المزارعون الفلسطينيون... مستوطنون يكثّفون اعتداءاتهم ويقابلون صموداً

المزارعون الفلسطينيون... مستوطنون يكثّفون اعتداءاتهم ويقابلون صموداً

30 مارس 2023
تُعاود زراعة أشجار الزيتون التي اقتلعها مستوطنون (عصام ريماوي/ الأناضول)
+ الخط -

كثيرة هي قصصُ الفلسطينيين الذين يواجهون اعتداءات دائمة من المستوطنين في الضفة الغربية. اعتداءات تتنوع ما بين الجسدي المباشر وإطلاق النار، وحرق المنازل والمساجد والأراضي الزراعية وسرقة المحاصيل. إلا أن هناك شريحة من الفلسطينيين لا تنال القسط الكافي من الاهتمام بمعاناتها، وهي أصحاب المشاريع الزراعية المقامة على مقربة من المستوطنات والبؤر الاستيطانية، إذ يستفرد المعتدون بهم ولا يجدون من يقف معهم أو على الأقل يعوضهم عن الأضرار الهائلة التي تصيبهم.

تهجير من مصادر دخلهم

قبل أيام عدة، كانت المزارعة رحاب دويكات على موعد مع اعتداء جديد ارتكبه مستوطنون من مستوطنة إيتمار المقامة على بعد عشرات الأمتار فقط من مزرعتها الخاصة في قرية روجيب الواقعة شرق مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة.
المستوطنون، وتحت جنح الظلام، تسللوا إلى أرضها التي تبلغ مساحتها ثمانية دونمات تقريباً، بعد قص السياج، وعملوا على اقتلاع وقطع عشرات أشجار الزيتون، بعضها قديم والآخر حديث الزراعة، وتخريب خطوط مياه الري وخزانات المياه، وقدرت خسائرها بآلاف الدولارات. تقول دويكات لـ "العربي الجديد"، وهي تحاول أن ترمم بمساعدة زوجها وشريكها في المشروع رائد رواجبة ما أقدم المستوطنون على تخريبه: "هذه المرة الخامسة في أقل من عامين. منذ بدأنا ترميم أرضنا واستصلاحها وأقمنا مشروعاً زراعياً ليكون مصدر رزق عائلتنا، ونحن نتعرض لهجمات ممنهجة من المستوطنين القادمين من مستوطنة إيتمار المقامة على أراضي قريتنا وقرية عورتا تحديداً، والتي يقطنها اليوم عتاة المتطرفين وشبيبة التلال (مستوطنون متطرفون). لكننا لن نستسلم ولن نترك المنطقة لقمة سائغة لهم".
ما يجري مع دويكات يكشف حجم الاستفراد الذي يتعرض له المزارعون الفلسطينيون في المناطق القريبة من المستوطنات والبؤر الاستيطانية المنتشرة في الضفة الغربية المحتلة. ويسعى المستوطنون لإجبارهم على الرحيل وهجر مشاريعهم الزراعية أو أراضيهم بهدف السيطرة عليها وضمها للمستوطنات.

مستوطنات تقضم الأراضي

تدرك دويكات ما يخطط له المستوطنون. وتقول: "لو سيطروا على أرضي التي تقع على قمة جبل مطل على قرية روجيب، وسفوح نابلس الشرقية، فهذا يعني أنهم تمكنوا من موقع استراتيجي جديد، سيحولونه عاجلاً أو آجلاً إما إلى بؤرة استيطانية أو تسييجه وضمه إلى أملاك مستوطنة إيتمار". التوسع الاستيطاني لم يعد قائماً فقط على حدود المستوطنات، بل أصبح يطال الأراضي المجاورة لحدود المستوطنة الذي يمكن تمييزه غالباً بوجود جدار شائك على طول محيطها، أو ما بات يعرف بالحزام الاستيطاني الآمن لكل مستوطنة.
يسرح الزوج رائد وعيناه تجولان وكأنه يتفقد الشتلات المقطعة بمنشار كهربائي، والثغرات التي أحدثها المستوطنون في الأسلاك الشائكة. ويقول لـ"العربي الجديد": "لا تتخيل كم تعبنا حتى وصلنا إلى هذه المرحلة في مشروعنا. التعب الجسدي الذي بذلناه لا توازيه أي قيمة مادية. هذه الأرض كانت بور، الصخور في كل مكان، عملنا بأيدنا وبأدوات بدائية بعدما صادر جيش الاحتلال جرافة أحضرناها للمكان. وكان التحدي الأكبر إيصال المياه إليها. سقينا الشتلات شتلة شتلة وزرعنا الفول والبصل والميرمية. أنظر إليها قبل تخريب المستوطنين. كانت عبارة عن جنة. هذا ما أغاظ جيران السوء (في إشارة إلى المستوطنين)".
اقتحم حارس المستوطنة الأرض بعد تأهيلها أكثر من مرة، وكأن الحسرة تملأ عينيه لنجاح رحاب وزوجها في مشروعهما، لكن ما كان يغيظه أكثر وفق الزوجين أنهما شجعا غيرهما من أصحاب الأراضي على السير على دربهما. وبالتالي ستصبح المنطقة مأهولة، وهو ما لا يريده المستوطنون، ويُفشِل خطتهم في السيطرة على الموقع بأكمله.
بحسرة، تقول دويكات إنه على الرغم من كل ما تعرضا له، فإنهما قوبلا بتقصير شديد من الجهات الرسمية الفلسطينية، وخصوصاً من هيئة مقاومة الجدار والاستيطان ووزارة الزراعة الفلسطينية، وقد عوضوا بثلاثين شتلة لمرة واحدة فقط لا تصلح للزراعة كونها غير مجدية اقتصادياً.

اعتداءات متواصلة

من شرق نابلس إلى غربها، تبدو الصورة مشابهة تماماً. يقف الحاج حمد الغازي (60 عاماً) وسط أرضه التي ما كاد ينتهي من استصلاحها وتأهيلها بمساعدة أبنائه، حتى أرجعها المستوطنون إلى نقطة الصفر بعدما خلعوا الأسلاك الشائكة وقضوا على أكثر من 300 شجرة زيتون، ودمروا شبكة الري.
المهاجمون الذين استهدفوا أرض الغازي القاطن في قرية دير شرف غرب نابلس للمرة الثانية خلال عام، جاؤوا وفق تقديراته من مستوطنة شافي شمرون المقامة على أراضي المواطنين في بلدات وقرى غرب وشمال نابلس. يقول: "قضى نجاحي على حلمهم بإقامة بؤرة استيطانية كانت ستلتهم أرضي والأراضي المجاورة، لكن هذا يؤكد أن معركتنا مع الاستيطان لن تكون سهلة، فهي حرب للبقاء ونحن مستعدون لها".
كان الغازي في طريقه لزراعة مئات الشتلات العطرية وتحضير التربة لزراعة أصناف جديدة، لتكون المفاجأة بـ"اقتلاع وقص الزيتون وإزالة شبكة المياه". ويذكر كيف كانت مجموعات من المستوطنين تحوم حول أرضه وهو يعمل فيها، وكأنهم يخططون لأمر ما، لكنهم لم يقتربوا منه. كان ذلك قبل أن يهاجموا أرضه للمرة الأولى نهاية عام 2021، لافتاً إلى أنّ تلك الأراضي مستهدفة بالاستيطان، إذ حاول المستوطنون قبل ذلك إقامة بؤرة استيطانية عليها، لكنهم لم ينجحوا.
يقول الغازي: "انتظروا حتى حولت الأرض البور إلى جنة. وفي ليلة مظلمة انقضوا عليها. صدقاً كانت صدمة كبيرة لي، وكنت أمام قرارين لا ثالث لهما فإما أن أرفع الراية البيضاء أو أن أستمر".

يحاول الوصول إلى أرضه (حازم بادر/ فرانس برس)
يحاول الوصول إلى أرضه (حازم بادر/ فرانس برس)

حاول الغازي أن يعوض بعض خسائره، فتواصل مع الجهات المعنية، وتلقى وعوداً من دون جدوى. ويقول: "الدعم الوحيد الذي تلقيته كان من عائلتي وزوجتي تحديداً ومن صاحب أرض مجاورة أخبرني أنه لن يتركني وحدي، وشرعنا معاً في العمل من جديد لتأهيل أراضينا".
لا ينسى أبو أحمد ما جرى نهاية العام الماضي، عندما اقتحم حارس مستوطنة شافي شمرون المنطقة بسيارته وهو مسلح، وفاوضه على بيعها أو بيع جزء منها. يقول: "طردته ولم أسمح له حتى بتكرار طلبه، فخرج وهو يهدد ويتوعد، فعلمت أنني على موعد مع هجوم جديد، وهو ما حصل قبل نحو شهر"، لكن الأهالي تصدّوا لهم وأجبروهم على إزالتها، فيما عاود أصحاب الأراضي زراعتها واستصلاحها.

محاربة الوجود الفلسطيني

يحرص المستوطنون على عدم وجود أي أثر للفلسطينيين في المناطق القريبة من المستوطنات، حتى لو على مسافة تزيد على مئات الأمتار، كما يؤكد الناشط في مناهضة الاستيطان بشار قريوتي في حديثه لـ "العربي الجديد". ويقول: "يُحارب المستوطنون أي وجود فلسطيني، وهذا ليس جديداً. لكنه تعاظم مؤخراً، وباتت مهاجمة الأراضي الفلسطينية المستصلحة نهجاً معتمداً يبدأ من حارس المستوطنة. بعدها تبدأ مجموعات من سكانها بترهيب أصحاب الأرض ومهاجمتهم والتضييق عليهم في محاولة لدفعهم للهرب".

لكن في حال فشلوا في ذلك، يوضح قريوتي أن العمل يأخذ منحى أخطر، إذ يهاجمون المشروع بشكل جماعي معتمدين على استخدام معدات كهربائية لقص السياج الخارجي، وقطع الأشجار والتخريب، لإنجاز فعلتهم بأسرع وقت ممكن، قبل انكشافهم".
والأخطر بحسب قريوتي هو أسلوب المساومة، وعرض شراء الأرض أو جزء منها. ويقول: "أعرف مزارعين عرض عليهم بيع دونم واحد فقط من أرضهم القريبة من إحدى المستوطنات بمبلغ مليون شيكل (حوالي 300 ألف دولار)، وسعرها الحقيقي لا يزيد عن 10 في المائة فقط من السعر المعروض". ويؤكد ما ذهب إليه الغازي ودويكات بأن السلطة الفلسطينية لا تولي هذا الملف الاهتمام المطلوب، ولا توفر للمتضررين أي مساعدات إلا بالشكل اليسير، لكن أصحابها صامدون ويعاودون تأهيلها من جديد.
ووفق أحدث الإحصائيات، يعيش نحو 575 ألف إسرائيلي في مستوطنات بالضفة الغربية التي تحتلّها إسرائيل منذ 1967، في مقابل 2.9 مليون فلسطيني، كما يقطن 230 ألف مستوطن في مستوطنات شرق القدس.
ونفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنوه خلال العام الماضي، 8724 اعتداء بحق المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم بمختلف المحافظات الفلسطينية، بحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، التي أكدت أن الاحتلال يتبع أسلوباً خطيراً من خلال البؤر الاستيطانية الرعوية للسيطرة على مزيد من الأراضي.
وشهد العام الجاري، منذ مطلعه، اعتداءات واسعة وخطيرة بحق الفلسطينيين وممتلكاتهم، وخصوصاً بعد وصول متطرفين إلى سدة الحكم في دولة الاحتلال، فما شهدته بلدة حوارة جنوب نابلس الشهر الماضي كان واضحاً بحجم الاستهداف بحرق منازل وسيارات وتكسيرها، والاعتداء على الأهالي، واستشهاد الشاب سامح الأقطش من قرية زعترة المجاورة، وإيقاع إصابات في صفوف الأهالي. وتلا ذلك اعتداءات أخرى بعد كل عملية ينفذها مقاومون، حيث شهدت البلدة 3 عمليات إطلاق نار خلال شهر واحد فقط، فيما يهاجم المستوطنون حوارة بحماية جيش الاحتلال، وسط محاولة الأهالي التصدي لهم.

المساهمون