البحار دولاً مؤلفة من جزر وأخرى تضم مساحات منبسطة في المحيط الهادئ، تواجه تهديد الاختفاء، في وقت تجرف عواصف متكررة المنازل، وتخنق المحاصيل بمياه مالحة. 
وبين الجزر المهددة كيريباتي وتوفالو التي ترتفع بين مترين و3 أمتار فقط عن سطح البحر، وستتحوّل بفعل تزايد منسوب المياه والعواصف الاستوائية والأعاصير المدارية إلى مناطق غير صالحة للسكن، ما يحتم رحيل قاطنيها تحت ضغوط العواقب الاقتصادية والآثار الاجتماعية والثقافية التي تنسف أسس وجود وبقاء مجتمعاتهم.
يشرح الخبير البيئي الدنماركي بيورن أوفرماركه، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن ذوبان الأنهر الجليدية "ليس مجرد نظريات، بل واقع يؤثر على البيئة والحياة البشرية في مناطق القطب الشمالي". 
ويشير إلى أن الشعوب الأصلية في منطقة القطب الشمالي باتت تحت تهديد مناخي خطير، مع صعوبة العثور على طعام بغياب الفقمات التي تعتبر في مقدمة مأكولاتهم التقليدية. 
ويؤكد أن الخبراء مقتنعون بأن جزيرة غرينلاند، أكبر كتلة جليدية في العالم والتابعة للدنمارك، وأنهاراً جليدية أخرى، تشهد حالياً حالات ذوبان مقلقة للثلوج بعد آلاف السنوات من تشكّلها، بسبب الاحتباس الحراري وضعف التيار البارد الشمالي مقابل التيار الجاف، الذي تسبب اندفاعه أخيراً في موجات الاحترار الأوروبي. ويرفع ذلك منسوب المياه في البحار، ما يهدد عملياً أراضي الدنمارك المنبسطة، وأخرى في هولندا وبريطانيا. وقد تتحوّل الفيضانات التي يحدثها هذا الذوبان إلى حالة ثابتة، وليست مجرد حوادث عابرة.
كذلك، ليس القطب الجنوبي أنتاركتيكا بمنأى عن ذوبان جليد الشمال. فمنذ عام 2002 يراقب القمر الصناعي "غريس" التابع لإدارة الوطنية الأميركية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا) كميات الجليد التي تفقدها المنطقة، ويحددها بأكثر من 100 كيلومتر مكعب سنوياً.
وبحسب خبراء لجنة المناخ في الأمم المتحدة، سيحمل سيناريو ذوبان نحو 27 مليون كيلومتر مكعب من جليد القطب الجنوبي كارثة للبشرية عبر رفع منسوب مياه البحار نحو 58.3 متراً، ما يعني أن أجزاء كبيرة من لندن ونيويورك وكوبنهاغن وطوكيو ستُغمر بالمياه. 

الصورة
نتائج مدمرة للحرّ (نيكلاس هالن/ فرانس برس)
نتائج مدمرة للحرّ (نيكلاس هالن/ فرانس برس)

نحو صيف قطبي بلا جليد
ويؤكد باحثون أن ارتفاع درجات حرارة البحار وذوبان الكتل الجليدية يكشفان ما تعيشه الأرض سنة بعد أخرى، فارتفاع درجات الحرارة درجتين في المتوسط خلال 50 سنة ماضية بدأ يؤثر في المسطحات الجليدية حول العالم التي فقدت بعضها أكثر من 10 سنتيمترات من سماكتها سنوياً. وفي أجزاء من نهر باين آيلاند الأكبر غرب أنتاركتيكا، يصل الانصهار إلى 3 أمتار سنوياً، بعدما تضاعف أربع مرات بين عامي 1995 و2006. ويوضحون أن "ارتفاع درجات المياه الحاضنة للجبال الجليدية بدأت تنهش أسفل الكتل الجليدية، وتسرّع في انهيارها الذي سيرفع استمراره مستوى البحار نحو 5 و7 أمتار، رغم الاعتقاد بأن القطب المتجمد الجنوبي أكثر مقاومة لظاهرة الاحتباس الحراري من الشمالي، فارتباط الأمر بارتفاع درجات الحرارة بين 1.6 و2 درجة مئوية، سيتسبب في نتائج فظيعة، بينما تتقلص المسطحات الجليدية بنسبة 12 في المائة كل صيف، وقد يشهد عام 2040 صيفاً خالياً من الجليد في القطب الشمالي". 
واللافت أنه بدلاً من أن توقف الدول التدهور الحاصل بعدما تقلصت منطقة الجليد البحري نحو 75 في المائة، تنافست على استغلال ذلك في تقصير مسارات الإبحار من آسيا إلى أوروبا وأميركا الشمالية، ودخلت في صراع أكبر على استخراج المواد الخام من المنطقة والنفط الموجود تحت الجليد المنحسر صيفاً، ما عزز التلوّث والانبعاثات الضارّة. 
وتتمثل المشكلة الأخرى المرتبطة بضياع المسطحات الجليدية الهائلة في أن الكرة الأرضية ستفقد "عامل البياض" الذي يصفه أوفرماركه بأنه "عامل مهم لقياس فعالية انعكاس السطح للإشعاع، فالجليد والثلج يعكسان أشعة الشمس بشكل فعّال، بينما المياه واليابسة والنباتات تمتص تلك الأشعة، ما يعني ارتفاعاً أكبر في درجات الحرارة". 
ووجد باحثون متخصصون في العقدين الأخيرين أن سيبيريا وألاسكا باتتا تعانيان تحت ارتفاع درجات الحرارة، ما يزيد امتصاص تربتهما الصقيعية مزيداً من أشعة الشمس، وتخزين كميات هائلة من غاز الميثان الذي يتسبب على غرار ثاني أكسيد الكربون في الاحتباس. ويحذر العلماء خصوصاً من أن ذوبان التربة الصقيعية "قد يجعل الأرض ناعمة ورطبة وغير قادرة على دعم المباني التي ستنهار".
والعام الماضي، حذر باحثون من أن الاحترار يحدث 3.5 مرات أسرع من متوسط التنبؤات العالمية السابقة للمناخ. 

الصورة
قد تنسف التغيّرات المناخية وجود مجتمعات (جوستن تاليس/ فرانس برس)
قد تنسف التغيّرات المناخية وجود مجتمعات (جوستن تاليس/ فرانس برس)

أنهار جليدية أرق
وفيما تتراجع كميات الثلوج في جبال الهملايا والأنديز بسبب الاحترار العالمي، يقدّر خبراء يعملون في الخدمة العالمية لرصد الأنهار الجليدية الذي يدعمه برنامج الأمم المتحدة للبيئة بأن البشرية ستشهد، مع نهاية القرن الحالي، ذوبان أنهار جليدية عدة، التي يكشفون أنها أصبحت أرق نحو 6 أمتار في المتوسط.
ويشيرون إلى أن "مجتمعات كثيرة في أميركا الجنوبية تتأثر بشكل ملحوظ من الآثار السلبية في جبال الأنديز، فالناس الذين يعيشون في العاصمة البوليفية لاباز وعاصمة البيرو ليما يحصلون على مياه الشرب من الأنهر الجليدية التي يتسبب تراجعها في عواقب. 
وتظهر التأثيرات السلبية أيضاً في سويسرا، حيث تستخدم الأنهر الجليدية لتشغيل محطات توليد الطاقة الكهرومائية، ما يعني أن اختفاءها سيخلق مشاكل كبيرة لإمدادات الكهرباء، في بلد شيّد سدودا ضخمة خلال السنوات الأخيرة.  
وتمتد مشكلة الذوبان المتواصل للكتل الجليدية حول العالم، إلى البحيرات الكبيرة التي تتشكل من المياه الذائبة بكميات ضخمة وفجائية، وتتسبب في انهيارات طينية وأرضية على جوانب الجبال. 
وشهدت البيرو خلال السنوات الأخيرة مقتل نحو 30 ألف إنسان بهذه الحوادث، ورغم تنفيذ الحكومة مشاريع لتدعيم الجبال الطينية التي تحتضن بيوت الفقراء، زحفت الانهيارات إلى الشواطئ. 

أفريقيا
وفيما تعتبر أفريقيا المنطقة التي يعيش فيها السكان الأكثر تعرضاً لعواقب تغيّر المناخ، مثل موجات الجفاف والفيضانات، والعواقب السلبية على إنتاج الغذاء والحصول على مياه للشرب، يتوقع أن يتأثر عدد يتراوح بين 75 و250 مليوناً من سكانها بشدة بنقص المياه حالياً، وصولاً إلى عدد يتراوح بين 350 و600 مليون عام 2050. وسيواجه الناس في شمال وجنوب أفريقيا الأوضاع الأسوأ، في حين قد تنخفض المخاطر على الناس في شرق وغرب أفريقيا.

المساهمون