تقييد عمل مراكب الإنقاذ يضاعف غرق المهاجرين

تقييد عمل مراكب الإنقاذ يضاعف غرق المهاجرين

03 فبراير 2024
تقلصت مهام الإنقاذ في المتوسط بعد القيود الأوروبية (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

ينتقد مدافعون عن حقوق المهاجرين القيود الأوروبية المفروضة على عمل مراكب الإنقاذ في البحر المتوسط، وتداعياتها على سلامة المهاجرين، الذين باتوا يواجهون مخاطر مضاعفة نتيجة تراجع فرص إنقاذهم حال تعرضهم للغرق خلال رحلة العبور من ضفة المتوسط الجنوبية إلى الضفة الشمالية.

وبدأ مسار التقييد الأوروبي لنشاط سفن الإنقاذ في البحر المتوسط عقب صدور قانون أوروبي لمكافحة الهجرة السرية في أغسطس/آب 2019، يمنح الحكومات صلاحيات فرض قيود على المهاجرين، وعلى السفن التي تنقذهم من الغرق، وتلا ذلك وضع مدونة سلوك للمنظمات غير الحكومية العاملة في مجال إنقاذ المهاجرين في 2022، تتضمن إجراءات أكثر صرامة، مع فرض عقوبات تصل إلى حد مصادرة السفن، وصولاً إلى إصدار قانون "كوترو" الإيطالي في مايو/أيار 2023. وقبل أيام، فُقد أثر 37 مهاجراً تونسياً كانوا على متن قارب هجرة غادر من سواحل صفاقس نحو إيطاليا، ولم تسفر جهود الحرس البحري التونسي في العثور على القارب. وكشف الناشط مجدي الكرباعي أن قارباً ثانياً غادر سواحل مدينة زوارة الليبية، وفقد في الفترة نفسها، وأن مراكب الإنقاذ لم تنفذ أي مهام في البحر المتوسط خلال تلك الفترة. موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "قاربي هجرة آخرين أبحرا من سواحل تونس وليبيا فقدا في البحر المتوسط ليلة 10 يناير/كانون الثاني، ولم يُعثر على أثر لهما، ما يعني أن المهاجرين يدفعون ثمن سياسات الهجرة الأوروبية بحياتهم".
ويفيد الكرباعي بأن "مراكب الإنقاذ أصبحت مقيدة بمقتضى قانون (كوترو)، إذ أصبحت مطالبة بالعودة إلى الموانئ بعد تنفيذ عمليات الإنقاذ في ظرف زمني وجيز لا يسمح لها بالبقاء في البحر للقيام بمهام متعددة. هذه السفن أصبحت مجبرة على الرسو في الموانئ التي تحددها قاعدة العمليات التابعة لوزارة الداخلية الإيطالية من أجل إنزال المهاجرين، ما يزيد من تعقيد مهامها، ويختصر مدتها الزمنية إلى ساعات". وأكد الكرباعي أن السفينة "جيو بارنتس" التابعة لمنظمة "أطباء بلا حدود" نفذت مهمة إنقاذ قبل ساعات من فقدان قاربي المهاجرين اللذين غادرا تونس وليبيا، غير أن القيود القانونية حالت دون بقائها مدة أطول في البحر، في حين أنه قبل صدور القانون "كوترو"، كانت عمليات الإنقاذ تدوم عدة أيام في عرض البحر، ما يسمح بإنقاذ العديد من السفن والقوارب المهددة بالغرق، في حين أن السفن التي لا تلتزم بالتدابير الإيطالية باتت تعاقب بمنع نشاطها.

الصورة
إنقاذ المهاجرين مهمة إنسانية بالأساس (خوسيه كولون/الأناضول)
إنقاذ المهاجرين مهمة إنسانية بالأساس (خوسيه كولون/الأناضول)

وبلغ عدد المفقودين والمتوفين في البحر المتوسط خلال عام 2023 الماضي 1633 ضحية على الأقل، وفق أحدث بيانات منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تونس، الذي يقدر أن الأعداد الحقيقية للضحايا والمفقودين أكبر من ذلك بكثير.
وتؤكد المسؤولة في شبكة هاتف الإنذار (آلارم فون) هيبة محمد أن الشبكة تلقت، خلال الفترة بين شهري يناير/كانون الثاني وأكتوبر/كانون الأول 2023، نحو 959 طلب نجدة من قوارب أبحرت من السواحل التونسية والليبية، وذلك من مجموع أكثر من 1900 طلب نجدة تلقتها الشبكة من كل دول البحر المتوسط. وتوضح محمد، لـ"العربي الجديد"، أن "طلبات النجدة التي يجرى تلقيها عبر الشبكة في تصاعد مستمر منذ عام 2014، ومهام الإنقاذ التي تنفذها القوارب المتخصصة تكون أساساً في منطقة وسط البحر المتوسط، بينما تغرق كثير من المراكب في الممرات البحرية. تصعيد السياسات الأوروبية لمنع المهاجرين من الوصول أدى إلى نتائج عكسية، إذ يتزايد عاماً بعد عام تدفق المهاجرين، وتجازف القوارب بسلوك ممرات بحرية غير آمنة، أو غير مشمولة بالتغطية من قبل مراكب الإنقاذ، ما يفسر ارتفاع عدد المفقودين والقتلى".

وترى هيبة محمد أن "ضحايا قوارب الهجرة الغارقة في المتوسط هم ضحايا سياسات المنع الأوروبي، التي تشمل تقييد عمل مراكب الإنقاذ. غالبا ما تجرف التيارات البحرية القوارب، ويغرق الركاب قبل وصول مراكب الإنقاذ، التي تتمركز في مناطق بعيدة نسبياً عن الممرات البحرية التي تسلكها القوارب هرباً من الشرطة البحرية وحرس الحدود".
وخلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023، سجلت المنظمة الدولية للهجرة أكثر من 1800 وفاة لمهاجرين في البحر المتوسط، مقارنة مع 1400 في عام 2022 بأكمله. وتقول المنظمة الأممية إن هناك أدلة قوية على أن العديد من حوادث الغرق "غير مرئية"، حيث  تختفي قوارب غير مسجلة بكل من فيها، ما يعني أن عدد الوفيات الحقيقي يرجح أن يكون أعلى بكثير.

المساهمون