اليوم العالمي لمقاومة جريمة "الاختفاء القسري"

اليوم العالمي لمقاومة جريمة "الاختفاء القسري"

30 اغسطس 2022
يعد الاختفاء القسري جريمة بموجب القانون الدولي (Getty)
+ الخط -

في ظل واقع عصيب، تحاول الهيئات الحقوقية في مختلف دول العالم مقاومة جريمة "الاختفاء القسري" من خلال إحياء اليوم الدولي للمختفين قسرياً، والذي حددت له الأمم المتحدة يوم 30 أغسطس/ آب من كل عام استجابة لمبادرة جهة غير حكومية تأسست في كوستاريكا عام 1981 وأطلقها "اتحاد روابط أقرباء المعتقلين المختفين قسرياً في أميركا اللاتينية"، حيث شهدت دول أميركا اللاتينية منذ خمسينيات القرن الماضي موجة كبيرة من عمليات الاختفاء القسري للمعارضين السياسيين.

وفقاً لمنظمة العفو الدولية، فإن ضحايا الاختفاء القسري هم أشخاص اختفوا فعلياً بعيداً عن أحبائهم ومجتمعهم، وهم يختفون عندما يقبض عليهم مسؤولو الدولة أو أي شخص يعمل بموافقة الدولة من الشارع أو من منازلهم ثم ينكرون ذلك الأمر، أو يرفضون الكشف عن مكان وجودهم. وفي بعض الأحيان تقوم بعمليات الإخفاء عناصر مسلحة غير تابعة للدولة، وهذا الإخفاء يعد جريمة بموجب القانون الدولي. 

يعود ابتكار جريمة الاختفاء القسري إلى أدولف هتلر حين أصدر مرسوم "الليل والضباب" في 7 ديسمبر/كانون الأول 1941، لاستهداف الناشطين السياسيين المعارضين وناشطي المقاومة خلال الحرب العالمية الثانية، ولم يعرف أحد بالضبط مصير هؤلاء الناشطين الذين استُهدفوا خلال هذه العملية، ومنذ ذلك التاريخ وقع مئات الآلاف ضحايا لهذه الجريمة.  

ذريعة الإرهاب  

دائماً ما تشير بيانات الأمم المتحدة الخاصة بهذه المأساة إلى أن الاختفاء القسري لا يزال يستخدم في أرجاء العالم باعتباره وسيلة لقمع المعارضة وخنقها وإرهابها، وللمفارقة فإن استخدامه يتم أحياناً بذريعة مكافحة الجريمة أو الإرهاب! 

ويؤكد أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، أن جريمة الاختفاء القسري لا تزال منتشرة في جميع أنحاء العالم، وما زلنا نرى حالات جديدة بشكل شبه يومي، وفي الوقت ذاته لا يزال الألم المبرح للحالات القديمة حاداً، حيث لا يزال مصير الآلاف من المختفين مجهولاً، ما يجعل للجريمة حضوراً مستمراً في حياة أحبائهم المفقودين، وأن الاختفاء القسري أصبح يستخدم كوسيلة للضغط السياسي على الخصوم في النزاعات المحلية بعد أن كان يقتصر على الدكتاتوريات العسكرية. 

جريمة بلا متهمين  

وتقوم منظمة العفو الدولية بتوثيق حالات الاختفاء التي تحدث بانتظام في ظل أنظمة سياسية تمارس انتهاكات موثقة لحقوق الإنسان، ومن بين تلك الدول تأتي سورية ومصر واليمن والعراق وليبيا، وتؤكد التقارير الحقوقية تصاعد عمليات الاختفاء القسري في أعقاب فشل ثورات الربيع العربي.

ويرى الباحث اليمني د. حميد اللهبي، في كتابه "الاختفاء القسري جريمة دولة"، أن صيغة القوانين الدولية بوضعها الحالي تسمح للأنظمة المستبدة بالتنصل من الجريمة عبر العديد من الحيل البسيطة، فهذه الأنظمة هي التي تدعو أفرادها لممارسة هذه الجريمة لصالحها، فكيف لها أن تعاقب الجناة وتطاردهم؟! 

على سبيل المثال، يشير فيليب أرثر، مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، إلى أن الاختفاء القسري أصبح أداة رئيسية لسياسة الدولة في مصر، وكل من يجرؤ على الكلام في مصر هو في خطر، وأن أجهزة الأمن والسلطات القضائية مستعدة للكذب للتغطية على آثار الجناة وإفشال التحقيق في مزاعم المجني عليهم.  

معاناة الضحايا  

يعاني ضحايا الاختفاء القسري بشكل مباشر، بسبب ما يتعرضون له من تعذيب بدني، أو ما يعانونه من خوف مستمر على حياتهم وعلى مصيرهم المجهول لخروجهم عن دائرة التعامل القانوني والحقوقي والإنساني، وعلى مستقبل ذويهم الذين انقطعت كل أسباب التواصل بينهم بمجرد اعتقالهم، وحتى إذا نجا هؤلاء المعتقلون وأطلق سراحهم في وقتٍ ما فإن الجراح البدنية والنفسية تعيش معهم طوال عمرهم. 

كما أن عائلات وأقارب وأصدقاء الأشخاص المختفين يعانون اضطرابات نفسية عديدة لعدم معرفتهم أي معلومة عن مصير الشخص المختفي، وما إذا كان على قيد الحياة أم لا، وأين هو مكان احتجازه؟ وكيف تتم معاملته؟ وقد يؤدي البحث عن الحقيقة إلى تعريض الأسرة بأكملها لخطر كبير. وتدلل المنظمات الحقوقية على ذلك بالعديد من الحالات المشهورة، مثل البرلماني المعروف الدكتور مصطفى النجار، الذي اختفى في 19 سبتمبر/أيلول 2018 ولم يعثر له على أثر منذ ذلك الحين، والباحث الإيطالي جوليو روجيني، الذي اختفى في 25 يناير/كانون الثاني 2016 ثم وجدت جثته مشوهة في منطقة صحراوية بمدينة 6 أكتوبر في 3 فبراير/شباط، وأخيراً الباحث المصري أيمن هدهود، الذي اختفى في 6 فبراير/شباط 2022 ثم وجدت جثته في 10 إبريل/نيسان في ثلاجة الموتى بمستشفى الأمراض العقلية بالعباسية. 

حجازي نموذجاً   

والباحثون عن حقوق المختفين قسرياً هم أيضاً عرضة للتنكيل، ويعد المحامي الحقوقي إبراهيم متولي حجازي بطلاً لواحدة من تلك القصص المأساوية. 

تبدأ قصة إبراهيم حجازي في أغسطس/آب 2013 حين اختفى ابنه قسرياً أثناء مظاهرات لمؤيدي الرئيس الراحل محمد مرسي، حيث فشلت محاولاته في العثور على ابنه، فأسس على أثر ذلك رابطة لدعم أهالي المختفين قسرياً، وقد قام بنشاط إنساني وحقوقي كبير من خلال هذه الرابطة. 

في 10 سبتمبر/أيلول 2017 تم اعتقاله من داخل مطار القاهرة، واقتياده إلى جهة –كانت– مجهولة، حيث كان متجهاً إلى جنيف للمشاركة في الاجتماع السنوي لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وقد ظل حجازي مختفياً عدة أيام حتى ظهر في نيابة أمن الدولة. 

تم التحقيق معه على ذمة القضية رقم 900 لسنة 2017 حصر أمن دولة، وبعد عامين من الحبس الاحتياطي قامت النيابة بإخلاء سبيله بتاريخ 14 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وذلك طبقاً لنص المادة 3/143 من قانون الإجراءات الجنائية، لكنه اختفى قسرياً مرة أخرى بعد إخلاء سبيله لمدة أسبوعين، ثم ظهر في نيابة أمن الدولة العليا بتاريخ 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 على ذمة قضية جديدة تحمل رقم 1470 لسنة 2019 حصر أمن دولة، بالتهم نفسها الموجهة إليه في القضية السابقة، وبتاريخ 26 أغسطس/آب 2020 تم إخلاء سبيله مرة أخرى من محكمة الجنايات، ولكن بعد عدة أيام تمت إعادة تدويره على ذمة قضية جديدة تحمل رقم 786 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا... وهكذا دواليك! 

"المفوضية المصرية للحقوق والحريات" وثقت تعرض حجازي للاختفاء القسري لمدة يومين، احتُجز خلالهما بمقر الأمن الوطني بالعباسية، كما وثقت شهادته بتعرضه للتعذيب والمعاملة اللاإنسانية، وتجريده من جميع ملابسه وتصويره بدون ملابس، وسكب الماء البارد على جسده وصعقه بالكهرباء في مفاصل يده وصدره وفي الخصيتين عدة مرات حتى وقت عرضه على النيابة. 

المساهمون