بحثاً عن خيمة... نازحو غزة يخترعون ما يقيهم البرد والمطر

بحثاً عن خيمة... نازحو غزة يخترعون ما يقيهم البرد والمطر

غزة

أمجد ياغي

avata
أمجد ياغي
15 ديسمبر 2023
+ الخط -

يحاول مئات الأشخاص يومياً شراء الخيام المتاحة للبيع في جميع مناطق مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، فضلاً عن مطاردة شاحنات المساعدات القليلة التي تدخل إلى القطاع من معبر رفح، أملاً أن تكون إحداها تحمل خياماً، والحصول على خيمة منها.
يقضي عشرات آلاف الغزيين يومهم في تجمعات النازحين المكونة من خيام من البلاستيك، أو في داخل المنازل التي لم يطاولها القصف، والتي تكتظ بالناس، وفي مراكز الإيواء التي شكلت في داخل المدارس والمستشفيات، وفي ظل تدمير الكثير من المنازل، ومحدودية الأماكن المتوفرة لبقاء النازحين فإن الخيمة أصبحت الملاذ، لكن تظل هناك مشكلة  توفير الخيمة نفسها، ثم وجود مكان لوضعها، إما في شارع أو أرض فارغة.
يبلغ معدل الأعداد التقديرية للمتواجدين في كل وحدة سكنية تتراوح مساحتها بين 80 إلى 120 مترًا، أكثر من 40 فرداً، من أصحاب الشقة وأقاربهم من النازحين، وتصل الأعداد في بعض المنازل إلى ضعف هذا الرقم، ما يضطر الأشخاص إلى تقسيم الأوقات من أجل الحصول على فترة نوم، أو الاستحمام، ما يعني دخول مجموعة وخروج الآخرين إلى الشارع، أو الجلوس على باب المنزل أو على الدرج.
الأوضاع أكثر سوءا في الخيام بالطبع، فالخيمة الصغيرة على الحدود الفلسطينية المصرية تضم ما بين 15 إلى 20 فرداً، وهؤلاء يتبادلون للحصول على قسط من النوم، أو الراحة، ولا يتوفر لهم الحمام مثل هؤلاء الذين نزحوا إلى منازل.
حصل زهير عوض الله (50 سنة) على خيمته من إحدى الجمعيات الخيرية القريبة من منزله في حي النصر غربي مدينة غزة، بعد أن دمر القصف منزله، وقد نزح مع خيمته من مدينة غزة إلى مجمع ناصر الطبي في مدينة خانيونس، لكنه اضطر مجدداً إلى النزوح جنوباً إلى قرب الحدود قبل عشرة أيام.

يصنع نازحو غزة خيامهم باستخدام النايلون وأكياس الطحين المتاحة

يقول عوض الله لـ"العربي الجديد": "حصلنا على الخيمة للإقامة فيها مؤقتاً، على أن نعيدها إلى الجمعية لاحقاً، لكن نتيجة النزوح من مكان إلى آخر خلال الشهرين الأخيرين، أصبحت الخيمة مهترئة، وهي بالكاد تحمينا من المطر والبرد، وزاد الأمر سوءا بعد العواصف التي ضربت المنطقة خلال الأيام الأخيرة، خصوصاً وأن المنطقة الحدودية صحراوية. الخيام ليست صالحة للوقاية من العواصف، فهي عبارة عن قطعة قماش سميكة تصلح للتخييم، وقد تطايرت أجزاء من الخيمة بسبب العواصف في اليومين الأخيرين. لكن ليس أمامنا بديل عنها، فعددنا 18 فرداً، وقمت بخفض ارتفاعها حتى لا تتطاير من شدة الرياح".
يضيف عوض الله: "يبحث الناس عن الخيام لأنها الوسيلة الوحيدة المتاحة كمكان إقامة يحميهم من المطر، لكنها لا تقي من البرد، وكل يوم نتلقى أسئلة من الناس حول كيفية حصولنا على الخيمة. بات من لديه خيمة محظوظاً في الوقت الحالي، لكن غالبية الخيام المتاحة ليست مخصصة لهذه الأجواء. تسربت مياه الأمطار إلى داخل الخيمة ونحن نيام، فقمت بجمع الحجارة من الشارع، وعمل قناة رملية لتصريف المياه حتى لا تقتحم الخيمة".

الصورة
خيام بسيطة لا تقي البرد أو المطر (أحمد حسب الله/Getty)
خيام بسيطة لا تقي البرد أو المطر (أحمد حسب الله/Getty)

وقام الغزيون على مدار أكثر من شهرين من العدوان الإسرائيلي بتصميم ونصب خيام يدوية صغيرة في أماكن تواجدهم، وكانت البداية مع نصب عشرات الخيام في داخل مجمع الشفاء الطبي، ثم المستشفى الإندونيسي في شمالي القطاع، ثم نقلوا لاحقاً تلك الخيام إلى جنوب قطاع غزة، رغم أن بعضها لا يصلح، إذ صمم أغلبها كي تستند إلى حوائط المستشفيات، بينما لا يوجد حالياً ما يمكن أن تستند إليه، ما دفعهم إلى الاستعانة بالأخشاب والأعمدة المعدنية.
ويحاول بعض النازحين في الوقت الحالي صنع خيمة من خلال الأدوات المتاحة، مثل أكياس النايلون وأكياس الطحين التي يحصلون عليها من بعض المخابز في مدينة رفح، والتي يتم استخدامها للوقاية من البرد والمطر. وتفشل كثير من التجارب لتجهيز خيمة، إذ إن تلك المواد لا تمنع تسرب المياه مع اشتداد الأمطار، كما أنها ليست ناجعة في الوقاية من البرد، لكنهم لا يستسلمون للواقع، ويسعون إلى توفير أي قدر من الخصوصية والدفء لعائلاتهم.

الخيمة الصغيرة في المنطقة القريبة من معبر رفح تضم 15 إلى 20 فرداً

ويلجأ بعض النازحين إلى دخول الشوادر الكبيرة التي وضعتها وكالة "أونروا" في بعض مناطق المنطقة الحدودية من أجل تمركز طواقم عملها. يقول مصطفى أبو داود (36 سنة): "اشتد المطر في ليلة الثلاثاء، وكنت داخل خيمة بالقرب من شارع البلد الرئيسي في مدينة رفح، وقد نصبت الخيمة في هذا المكان حتى أكون بالقرب من الناس في الشارع، وأتمكن من الحصول على بعض المساعدات، لكن مياه الأمطار دخلت الخيمة التي يحتمي فيها النساء والأطفال، فأخذتهم رفقة أشقائي وزوج شقيقتي إلى شادر لأحد المحلات للاحتماء حتى هدأت الأمطار".
انتظر أبو داود ساعة ونصف الساعة بعد توقف هطول الأمطار، ثم عادوا إلى الخيمة، ليقوموا بإخراج المياه منها، لكن المكان كان لا يصلح للنوم، فطلب من سكان أحد المنازل القريبة أن يقضي النساء والأطفال الليل عندهم، وبقي الرجال في الخيمة طوال الليل، وفي الصباح، قام بنقل الخيمة إلى جوار أحد المنازل.

الصورة
البرد يعصف بأطفال غزة النازحين (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
البرد يعصف بأطفال غزة النازحين (أشرف أبو عمرة/الأناضول)

يضيف أبو داود لـ"العربي الجديد": "علمت أن هناك تأجيرا للخيام في بعض المناطق، فقد أصبحت بديلاً عن المنزل في الوقت الحالي، وكلما ذهبنا إلى وكالة أونروا، أخبرونا أنه لا يوجد لديهم خيام، أو أنهم يواجهون عجزاً فيها، والخيام التي صممناها من قماش وأكياس تصلح فقط للحماية من الشمس، وتوفر بعض الخصوصية لنبدل ملابسنا، أو ينام الأطفال والنساء".
وأصبحت الخيام التي أنشأتها وكالة أونروا تغطي مساحة ملاعب المدارس التابعة لها، والتي تحولت إلى مراكز إيواء، وساعدت إدارة أونروا النازحين على نصب شوادر كبيرة تغطي الخيام التي قام بتصميمها النازحون في وسط المدارس نتيجة اكتظاظ الصفوف والغرف، وعدم وجود مساحات أخرى لبقاء النازحين.
يقول أحد سكان الخيام في مدرسة بمنطقة البلد في وسط مدينة رفح، أسعد الزهار، لـ"العربي الجديد": "نزحنا من حي الزيتون شرقي مدينة غزة إلى هنا، ونصبنا الخيمة في المدرسة التي أصبحت بمثابة حي شعبي عشوائي، ورغم وضع الشوادر فوق الساحة، إلا أن المياه تتدفق من الممرات إلى داخل الخيام. نفكر دائما بالسقف الذي يحمينا، لكن البرد يضرب أقدامنا، وأحيانا لا نشعر بها، ولا نملك أحذية أو جوارب توفر التدفئة".
ويستلم الهلال الأحمر الفلسطيني ووكالة أونروا شاحنات المساعدات الواردة عبر معبر رفح، وحسب رصد الهلال الأحمر، فإن نحو 220 خيمة فقط وصلت ضمن تلك المساعدات حتى 11 ديسمبر/كانون الأول، وهي لا تلبي أي قدر من الاحتياجات الحقيقية الكبيرة.

ويقول المتحدث باسم الهلال الأحمر الفلسطيني، عبد الجليل حنجل، إن 147 شاحنة محملة بالمساعدات دخلت قطاع غزة في يوم الأربعاء الماضي، وكان هذا العدد هو الأكبر منذ انتهاء الهدنة الإنسانية في بداية الشهر الحالي. يضيف لـ"العربي الجديد": "أعداد الشاحنات التي دخلت بعد الهدنة لم تتعد 100 شاحنة في اليوم، وفي بعض الأيام وصلت 55 شاحنة فقط، وبشكل إجمالي، فإن مجموع ما يتم إدخاله لا يشكل 10 في المائة من الحاجة الملحة القائمة، خاصة في ظل ظروف البرد والمطر، ويقوم الهلال الأحمر الفلسطيني في الوقت الحالي بوضع لائحة للأغطية والخيام بشكل أساسي، إلى جانب الوقود والأدوات الطبية والأدوية".
وأكد مصدر من "أونروا" أن الوكالة قامت بتوزيع أكثر من 200 خيمة كانت في داخل مخازنها على النازحين، وخصصت خياماً أخرى كنقاط لطواقم العمل في كل تجمعات النازحين، كما صاغت إدارة الوكالة مطالبات للجهات المانحة التي تقوم بإدخال المساعدات بأن يكون من ضمنها الخيام، خاصة وأن الخيام كانت أقل ما يتم الاستجابة له، ولم يكن يصل إلا القليل منها في معظم القوافل الإنسانية.
وتؤوي 155 منشأة تابعة لأونروا حالياً ما يقارب 1,3 مليون شخص نازح من مجموع 1,9 مليون نازح في قطاع غزة، ككل، وتشير الوكالة إلى أن أعداد النازحين في مراكز الإيواء التابعة لها في مناطق الوسط والجنوب تبلغ 11,480 نازحاً.

ذات صلة

الصورة
الصحافي بيتر ماس (Getty)

منوعات

كتب الصحافي المخضرم بيتر ماس، في "واشنطن بوست"، عن "شعوره كمراسل جرائم حرب وابن عائلة مولت دولة ترتكب جرائم حرب"، في إشارة إلى الإبادة الجماعية في غزة.
الصورة
المسؤولون العسكريون الإسرائيليون سمحوا بقتل أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين (محمد عبد / فرانس برس)

منوعات

يفاقم الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي في الحروب المخاوف من خطر التصعيد ودور البشر في اتخاذ القرارات. وأثبت الذكاء الاصطناعي قدرته على اختصار الوقت.
الصورة
هاريس رئيس وزراء أيرلندا الجديد (فرانس برس)

سياسة

حذّرت وزارة الخارجية الإسرائيلية رئيس الوزراء الأيرلندي من خطر الوقوف "على الجانب الخاطئ من التاريخ"، وهاجمته خصوصاً لأنّه لم يذكر في خطابه الرهائن في غزّة.
الصورة
حجم الدمار الذي خلفه الاحتلال في خانيونس كبير (ياسر قديح/ فرانس برس)

مجتمع

عاد بعض أهالي مدينة خانيونس ليرووا ما شاهدوه من فظائع ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي قبل انسحابها منها. هؤلاء تحدثوا عن جثامين متحللة ودمار كبير في الممتلكات.

المساهمون