تقرير حقوقي: سلطات مصر تقوّض القضاء والنيابة تعرقل عمل المحامين

تقرير حقوقي: سلطات مصر تقوّض القضاء والنيابة تعرقل عمل المحامين

21 فبراير 2024
وُضعت في مصر سياسات لتعزيز تقنين الانتهاكات (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -

أفادت لجنة العدالة - كوميتي فور جستس والجبهة المصرية لحقوق الإنسان بأنّ هامش الاستقلال الذي كان ممنوحاً للسلطة القضائية في مصر في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك تضاءل بشدّة عقب الانقلاب العسكري في عام 2013، والذي كاد ينتهي مع التعديلات التي أُدخلت على الدستور المصري في فبراير/ شباط 2019، أربعة منها خاصة بتعديل النظام القضائي أحدثت تغييرات جذرية فيه.

وبحسب رؤية حول النظام القضائي في مصر ساهمت فيها لجنة العدالة، بالتعاون مع الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، وقُدّمت إلى المقرّر الخاص المعني بالحقوق المدنية والسياسية واستقلال القضاة والمحامين بالأمم المتحدة للاستعانة بها في التقرير الموضوعي المقبل، فإنّ الجهات القضائية والنيابة العامة في مصر التي من المفترض أن تحمي المواطنين من الممارسات الخاطئة شاركت بطريقة أو بأخرى في التنكيل والقمع بالتنسيق مع السلطات الأمنية والنخبة الحاكمة، إذ يستخدم موظفو هذه المؤسسات الإجراءات واللوائح لانتهاك القوانين والدستور.

وتوصّلت المنظمتان، في ورقة بحثية صادرة اليوم الأربعاء، إلى أنّ الحكومة في مصر اعتمدت، في العقد الماضي، سياسات لتعزيز تقنين الانتهاكات، الأمر الذي أدّى إلى انتهاكات عديدة وحرمان الناس من حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ النيابة العامة والسلطة القضائية تعوّقان المحامين عن أداء واجباتهم وتعرّضهم لانتهاكات عديدة، من بينها الاعتقال والاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب والإعدام والاعتقال المتكرر والملاحقات الجنائية في قضايا ذات دوافع سياسية والمحاكمات العسكرية الاستثنائية ومحاكمات طوارئ أمن الدولة الاستثنائية والإدراج التعسفي على قوائم الإرهاب. كذلك استخدمت السلطات المصرية النيابة العامة والقضاء لتقنين الانتهاكات ضدّ المواطنين.

وأوضحت المنظمتان أنّ التعديلات، التي أجريت على الدستور في عام 2019، سمحت لرئيس الجمهورية بشغل منصب رئيس المجلس الأعلى للهيئات القضائية، ومنحته حق اختيار القضاة وإيقافهم عن العمل، الأمر الذي يخلّ باستقلال السلطة القضائية. كذلك عملت السلطة على "أمننة" القضاء، من خلال إنشاء عدد من المحاكم العسكرية ودوائر الإرهاب ومحاكم الطوارئ الخاصة.

وسلّطت المنظمتان الضوء على دور قضاة دائرة الإرهاب، "دوائر الإرهاب" في محاكم الجنايات، خصوصاً المستشارين ناجي شحاتة وحسن فريد وشيرين فهمي الذين أصبحوا أساسيين في تقويض حقوق التقاضي والدفاع للمتّهمين وحرمانهم من حقوقهم، من قبيل الحق في النقض، إلى جانب إصدار أحكام قاسية بالسجن المشدّد والإعدام. يُضاف إلى ذلك الوضع على قوائم الإرهاب التي استُغلّت ضدّ المعارضين والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان لحرمانهم من حقوقهم الأساسية، بما في ذلك الحقّ في حرية التنقّل أو السفر والحقّ في التصرّف في ممتلكاتهم وأصولهم والحرمان من الحقوق السياسية والوصم الاجتماعي.

كذلك أبرزت المنظمتان مثالاً صارخاً لعدم استقلال النيابة العامة والقضاء، وهو ما حدث في خلال الانتخابات الرئاسية الماضية، في الفترة الممتدة ما بين 25 سبتمبر/ أيلول 2023 و14 أكتوبر/ تشرين الأول منه، عندما ألقى رجال الأمن الوطني القبض على ما لا يقلّ عن 128 عضواً (من بينهم 13 امرأة) في حملة المرشّح الرئاسي المحتمل السابق أحمد الطنطاوي، في مرحلة جمع التوكيلات للحملة الرئاسية 2024 في مصر. وقد خضعوا جميعاً للتحقيق أمام نيابة أمن الدولة العليا (نيابة خاصة) ووُجّهت إليهم تُهم في سبع قضايا مختلفة بتهمة نشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية، قبل أن يُحالوا ومعهم الطنطاوي ومدير حملته إلى محكمة جنح المطرية بتهمة التأثير على سير العملية الانتخابية، وذلك انتقاماً منهم لممارستهم حقّهم المشروع في المشاركة السياسية والعمل العام.

وفي الإطار نفسه، تطرّقت رؤية لجنة العدالة والجبهة المصرية لحقوق الإنسان إلى وضع المحاماة في مصر بصورة عامة، والحقوقي منها بصورة خاصة. وفي ورقة بحثية وضعتها لجنة العدالة مسلّطةً الضوء على الممارسات الممنهجة للنيابة والسلطة القضائية المصرية في استهداف ومضايقة المحامين الذين يدافعون عن المدافعين عن حقوق الإنسان وسجناء الرأي، أجمعت الشهادات على أنّ القضاء وأعضاء النيابة العامة لا يحترمون المحامين وينتهكون حقوق الدفاع في أثناء حضورهم جلسات التحقيق وجلسات المحكمة في القضايا ذات الطابع السياسي.

وأشارت المنظمتان إلى قرار وزارة العدل المصرية رقم 8901/2021 الذي تضمّن بدء تطبيق نظام تجديد الحبس الاحتياطي عن بُعد، الذي تتضمّن بنوده حضور المحامين جلسات "الفيديو كونفرانس" في المحكمة إلى جانب القاضي وليس مع المتهم في مكان احتجازه. وهذا يوضح الإرادة السياسية للسلطات المصرية في تقويض حقّ المعتقلين في الدفاع القانوني عن طريق منع المحامي من التواصل مع موكّله على انفراد، وينفي الغرض من جلسات الاستماع عن بُعد التي تهدف إلى حماية كلّ الأطراف، بما في ذلك المحامين وأعضاء المحكمة، وكذلك تقويض معايير المحاكمة العادلة والوصول إلى العدالة.

وفي ما يتعلّق باستهداف المحامين من قبل السلطات، وثّقت لجنة العدالة وتحقّقت من حملات وقضايا وحوادث وانتهاكات عديدة في "أرشيف مراقبة العدالة" الذي يتيح الوصول إلى المعلومات حول انتهاكات نظام العدالة في مصر والذي يحتوي على قسم خاص بالمحامين. وقد وثّق الأرشيف ورصد قضايا 706 محامين، تعرّضوا بمعظمهم للإساءة والاعتقال بسبب عملهم في مجال حقوق الإنسان، إذ دافعوا عن المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي.

المساهمون