حرب كورونا... الصحة العالمية لا تغير القائد غيبريسيوس

26 يناير 2022
غيبريسيوس مستمر في قيادة الحرب العالمية على كورونا (فابريس كوفريني/ فرانس برس)
+ الخط -

كرّس المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية الخيار الدولي المحسوم باختيار مديره العام الإثيوبي تيدروس أدهانوم غيبريسيوس المرشح الوحيد لتولي ولاية ثانية تمتد 5 سنوات حتى عام 2027. جاء ذلك في اقتراع سرّي أجري على هامش اجتماعات دورته الـ150 المنعقدة حالياً عبر تقنية الاتصال المرئي، والذي يسبق الانتخابات الرسمية للمنصب المقررة في مايو/ أيار المقبل. 
وهكذا تتجه الأنظار مجدداً إلى غيبريسيوس الذي عاش مع المنظمة في ولايته الأولى مطبات كثيرة، أهمها بالتأكيد انفجار أزمة جائحة كورونا، والتوترات الشديدة مع الولايات المتحدة تحديداً، التي انسحبت من عضوية المنظمة خلال ذروة جائحة كورونا في مايو/ أيار 2020، بقرار اتخذه الرئيس االجمهوري السابق دونالد ترامب، قبل أن يعيدها الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن إلى كنف المنظمة.
ومنذ أن أنشأتها الأمم المتحدة عام 1948، شهدت منظمة الصحة العالمية محطات صعود وهبوط. وقد اضطلعت بدور كبير ومهم في مكافحة مرض الجدري في ستينيات القرن العشرين، ثم أعلنت في تقرير أصدرته عام 1979 عن نجاحها في القضاء عليه بالتعاون مع  دول العالم، لكنها لم تسلم من انتقادات دول عدة، والتي بلغت حد اتهامها بالانحياز السياسي، وأهمها للصين بسبب ما وصفه سياسيون أميركيون وغربيون بـ"التأخر في الإبلاغ عن جائحة كورونا" في ديسمبر/ كانون الأول 2019، والذي ربط أيضاً في ظاهرة لافتة أثارت جدلاً كبيراً بـ"التاريخ الشيوعي" للأمين العام غيبريسيوس.

تاريخ جدلي 
ورغم أن منظمة الصحة العالمية اعتبرت مثالاً ناجحاً للتعاون الدولي في مواجهة الأمراض السارية، لكن تهم الفساد والبيروقراطية واكبت المحطات التاريخية لعملها. وهي استهدفت بسلسلة فضائح حول سوء الإدارة والفساد في عهد أمينها العام الياباني هيروشي ناكاجيما، لكنها استعادت سمعتها العالمية القوية في عهد مديرتها العامة النروجية غررو هارلم برونتلاند التي أثّر توليها المنصب بدءاً من مايو/ أيار 1988 في أولوية مواجهة جائحة "سارس" التي حوصرت ومُنع تحولها إلى وباء عالمي. 
وتجاوزت إنجازات برونتلاند إصلاح المنظمة واستعادة مكانتها إلى طرح تفكير جديد ربط الصحة بالأوضاع الاقتصادية للبشر، وتبني محاربة العنف خصوصاً ضد النساء باعتبارها قضية صحة عالمية. وامتلكت برونتلاند كاريزما خاصة سمحت لها بأن تجوب العالم للتبشير بأدوار جديدة للمنظمة شملت أيضاً إدخال وقف التدخين كجزء من التعليم والإقناع. وجلبت البرامج التي نفذتها لدى شغلها منصبها خلال ولايتين حتى عام 2003، مزيداً من الاعتراف الدولي بصواب سياساتها في مواجهة "سارس" ومحاصرته، قبل أن يخلفها لي جونغ ووك، الذي توفي بجلطة دماغية علم 2006، ثم السويدي أندرس نوردستروم.
وفيما استخدمت الصحة العالمية أدوات بسيطة، مثل الاختبار واكتشاف العدوى والعزل للقضاء على "سارس"، لم تنفع الآليات ذاتها في محاصرة فيروس كورونا الحالي، ما ضرب سمعتها مجدداً، علماً أنها عرفت نوعاً من الانتكاسة حين ظهر فيروس "أنفلونزا الخنازير" عام 2009، واتهمت بـ"صرف وتبذير أموال لشراء لقاحات لا حاجة لها، تحت غطاء التهويل والمبالغة في تقدير خطره". وترافق ذلك مع أزمة مالية كبيرة نتجت عن خفض دول عدة مساهماتها في المنظمة، ما ضرب صدقيتها، ثم ساءت الأمور أكثر مع تفشي فيروس "إيبولا" في غرب أفريقيا عام 2014، حين وجهّت انتقادات حادة لجهود المنظمة "القليلة والمتأخرة جداً". 

أزمة كورونا زادت الشكوك حول روابط منظمة الصحة العالمية الوثيقة بالصين (هكتور ريتامال/ فرانس برس)
أزمة كورونا زادت الشكوك حول روابط منظمة الصحة العالمية الوثيقة بالصين (هكتور ريتامال/ فرانس برس)

"جرس الإنذار" المتأخر
ومع تحوّل فيروس كورونا إلى جائحة عالمية بحلول ربيع 2020، انتقدت دول عدة العلاقة الملتبسة بين منظمة الصحة العالمية والصين، خصوصاً أن "غيبريسيوس زار بكين في نهاية 2019، لكنه تأخر في دق جرس الإنذار". وبدأت هذه الدول في البحث عن بديل لغيبريسيوس، قبل أن تتراجع أخيراً وتختاره المرشح الوحيد لمنصب الأمين العام.
وفي إطار الشكوك بشأن الروابط الوثيقة بين الصحة العالمية والصين، اتهم الغرب المنظمة بعدم إجراء تحقيق متكامل ومثالي في شأن منشأ فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية. وتكررت النظرة الملتبسة لدور المنظمة إثر تمريرها أخيراً "الطب التقليدي الصيني" في دليل أصدرته لأساليب التصنيف الدولي للأمراض، ما مثل، بحسب خبراء دوليين، بينهم مدير معهد "الأمصال والأمراض السارية" في الدنمارك هنريك هول، "انحرافاً عن الممارسة العلمية والطب القائم".
في المقابل، عزز وصف الصينيين خطوة المنظمة بأنها "انتصار سياسي عظيم للصين" مخاوف الغرب من انحراف المنظمة عن مسارها واقترابها أكثر من الصين، مع ترجيح امتلاك الدولة الشيوعية نفوذاً كبيراً فيها. 

بين الغرب والصين
وأخذت مخاوف الغرب في الاعتبار أن "الطب الصيني البديل يجني سنوياً نحو 50 مليار دولار، ما يحتم تزايد الشكوك في معايير تبني الصحة العالمية" له. لكن ذلك لم يمنع توافق الدول سواء تلك الراضية أو الصامتة في نهاية المطاف على إعادة انتخاب غيبريسيوس، وإسقاط ورقة مواجهته بمرشح بديل انطلاقاً من أن "العالم يعيش في أزمة كبيرة لا يحتاج فيها إلى استبدال قيادة". 
وكان غيبريسيوس نفسه قد تحدث عن هذا الواقع لدى تسويق ترشحه لولاية جديدة في نهاية العام الماضي، إذ أكد أنه لم ينته من مهمته في قيادة المنظمة للقضاء على الجائحة الحالية، علماً أن المتخصصة في الصحة العالمية ونائبة الرئيس التنفيذي لمركز التنمية العالمية في واشنطن أماندا غلاسمان عكست الفكرة ذاتها بقولها لمجلة "نايتشور" إن "أحداً لا يغير القيادة أثناء الحرب".
واللافت أنه رغم الاتهامات الموجهة للمنظمة بمحاباة الصين، بسبب عدم تشددها مع بكين أو انتقاد أساليبها الصارمة لمحاصرة كورونا في بدايات التفشي، اصطدمت بانتقادات صينية وجهت إليها في نهاية العام الماضي بعدما صرح غيبريسيوس بأن الصين "يجب أن تسمح بإجراء تحقيق عميق في أصول فيروس كورونا، بما في ذلك احتمال تصنيعه، وتسرّبه من مختبر"، وهو ما ظلت بكين تنفيه طوال الوقت. 
وفي وقت دخلت فيه البشرية عامها الثالث مع جائحة كورونا، لا يمكن التقليل من جهود منظمة الصحة العالمية في مواجهة الجائحة، فهي لعبت منذ البداية دوراً مهماً في التوعية العالمية حوله، وقادت جهوداً ذاتية وجماعية لمحاولة محاصرته ووضع برامج تعاون للقاح يمر عبر المنظمة. 

أزمة العالم العالم لا تحتاج إلى استبدال قيادة (بالوفا باغلا/ Getty)
أزمة العالم لا تحتاج إلى استبدال قيادة (بالوفا باغلا/ Getty)

رؤية القائد
وفي ذروة انتشار الجائحة وبدء اكتشاف لقاح كانت المنظمة تقدم تصوراتها وتوصياتها حول توزيع اللقاح. وتعالت مع ظهور متحوّراته الكثيرة، وآخرها "أوميكرون" في نهاية نوفمير/ تشرين الثاني الماضي، انتقادات وجهها غيبريسيوس نفسه "لسياسات احتكار اللقاح التي تمارسها الدول الثرية". 
واعتبرت المنظمة أن "الأنانية القومية التي تمارس في تكديس اللقاح، والتركيز على تلقيح شعوب دول الشمال الثري وترك الدول النامية من دون قدرة على تطعيم شعوبها لن تضع حداً للجائحة". 
ومن أبرز تصريحات غيبريسيوس التي قدمها ضمن ملف إعادة انتخابه قوله: "رؤيتنا ليست الصحة بالنسبة للبعض، بل الصحة للجميع: الأغنياء والفقراء والقادرون وذوو الإعاقات وكبار السن والشباب وأولئك الذين يعيشون في الحضر والريف، والمواطنون واللاجئون. فالصحة للجميع في كل مكان". 

ويرى مدير الصحة العالمية في مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن توم بوليكي أن "المنظمة في عهدة الرجل القوي غيبريسيوس الذي أحدث فرقاً في مواجهة كورونا. وقد تحدثت إليه بعبارات قوية عن حاجة الدول لاتباع نهج أكثر إنصافاً في توزيع اللقاحات". 
وأشاد باحثون في المجلس بقدرة غيبريسيوس على إقناع الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية البالغ عددها 194 دولة بالمضي قدماً في الخطط الخاصة باتفاق الوباء، والتي قد تحدد كيفية استجابة البلدان لتفشي الأمراض في المستقبل. 

المساهمون