دول البلطيق تزيل الرموز السوفييتية والأقليات الروسية تشكو التمييز

دول البلطيق تزيل الرموز السوفييتية والأقليات الروسية تشكو التمييز والتشكيك

20 سبتمبر 2022
قررت إستونيا إزالة كل الآثار السوفييتية (راغيو باجولا/فرانس برس)
+ الخط -

تحت جمر الحرب في أوكرانيا ما ينذر بحروب أهلية في دول أخرى تضم أقليات ناطقة بالروسية، انتقلت خلال الحقبة السوفييتية للإقامة في دول مجاورة لروسيا، وتعيش حالياً توترات بعضها مكتوم والآخر يهدد عيشها المشترك مع مجتمعاتها، وخصوصاً في دول منطقة بحر البلطيق الثلاث، إستونيا ولاتفيا وليتوانيا.

شكل الغزو الروسي لأوكرانيا فرصة استغلتها حكومة إستونيا لإزالة عدد من الآثار الباقية من العهد السوفييتي، بعد أن ظلت لوقت طويل تشكك في ولاء الناطقين بالروسية، خصوصاً مع تكرار تهديدات موسكو بالتراجع عن الاعتراف باستقلال الجمهوريات الصغيرة الذي حدث في بداية تسعينيات القرن الماضي.

لكن لم يكن في حسبان حكومة إستونيا أن يثير قرار إزالة دبابة للجيش السوفييتي من مداخل مدينة "نارفا"، الملاصقة للحدود الروسية، انقساماً مجتمعياً وصل إلى حد اصطفاف الناطقين بالروسية، الذين نُقل أغلبهم إليها في عهد جوزيف ستالين، في مواجهة الإستونيين الذين يصرون على هوية وطنية خاصة بهم بعيداً عن التأثير الروسي، في حين اعتبرت الأقلية الناطقة بالروسية أن إزالة الدبابة القديمة من طراز تي 38 التي نصبت في المكان سنة 1970 "سطو مسلح، وسرقة لدبابتنا".

انقسام مجتمع إستونيا ليس وليد لحظة إزالة الدبابة السوفييتية، بل قائم منذ سنوات، فالأقلية الروسية لا تتردد في تأييد سياسات الكرملين، حتى لو كانت ضد بلدهم إستونيا، ما يشكل مصدراً لغياب الثقة بين السكان، والذي عززت منه مواقف الحكومة المؤيدة لأوكرانيا، في حين يرفع الناطقون بالروسية شعار Z الذي يرسم على الآليات العسكرية الروسية التي تجتاح أوكرانيا في مناسبات مختلفة.
لا يتجاوز عدد الناطقين بالروسية 28 في المائة من سكان إستونيا البالغ عددهم 1.3 مليون نسمة، والمشكلة التي يواجهها البلد الصغير أن عدداً كبيراً منهم ظل يرفض الحصول على جنسيتها مفضلاً الاحتفاظ بالجنسية الروسية، ما جعل نظرة التوجس حيالهم تتواصل بعد أكثر من 30 سنة على تفكك الاتحاد السوفييتي. 
لسنوات، ظل الإستونيون يعتبرون الدبابة التابعة للجيش السوفييتي "حصوة في الحذاء"، وأنها "مثل العلم الأحمر السوفييتي"، حسب وصف رئيسة الوزراء كاجا كالاس. 

تقارير دولية
التحديثات الحية

لكن التوتر القائم حالياً ليس سببه الوحيد إزالة الدبابة، بل هو متواصل منذ أن باشرت السلطات، في عام 2007، إزالة بطيئة لرموز الحقبة السوفييتية، ومن بينها نصب الجندي السوفييتي الذي أُزيل من وسط العاصمة تالين. الاحتجاج الأخير من الأقلية الروسية جعل من إزالة الدبابة القديمة رمزاً للتعبير عن الإحباط الذي يعيشونه في دولة عضو بالاتحاد الأوروبي، واندفع المئات منهم إلى مكانها ليضعوا أكواماً من الزهور والشموع. 
ويبدو التوتر القائم في مدينة نارفا نموذجاً لتحدي الحكومة، فنحو 95 في المائة من سكانها من الناطقين بالروسية، وهم يصرون على تحويلها إلى مزار لا يقتصر على يوم 9 مايو/ أيار، والذي يحتفل فيه الروس بالانتصار على النازية، بعد أن قاموا بصنع مجسم للدبابة من الزهور والشموع في المكان الذي أزيلت منه الدبابة السوفييتية، وذلك "للتذكير بالجنود السوفييت الذين سقطوا في الحرب"، كما نقلت صحيفة "داغ نيهتر" السويدية.  
ليست هناك استطلاعات رأي توضح مواقف الناطقين بالروسية في بلدان البلطيق من غزو أوكرانيا، لكن النظرة النمطية تعمم التوجس من كل روسي، إذ تنتشر في أنحاء أوروبا الأحكام المسبقة التي تضع الناطقين بالروسية في خانة الكرملين، ومنذ اندلعت الحرب في أوكرانيا، بات مصطلح "رهاب روسيا" إحدى الشكاوى المتكررة التي تتلقاها المنظمات الحقوقية حول المعاملة التمييزية.
ويخشى الإستونيون من أصول روسية أن تؤدي سياسات حكومة تالين، المصرة على استغلال توتر العلاقة بين الغرب وموسكو للتخلص من كل ما يرمز للحقبة السوفييتية، إلى مزيد من فقدان الثقة في صفوف المجتمع، ويؤكد بعضهم أنه رغم مواقفهم المعارضة للغزو الروسي، فإنهم يعانون من النظرة السلبية في مجتمعات دول البلطيق، وهو ما استغلته موسكو خلال الأشهر الماضية لبث المزيد من الدعاية الخاصة بتضامن الجاليات الروسية في أوروبا، وضرورة دعمها سياسات الكرملين.

الصورة
تظاهرة للتنديد بالغزو الروسي لأوكرانيا في إستونيا (فيتالي أرماند/ فرانس برس)
تظاهرة للتنديد بالغزو الروسي لأوكرانيا في إستونيا (فيتالي أرماند/ فرانس برس)

ودعا رئيس إستونيا، ألار كاريس، إلى "نقاش أكبر حول رؤية الإستونيين لماضيهم المشترك ورموزهم، والعمل على إعادة الثقة بين سكان نارفا والحكومة. إستونيا بلدنا جميعاً بكل اختلافاتنا"، في حين تعهدت رئيسة وزراء البلاد بأن يظل مكان الدبابة التي أزيلت "علامة قبر محايدة، ومكاناً يستحق تذكر الموتى". 
وفي تصريحات للتلفزة الدنماركية، اعترف وزير خارجية إستونيا، أورماس رينسالو، بحساسية ما يجري في بلاده، واعتبر أن إزالة الدبابة السوفييتية "جاء لتخفيف الاحتقان بين السكان"، وأن 65 في المائة من المواطنين يرفضون إظهار أي تعاطف مع سياسات الكرملين في الحرب على أوكرانيا. واعتبر رينسالو أن الرموز السوفييتية "يستخدمها الروس في دعايتهم، ولخلق مزيد من التوترات حيث يقيم الناطقون بالروسية، لذا قررنا تجنب تلك التوترات بالمضي قدماً في التخلص من تلك الرموز". 
ويرى أغلبية الإستونيين أن غزو أوكرانيا يذكرهم بالغزو النازي، وبما يسمونه "الاحتلال السوفييتي"، حين قتل نحو خمس عدد سكان البلد الصغير بين سنوات 1941 و1945.

ولم تفوت بقية دول البلطيق فرصة الحرب على أوكرانيا للتخلص من ماضيها السوفييتي. في لاتفيا، حيث تصل نسبة الناطقين بالروسية إلى نحو 36 في المائة، قررت الحكومة إزالة جميع المعالم التي تمجد النظام السوفييتي، وفي نهاية أغسطس/ آب الماضي، أدى هدم مسلة خرسانية لتكريم الجنود السوفييت بارتفاع 80 متراً في العاصمة ريغا، إلى توتر في علاقة الأقلية الكبيرة ببقية أفراد المجتمع، وبحلول 15 نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، ستنتهي عملية التخلص من كل الآثار السوفييتية في لاتفيا.

المساهمون