بحث المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات- فرع تونس، اليوم الجمعة، موضوع الزمن المدرسي وتأثيراته على جودة التعليم، والحاجة إلى مواكبة المتغيرات والتطورات بدل التركيز على الكم والتقييم.
وقال عضو المركز محرز الدريسي، إنّ "هذا المنتدى يتناول المدرسة وإشكالياتها قصد المساهمة في تطوير الشأن التربوي، حيث إن الزمن المدرسي لا يزال بصيغته التقليدية لم يتغير منذ سنوات، في حين أن المكتسبات لا ترتقي لهذا الكم، وهو ما يطرح أسئلة أعمق حول علاقة التونسي بالزمن".
وأكد الدريسي لـ"العربي الجديد " أنه "لا بد من نظرة جديدة للزمن المدرسي، فالاختلالات معروفة، ولا بد من إعادة النظر في التنظيمات البيداغوجية والبرامج والقيم داخل المدرسة، لإعادة بناء علاقة جديدة بين المدرسة والتلاميذ".
من جهتها، قالت الأستاذة الجامعية، هيام التركي، في مداخلة لها، إنّ "هناك اختلالات عدة فيما يتعلق بالزمن المدرسي، والمدرسون يجمعون على عدم رضاهم عنها، ويُحملون الإدارة المسؤولية، والأولياء يعبرون دائماً عن خيبتهم وشعورهم بضعف التحصيل الدراسي مقابل ساعات طويلة من التدريس، وهم الذين ينشدون التميز للتباهي، ويشتكون من ضغط الوقت ويلجأون إلى دروس التدارك، وإلى الكتب الموازية".
ولفتت إلى أن "هندسة مؤسسة التعليم تتطلب تحديداً للزمن، لأن الخيبات تعوق العملية التواصلية والتربوية، وهذا لا يتم إلا بالاجتماع حول هدف عام يعيد للمدرسة مكانتها"، مشيرة إلى أن "البعض يرى أنه يمكن العودة إلى نظام الحصة الواحدة، ومراجعة نظام التغيب للمدرسين، وتوفير إطار تدريسي، وتخفيف بعض المواد لتتحول إلى مواد ترفيهية، وإقامة ميثاق تربوي يُنظم السلوكيات، مع إطلاق استشارة وطنية حول الزمن المدرسي".
وأفادت التركي بأن "سوء التصرف في الفعل المدرسي يسبّب الشعور بالإرهاق، وتفاقم ظاهرة الضجر والتشويش والتسرب والانقطاع، والعملية معقدة تتدخل فيها أطراف عدة، لأن البيئة المدرسية اجتماعية".
وأكدت المتحدثة لـ"العربي الجديد" أن "الزمن المدرسي معضلة مجتمعية، لأن ما يؤثر في المدرسة يلقي بظلاله على النسيج الاجتماعي"، موضحة أن "المفارقة اليوم هي بين الكم والنوع، فالمدة الزمنية المدرسية طويلة جداً، ولكن المكتسبات في مرحلة تساؤل أمام ما نجده من ضعف"، مشيرة إلى أن "الإشكال في الساعات الطويلة والبرنامج المبني على الكثافة".
من جهته، قال المتفقد التربوي (يتولى مراقبة أعمال المدرسين ويشرف على ترقياتهم المهنية) منير المناعي، إن "الزمن المدرسي مر بتجارب عدة، وبالعودة إلى الإحصائيات والبحوث والمنشورات الرسمية فإنه يختلف من وجهة نظر المدرس، وأيضاً المتعلم".
وتابع أن "عدد ساعات عمل المربي التونسي تبلغ 480 ساعة في السنوات الأولى، وفي أقصى الحالات تصل إلى 600 ساعة"، مبيناً أنه في 2015 قررت وزارة التربية تخفيض ساعات المدرسين، وكأنها تريد إيجاد حل مع الأطراف الاجتماعية، لتبدأ النتائج الدراسية في الانحدار، مشيراً إلى أن "طاقات المدرس توظف خارج المدرسة، أي في الدروس الخصوصية". وتابع أن "من المقترحات إعادة النظر في توزيع أيام العمل والمدرسة التونسية، امتحانات وتقييمات، والأفضل أن تكون أكثر جذباً للتلاميذ".
وأكد المتفقد التربوي، مجيد الشارني، أن "تونس لها أكبر زمن مدرسي يقدر بـ8 ساعات في اليوم بعد الصين، فساعات تدريس التلميذ التونسي كبيرة تصل إلى 960 ساعة سنوياً، دون اعتبار الساعات الخصوصية والتحضير للدرس، في حين أن أول عمل يجب القيام به هو التخفيض في الساعات من 55 إلى 40 دقيقة، ولا بد من قرار سياسي يراعي الذكاءات المختلفة للتلاميذ، فالنجاح لدى البعض يكون في الرياضيات والمواد العلمية، وليس في الموسيقى"، مؤكداً أن "صورة المدرسة منفرة، لأن التلاميذ ملوا من الجدران التعيسة وسط ساحة بائسة، إذ لا بد من الموازنة بين الجانب المعرفي والوجداني".
وتابع الشارني: "أفضل سنة كانت سنة الجائحة بعد تقليص البرامج"، مبيناً أنه "لا بد من الطاقة الإيجابية والتثمين والتفكير، فعصارة الزمن المدرسي ليست بالتقييم".
وأوضح المتحدث ذاته، لـ"العربي الجديد"، أن "المدرسة تركز على الزمن الدراسي وتهمل الجانب النفسي، في حين لا يجب أن يجري إغفال الأمر نشداناً للتغيير"، مؤكداً أن "زمن المدرسة يجب أن يتغير إلى زمن الحياة".
وقال المدير السابق للتكوين بوزارة التربية، خالد الشابي، إنه "لا بد من زمن مدرسي يراعي المتعلم، وليس آلية تقنية تنظم الجوانب الإدارية، كما أنه من بين المراجعات المطلوبة التوفيق بين التوقيت المخصص لتدريس كل مادة وبرمجة التخفيض في العطلة الصيفية"، مشيراً مثلاً إلى "اعتماد تدريس 5 أيام في الأسبوع فقط، مع مراعاة خصوصيات بعض المدن في المحافظات الداخلية".