المغرب يواجه ارتفاعاً غير مسبوق في عدد السجناء

المغرب يواجه ارتفاعاً غير مسبوق في عدد السجناء

18 مايو 2023
من المتوقع أن يزداد عدد السجناء المُدانين بنسبة 10% في أفق عام 2026 (فاضل سنّا/فرانس برس)
+ الخط -

أعاد تقرير رسمي إلى الواجهة ملف اكتظاظ سجون المغرب بعدما كشف عن منحى تصاعدي لعدد نزلاء السجون الذي من المتوقع أن يتخطّى 100 ألف سجين في عام 2025، وهو رقم لم يسبق تسجيله في سجون البلاد.

وتوقّعت المندوبية العامة لإدارة السجون في المغرب (حكومية) في تقريرها لعام 2022 أن يعاود عدد السجناء الارتفاع بنسبة تقدّر بـ2.6 في المائة في أفق عام 2024، فيبلغ 99 ألف سجين. ومن المنتظر أن يواصل عدد السجناء الارتفاع ليكسر حاجز 100 ألف ويبلغ 101 ألف سجين في أفق عام 2025، وأكثر من 104 آلاف سجين في عام 2026، الأمر الذي يشير إلى ارتفاع محتمل في عدد السجناء بنسبة سبعة في المائة ما بين عامَي 2022 و2026.

وبيّن التقرير الصادر أخيراً أنّ هذه النسب تتوافق إلى حدّ ما مع وتيرة الارتفاع المتوقّعة لعدد السجناء الذكور. وفي المقابل، تسجيل انخفاض طفيف مرتقب في عدد السجينات في أعوام 2023 و2024 و2025 ليعود في عام 2026 ويقترب من العدد المسجّل في عام 2022.

ومن المتوقّع، بحسب التقرير نفسه، أن يزداد عدد السجناء المُدانين بنسبة 10 في المائة في أفق عام 2026 وذلك في مقابل 2.5 في المائة بالنسبة إلى عدد السجناء الاحتياطيين الذي تشير التقديرات إلى تسجيله انخفاضاً طفيفاً في عام 2023 ليعاود الارتفاع بعد ذلك.

وفي حال تأكدت هذه التوقعات، فإنّ المعتقلين الاحتياطيين سوف يمثّلون 39 في المائة من مجموع نزلاء السجون في أفق عام 2026.

وبالنسبة إلى السجناء الوافدين من حالة سراح، فمن المتوقع أن يرتفع عددهم بنسبة 3.3 في المائة في عام 2023 وبـ2 في المائة في عام 2024 ليقارب في عام 2026 ما مجموعه 128 ألف وافد.

وعرف عدد السجناء في المغرب ارتفاعاً من 83 ألفاً و757 سجيناً إلى 97 ألفاً و204 سجناء، ما بين عامَي 2018 و2022، الأمر الذي يعني ارتفاعاً بنسبة 16 في المائة.

وعلى الرغم من تحسّن ظروف الإقامة والخدمات اللوجستية وبرامج التأهيل بالسجون المغربية في الأعوام الأخيرة، فإنّ الارتفاع القياسي في عدد السجناء يطرح تحديات على مسؤولي إدارة السجون في البلاد في ما يخصّ تطبيق سياسة إعادة الدمج والحفاظ على كرامة السجين. كما يثير الاكتظاظ أكثر من علامة استفهام حول الأسباب الكامنة وراءه.

وفي الأشهر الماضية، بدأ الحديث عن اعتماد عقوبات بديلة تعوّض العقوبات السالبة للحرية، بعدما تقدّم وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي بمشروع قانون في هذا السياق. لكنّ المشروع ما زال إلى حدّ الآن في الأدراج، بعد قرار المجلس الحكومي المنعقد في الرابع من مايو/ أيار الجاري القاضي بتشكيل لجنة برئاسة رئيس الحكومة عزيز أخنوش وتضمّ كلّ الأطراف المعنية، بهدف تعميق النقاش حوله، لعرضه على اجتماع لاحق يعقده مجلس الوزراء.

وتتوزّع تلك العقوبات البديلة على أربعة أنواع، أوّلها العمل من أجل المنفعة العامة، وثانيها المراقبة الإلكترونية، وثالثها تقييد بعض الحقوق وفرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية في الحالات التي لا تتجاوز فيها مدّة العقوبة السالبة للحرية الحبس لمدّة سنتَين. أمّا العقوبة البديلة الرابعة فتتمثّل في سداد غرامة مالية تحدّدها المحكمة عن كلّ يوم من المدّة السجنية المحكوم بها والتي لا تتجاوز في المقرّر القضائي الحبس لمدّة سنتَين. وتتوزّع الغرامة اليومية ما بين 100 و2000 درهم مغربي (ما بين 10 و200 دولار أميركي) عن كلّ يوم من عقوبة الحبس المحكوم بها تقدّرها المحكمة بحسب الإمكانيات المادية للمحكوم عليه وخطورة الجريمة المرتكبة بالضرر المترتب عنها، ويمكن للأحداث أيضاً أن يستفيدوا منها.

وفي هذا السياق، يقول المنسّق الوطني لـ"العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان" بوبكر أونغير لـ"العربي الجديد"، إنّ "تقرير إدارة السجون حول ارتفاع كبير في عدد السجناء يطرح تساؤلات عديدة، من بينها ضرورة البحث الجدي عن أسباب ارتفاع نسب الجرائم في المغرب، وما يتطلب ذلك من تحرّ علمي أكاديمي سوسيولوجي (اجتماعي) ونفسي لفهم أسباب هذه الانعطافة الكبيرة في المجتمع نحو خرق القانون من جهة، ومن جهة ثانية مساءلة القانون الجنائي واستبعاده للعقوبات البديلة التي يمكن تطبيقها على عدد كبير من القضايا التي قد لا تتطلب بالضرورة سجن أصحابها".

ويرى هذا الناشط الحقوقي أنّ "حلّ مشكلة اكتظاظ السجون يتطلّب على أقلّ تقدير ثلاثة إجراءات، أوّلها ضرورة تغيير القانون الجنائي على أساس إقرار العقوبات البديلة ومعالجة تراكمات السجن الاحتياطي، إذ لم يعد مقبولاً أن يُعتقَل الأشخاص ويُرموا في السجون في انتظار محاكمة قد تطول قبل الحكم في النهاية ببراءتهم أو الحكم بما قضوا".

يضيف أونغير أنّ "ثاني الإجراءات هو ضرورة الاستفادة من التجارب المقارنة في الدول الديمقراطية التي تتّبع أساليب وطرقاً استطاعت من خلالها التغلّب على مشكلة الاكتظاظ، من خلال الاستعانة بطبيعة الحال بخبراء مختصّين في ميادين علم الإجرام وعلم الاجتماع وعلم النفس من أجل الحدّ من تفشّي الجريمة في المجتمع".

وبخصوص الإجراء الثالث، يوضح أونغير أنّه "يتمثّل في ضرورة إقرار تدابير دمج اقتصادي وكذلك اجتماعي للسجناء المفرج عنهم، لأنّ الدراسات العلمية تؤكد ارتفاع حالة المعاودة (الجرم) بين عدد كبير من السجناء، الأمر الذي يؤكد أنّ دمجهم في المجتمع اقتصادياً واجتماعياً ما زال هدفاً مؤجلاً".

تجدر الإشارة إلى أنّ تقريراً برلمانياً سابقاً نُشر في يوليو/ تموز من عام 2021 حول أوضاع السجون شمل ثلاث مؤسسات سجنية، لفت إلى أنّ الاكتظاظ أزمة مستمرّة في ظلّ مواصلة اعتماد آلية الاعتقال الاحتياطي من دون ترشيد وعدم توفير بدائل للعقوبات السجنية.

المساهمون